بعد أن دعا الملك لتوضيح المواقف من قضية الصحراء.. هل يكون دخول الجيش المغربي للكويرة تحذيرا عمليا لموريتانيا؟
بعد ساعات قليلة من خطاب الملك محمد السادس، أول أمس السبت، بمناسبة الذكرى التاسعة والخمسين لثورة الملك والشعب، والذي دعا فيه "شركاء المغرب التقليديين والجدد" إلى توضيح مواقفهم من قضية الصحراء بشكل "لا يقبل التأويل"، انتشرت صور لقطع عسكرية تابعة للقوات المسلحة الملكية، تردد أنها دخلت شبه جزيرة الكويرة، التي تعد آخر مدينة جنوبا في جغرافيا المغرب الدستورية، بالمحاذاة مع الحدود الموريتانية، والتي كانت خالية من أي وجود بشري طيلة عقود.
ولم يصدر عن القوات المسلحة الملكية أي تأكيد رسمي بخصوص هذه الخطوة، التي تعني إنهاء اتفاق قديم مع موريتانيا لإخلاء المنطقة لأسباب أمنية، كما لم يصدر عن نواكشوط أي تفاعل مع الموضوع وهي التي يَعتبر العديد من مواطنيها أن المدينة تابعة لأراضيهم، في حين تخشى سلطاتها أن تحولها الرباط إلى إحدى موانئها، وهو ما يعني ضربة قوية لمدينة نواذيبو المجاورة لها، والتي تعد العاصمة الاقتصادية لموريتانيا ويعتبر ميناؤها هو شريانها التجاري.
والكويرة في الأصل، تأسست سنة 1920 من طرف عقيد في الجيش الإسباني لتكون بمثابة قرية للصيادين، وأصبحت سنة 1924 جزءا من إقليم وادي الذهب، لذلك فإن السيادة عليها انتقلت إلى موريتانيا سنة 1976، وفي سنة 1979 ضمها المغرب حين أعلن استرجاع الإقليم المذكور إلى سيادته بعد انسحاب الجيش الموريتاني منه خلال حرب الصحراء، لكن اتفاقا بين الرئيس الموريتاني الأسبق محمد خونه ولد هيدالة، وبين الملك الراحل الحسن الثاني، حول الكويرة إلى منطقة مهجورة.
والاتفاق، كما يروي تفاصيله ولد هيدالة، كان يقضي ببقاء أفراد من الجيش الموريتاني في الكويرة إلى غاية انتهاء الحرب بين الجيش المغربي وجبهة "البوليساريو" الانفصالية المدعومة من دول مثل الجزائر وليبيا حينها، وذلك بسبب موقعها الجغرافي المحاذي لنواذيبو، التي كان يعني وصول الصراع إلى جوارها "انفجار العاصمة الاقتصادية لموريتانيا"، وفي سنة 2018 أعلن الموريتانيون عن بناء ميناء جديد في نواذيبو سيكون هو الأكبر في البلاد، لكن بعدها بسنتين وقعت أحداث "الكركارات".
وتدخل الجيش المغربي ميدانيا يوم 13 نونبر 2020 لينهي وجود عناصر "البوليساريو" الذين كانوا يقطعون الطريق البري الرابط بين المملكة وموريتانيا، وفي في 17 نونبر 2020 أكد رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، أن المغرب انتهى بالفعل من إنشاء الجدار الرملي الجديد في المنطقة العازلة بين معبر الكركارات المغربي ونقطة العبور 55 في موريتانيا، موضحا أن هذا الجدار أضحى يصل إلى الحدود الموريتانية من أجل تأمين الحركة المدنية والتجارية على طريق الكركارات بشكل نهائي.
التطور الآخر الذي وقع بعد ذلك، هو أن المغرب كشف، عبر القناة الأولى، وهي قناة عمومية، عن خريطة تبرز المواقع المينائية الحالية وتلك التي تنوي المملكة تشييدها مستقبلا، وفيها ظهر أن المغرب يخطط لإنشاء 3 موانئ في إقليم وادي الذهب، الأول هو ميناء الداخلة الأطلسي، والثاني هو ميناء "مهيريز"، أما الثالث فهو ميناء الكويرة، الأمر الذي يرتبط بحديث سابق جرى تداوله إعلاميا عن خطة أوسع لإعمار المدينة وإنهاء أي التزام مغربي بعدم منافسة ميناء نواذيبو.
وفي خطاب 20 غشت، قال الملك محمد السادس إنه في ظل التطورات الإيجابية التي يعرفها ملف الصحراء والتي تهم دولا من مختلف القارات، "أوجه رسالة واضحة للجميع، إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات، لذا، ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل".
يأتي ذلك، في الوقت الذي تعتبر موريتانيا الدولة العربية الوحيدة بعد الجزائر التي تعترف بالبوليساريو وتستقبل قيادات الجبهة الانفصالية، وهو الأمر الذي طالما عكر صفو علاقاتها مع المغرب خصوصا في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي يُحاكم في قضايا فساد وترغمه سلطات نواكشوط على الإقامة الجبرية.