ميّارة: يجب الإنصات أكثر للمواطنين لِمعرفة أعمق لإشكالات المجال ورهاناته وتحدياته
أكد رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة أن الدورة الرابعة للملتقى البرلماني السنوي للجهات محطة لتسليط مزيد من الضوء على آلية ومنهج التعاقد، باعتباره طريقة جديدة للعمل بين الدولة والجهات بما تتيحه من شراكة مؤسساتية، وما تصبو إليه من التقائية وتنسيق بين الاستراتيجيات الوطنية للتنمية، وبين مثيلاتها على المستوى الجهوي.
وأبرز ميارة، في كلمة له في افتتاح أشغال الملتقى، اليوم الأربعاء، بمقر مجلس المستشارين، الأهمية التي يكتسيها هذا الموضوع "لا سيما في سياق وطني يعرف تحولات عميقة ومشاريع وطنية كبرى، لعل أهمها الرهانات الجديدة للاستثمار، والورش الكبير للحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى تحديات غير معهودة، وعلى رأسها التغيرات المناخية ومعضلة الجفاف، بما ترتب عنها من شح الموارد المادية، وأثر ذلك على السياسات العمومية في كليتها".
وسجل ميارة أن موضوع التعاقد، "ينقلنا إلى البحث في الأدوات والخيارات المتاحة للاشتغال، ويجعلنا نلامس بشكل أكبر مجالات الفعل الجهوية، كما يدعونا إلى فتح دائرة التفكير بخصوص حصيلة إعماله"، مشيرا في هذا السياق، إلى بعض الإشكالات والأسئلة التي تظهر في عديد من الدراسات التقييمية والتحليلية لهذا الموضوع ومنها، كيفية ضبط وعقلنة آلية التعاقد، والحد من ظاهرة التضخم التي يعرفها إعمالها؟ و المقومات التي يجب أن تتوفر في التعاقد، بما يعنيه من حضور إرادتين، للوصول إلى غاية التشاركية؟ والسبيل إلى الوصول إلى تحديد قائمة مواضيع التعاقد، ومجالاتها؟
وتساءل رئيس مجلس المستشارين بخصوص الحاجة إلى صياغة إطار مرجعي واضح، كما هو معمول به في مجال التعاقد بين الدولة والمؤسسات والمنشآت العامة، قادر على الإجابة على كيفيات وشروط إعداد الاتفاقيات، والتفاوض بشأنها، وطرق تفعيلها وتتبع تنفيذها وتقييمها؟
وأكد أن هذه الأسئلة وغيرها، ستكون محور اهتمام مداخلات ومساهمات المشاركين في الملتقى الذي ينظم تحت رعاية الملك محمد السادس، ما سيمكن من قراءات متقاطعة، بزوايا للنظر متعددة ومتنوعة، تخدم غاية تنظيم هذا المنتدى، المتمثلة في تجميع المتدخلين في مسلسل تفعيل الجهوية، لتدارس أسئلة دقيقة، لتقريب وجهات نظرهم، وللخروج بتوصيات،
وشدد في هذا الصدد على المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق أعضاء مجلس المستشارين في متابعة مخرجات هذا المنتدى على مستوى التشريع، ومراقبة العمل الحكومي وتقييمه، بغية "المساهمة في إنجاح هذا الورش، والتعجيل بإنهاء مرحلة تأسيسه، للانتقال إلى مرحلة الاشتغال العادي لمجالسنا الجهوية، لمواجهة تحديات تنمية الإنسان والمجال".
وكان ميارة قد أبرز في مستهل كلمته أن هذه المحطة التداولية التشاركية الرابعة، تندرج في إطار مواصلة تدارس سُبل إنجاح الورش المهيكل الكبير الذي دشنته المملكة بمقتضى دستور 2011، والهادف إلى إرساء مستوى جديد للتدبير المجالي مبني على فكرة الجهوية التي تستمد شرعيتها من مشاركة المواطنين في تشكيل مجالسها، وتضع كغاية لها إنجاح مسلسلات التنمية التي فشلت مقاربتها من أعلى، عبر إنصات أكبر للمواطنين ومعرفة أعمق لإشكالات المجال ورهاناته وتحدياته، كل ذلك في تقاطع والتقائية بين ما هو جهوي ووطني.
وأكد وعي المجلس بالمسؤولية الكبيرة المنوطة به في مواكبة أجرأة هذا التحول المجالي، من منطلق ما خصه به الدستور من أحكام، لاسيما أن ثلث أخماس مكوناته تنحدر من الجماعات الترابية.
ويعكس هذا الملتقى المنظم بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وجمعية جهات المغرب والجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والاقاليم والجمعية المغربية لرؤساء مجلس الجماعات، الأهمية التي يوليها مجلس المستشارين، انطلاقا من مكانته الدستورية وبالنظر إلى تركيبته المتنوعة ووظائفه، لموضوع الجهوية المتقدمة، وانشغاله، في كل واجهات العمل البرلماني، بتطوير منظومة الحكامة الترابية وتوسيع مجال مشاركة المواطنات والمواطنين في مسلسل تدبير الشأن المحلي.
كما ينسجم تنظيم الملتقى وسعي المجلس لفتح المجال أمام ظهور نخب جهوية جديدة قادرة على مجابهة تحديات الجهوية والتجاوب مع انشغالات المواطنين وهواجسهم الأساسية وطموحاتهم المشروعة في مزيد من التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والمجالية خاصة في ظل سياق وطني ودولي يفرز باستمرار عددا من الصعوبات والإكراهات ذات تأثير سلبي على المجهود التنموي الذي تقوم به الدولة وسائر المتدخلين.
وبعد أن انكبت الدورات الثلاث السابقة للملتقى على قضايا محورية في مسار تنزيل الجهوية المتقدمة، من قبيل برمجة التنمية الجهوية وبلورة التصاميم الجهوية لإعداد التراب والهيكلة الإدارية لمجالس الجهات ورهان تعزيز أسباب استقطابها للكفاءات وتمويل الجهة والديمقراطية التشاركية والحكامة الجهوية في ارتباط برهانات اللاتمركز، بالإضافة إلى مسألة تدقيق الاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة، ارتأى المجلس وشركاؤه أن يجعلوا موضوع التعاقد بين الدولة و الجهات وفيما بين الجهات وفيما بينها وبين باقي الجماعات الترابية من زاوية المأسسة محورا للملتقى البرلماني الرابع للجهات في سياق السعي إلى تجاوز الصيغ الحالية للتعاقد والتي تولد عنها تضخم الاتفاقيات القطاعية وتعدد الشراكات في غياب إطار معياري مرجعي.