وزير الخارجية الفرنسي السابق هوبيرت ڤيدرين: البوليساريو كيان صوري.. وهناك نخب جزائرية مستعدة للتفكير في المستقبل بشكل مختلف إذا تم التوصل إلى تسوية تحفظ "كرامة بلادها"
قال وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، هوبيرت ڤيدرين، إن النظام الجزائري مطالب بإدراك أن السعي وراء استقلال كيان "الجمهورية الصحراوية" الوهمي بات خيارًا غير واقعيا، في ظل ما تشكله جبهة "البوليساريو" الانفصالية من تهديد لاستقرار المنطقة، مشدّدا على أن الموقف الفرنسي الجديد تجاه قضية الصحراء ليس مرتبطًا بتراجع نفوذ باريس في إفريقيا، بل يعبر عن استياء من تجاهل النظام الجزائري للمبادرات الفرنسية.
وأكد هوبيرت ڤيدرين، الذي شغل منصب وزير خارجية فرنسا في الفترة الممتدة ما بين 1997-2002، ضمن حوار مطول أجرته معه صحيفة "لوماتان"، أنه لطالما تمنى أن تُستأنف العلاقة بين الرباط وباريس في أفضل الظروف بعد سنوات من التوتر، وذلك بالنظر إلى الدور البارز الذي قام به والده قبل استقلال المملكة، وهو الدور الذي حظي بتقدير الملك محمد الخامس في مناسبات عديدة، موردا: "لكن لا أرغب في أن ينسى المغاربة أنه لفترة طويلة كانت فرنسا تحمي المغرب في مجلس الأمن، بدعمها لخطة الحكم الذاتي، واعتبارها إياه قاعدة جيدة لحل هذا النزاع المفتعل حول الصحراء وفي مرحلة معينة، رأى المغرب أن هذا الدعم لم يعد كافيًا، وأن خطة الحكم الذاتي يجب أن تكون الأساس للتسوية".
وأشار المتحدث إلى أن الرئيس إيمانويل ماكرون قد درس بعناية مسألة الاعتراف الكامل بمغربية الصحراء، انطلاقًا من رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار عدة عوامل، من بينها مواقف الأمم المتحدة وموقف الجزائر، وبناء عليه، الرئيس الفرنسي عبّر في يوليوز الماضي عن قناعته بأن حاضر ومستقبل الصحراء مرتبطان بالسيادة المغربية، مما يعكس انسجامًا مع المواقف الأمريكية والإسبانية، مؤكدا "أن هذا القرار كان صائبًا ومبنياً على قراءة دقيقة للمعطيات السياسية الدولية".
وشدّد وزير الخارجية الفرنسي السابق، على أن هذا التوجه يمثل تطورًا منطقيًا، على اعتبار أن "الواقع يقول اليوم إنه لا أحد في العالم يريد كيانًا صوريًا غير مستقر في الصحراء يدَّعي الاستقلال، لأنه سيكون مصدر خطر على الجميع، وبالتالي إنه موقف واقعي وعقلاني، لكنني أطلب من أصدقائنا المغاربة ألا ينسوا الدور الصديق والمفيد الذي لعبته فرنسا في دعم خطة الحكم الذاتي منذ عام 2007". يقول المتحدث.
ويعتقد المسؤول الحكومي الفرنسي السابق، الذي كان جزءًا من مجموعة من ستة عشر شخصية شكلها كوفي عنان عام 2003 لدراسة مستقبل الأمم المتحدة، أن الكفة الفرنسية تميل لصالح المغرب، ولكن دون أن يكون ذلك على حساب الجزائر، موضحا أن "النظام الجزائري لم يتقبل الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء بشكل جيد، فيما أن هذا الموقف لا يعني معاداة الجزائر كدولة، وأن الرئيس الفرنسي أدرك الواقع على الأرض، بما في ذلك ما جرى في الصحراء المغربية، وتطورات المواقف الدولية والشراكات التي أقامها المغرب، ليصل إلى تبني سياسة واقعية تركز على عدم رغبة أي دولة جادة في دعم كيان وهمي وغير مستقر في المنطقة، وبناءً على ذلك، قررت فرنسا الاستمرار في دعم خطة الحكم الذاتي التي تبنتها منذ عام 2007.
وأضاف المتحدث: "النظام الجزائري لم يبدِ تجاوبًا مع عروض الرئيس الفرنسي للتعاون الثنائي، مما دفع ماكرون لاتخاذ هذا القرار بناءً على اعتبارات منطقية وودية، ولكن هذا مجرد خطوة أولى، لأن الأهم الآن هو إعطاء مضمون لهذه الشراكة الاستثنائية، في مجالات مثل التكنولوجيا، البيئة، والاستثمارات."
وفي جوابه على سؤال حول إمكانية أن تُسهم المواقف الجديدة لفرنسا بشأن الصحراء المغربية في حل النزاع المفتعل الذي دام لخمسين عامًا، قال المسؤول الحكومي الفرنسي السابق: "لا يمكنني الجزم، ما أعتقده هو أن الموقف الفرنسي الجديد وحده لا يكفي، ما نحتاجه هو تغيير في السياسة الجزائرية، يجب أن يدرك النظام الجزائري أن المطالبة باستقلال وهمي لكيان "الجمهورية الصحراوية" أمر غير واقعي، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتغير المواقف العالمية والإفريقية، فالمغرب حقق تقدمًا بعودته إلى الاتحاد الإفريقي، لكن هناك دولًا مثل جنوب إفريقيا لا تزال تدعم الموقف الجزائري."
ويرى الدبلوماسي السابق، أن دعم الجزائر للجبهة الانفصالية يعد أحد عناصر التماسك الداخلي للنظام الجزائري، ومع ذلك، يستدرك قائلًا: "من الواضح الآن، ويعترف الجميع بذلك، أن قضية الصحراء بالنسبة للمغاربة هي قضية وطنية حقيقية، كما أن هناك قادة جزائريين سابقين، مثل بوتفليقة وبوضياف، كانوا يرون أن هذا الملف يجب أن يشهد تقدمًا، نظرًا لأن الجزائر لديها أولويات أخرى، وتوجد نخب جزائرية مستعدة للتفكير في المستقبل بشكل مختلف، إذا تم التوصل إلى تسوية تحفظ كرامة الجزائر".
وفيما يتعلق بما إذا كان الموقف الفرنسي الجديد ناتجًا عن تراجع نفوذها في إفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل، نفى وزير الخارجية الفرنسي السابق هذا الاحتمال، موضحًا أن الموقف يرتبط بعدم استجابة النظام الجزائري للعروض الفرنسية، مشيرا إلى أن الرئيس ماكرون، كما فعل من سبقه، حاول مد يد التعاون إلى الجزائر، إلا أن هذه الأخيرة لم تُبدِ تجاوبًا.
وبالنسبة للوضع في منطقة الساحل، فقد وصفه الوزير السابق بتدهور أمني عام لا تستطيع الحكومات المحلية التحكم فيه، وأن فرنسا تدخلت بناءً على طلب الحكومات المحلية وموافقة مجلس الأمن، بهدف مكافحة توسع الإرهاب، لكن لم تكن قادرة بمفردها على تأمين منطقة شاسعة مثل الساحل، التي تعادل مساحتها أوروبا.
وأضاف الوزير السابق قائلاً: "من الضروري وضع الأمور في سياقها. هل لا يزال الغرب يسيطر على العالم كما في السابق؟ بالطبع لا، الولايات المتحدة هي القوة العظمى، ولكنها غير قادرة على فرض إرادتها بالكامل، لو كانت قادرة، لكانت قد فرضت دولة فلسطينية، المشكلة ليست مقتصرة على فرنسا فقط؛ فالغرب بأسره يواجه تحديات، أما فرنسا، فبالرغم من معاناتها من ضعف اقتصادي وصناعي، إلا أنها لا تزال قوة مؤثرة من خلال مجلس الأمن، والردع النووي، والفرانكوفونية، وشركاتها الكبرى، ولكن عليها أن تعمل بجد لاستعادة مكانتها."
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :