من بودريقة إلى الحيداوي.. هكذا تحول الأعضاء الجامعيون "السياسيون" إلى عار يلاحق لقجع ويُفسد إنجاز المنتخب المغربي
لم يكن أشد المتفائلين يتوقعون أن يقود وليد الركراكي سفينة المنتخب المغربي إلى نصف نهائي كأس العالم، وهو الذي لم يتولَ تدريب أسود الأطلس إلا شهر غشت الماضي، ليؤكد بذلك أن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب والاعتماد على الكفاءة بعيدا عن منطق المحسوبية والوساطات، يمكن أن يصنع المعجزات وأن يحول أحلاما كانت بعيدة المنال إلى حقيقة ملموسة.
لكن مونديال قطر لم يكشف عن القتالية والرجولة التي يتمتع بها اللاعبون حين يجدون قائدا قادرا على إبعاد الخلافات وترتيب الصفوف فحسب، بل كشفت أيضا عن أكثر الجوانب المظلمة داخل أروقة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، التي، وإن كانت تعيش أزهى أيامها من حيث الإنجازات الكروية، فإنها تحولت داخليا إلى منجم للمصالح لأشخاص خلطوا الرياضة بالسياسة، وجعلوا مواقعهم فرصة لاقتناص الغنائم.
إفسادٌ للإنجاز التاريخي
وكانت الأمور تسير بشكل أقرب إلى المثالية، فالمنتخب المغربي سار بثبات وبأداء رفيع صوب نصف النهائي واختيارات الركراكي كانت موفقة وأثبتت نجاعتها، أما الجمهور المغربي فصنع الحدث في مدرجات ملاعب مونديال قطر وهو الذي جعل المباريات تبدو وكأنها ملعوبة في إحدى مدن المملكة، أما رئيس الجامعة فوزي لقجع فراكم الكثير من المديح لعمله.
وكان يمكن أن تكون مسألة التذاكر، التي لعب لقجع دورا كبيرا في ضمانها لفائدة المشجعين المغاربة القادمين من المملكة، نقطة إيجابية أخرى في السجل المونديالي لهذا الأخير، لكن، وعلى طريقة خالد بوحدوز في مونديال روسيا 2018، اعتمد على لاعب سجل الهدف في مرمى المغرب عوض مرمى الخصوم، اسمه محمد بودريقة.
وأوكل لقجع لبودريقة مهمة توزيع التذاكر في مباراتي إسبانيا والبرتغال، على أن تذهب لمستحقيها ممن تكبدوا عناء السفر إلى قطر وهم يحملون بطاقة "هيا" وفق ما يفرضه المنظمون، إلا أن الكثير من الملاحظات والانتقادات رافقت طريقة استغلال الرئيس الأسبق بفريق الرجاء البيضاوي، إلى أن وقع الكارثة قُبيل مباراة نصف النهائي بين المغرب وفرنسا.
بودريقة.. صانع الفضيحة
وأظهر بودريقة قبل موقع ملعب البيت، الوجه "المصلحي" المفرط في "الاستغلال" فالرجل الذي انتُخب في مجلس النواب عن حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي هو أيضا حزب رئيس الحكومة عزيز أخنوش وصاحب أكبر فريق في الغرفة الأولى، وزع التذاكر بناء على أهوائه ووفق ما يخدم مصالحه السياسية وطموحه في البروز مجددا كمُسير رياضي معروف.
وكان من المفروض أن يُسلم بودريقة التذاكر إلى المشجعين فور وصولهم إلى مطار حمد في الدوحة عبر طائرتين، لكنه كان قد وزعها بالفعل، لكن على المقربين منه، ما أدى إلى منع المشجعين من دخول البلاد، ثم إعلان الخطوط الملكية المغربية عن إلغاء باقي الرحلات، الأمر الذي أثار احتجاجات كبير في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء.
ووضعت هذه الفضيحة رئيس الجامعة أمام وضع لا يُحسدون عليه، لأن الأسئلة التي باتت تتكرر هي: لماذا اختار لقجع بودريقة لهذه المهمة، عوض أن يتم التعامل مؤسساتيا مع الجامعة عبر إداريين محترفين، وما هي المعايير التي دفعته إلى اختيار شخص له مصالح شخصية عديدة لكونه برلمانيا ورئيسا لمقاطعة مرس السلطان بالدار البيضاء، كما أنه يرغب في العودة لرئاسة الرجاء البيضياوي؟.
سمعة المغرب في السوق السوداء
وفتحت هذه الواقعة باب التساؤلات الغاضبة والحارقة على مصراعيها تجاه الجامعة، خاصة وأن الأمر يتعلق بفضيحة من العيار الثقيل أضرت كثيرا بسمعة المغرب في بلد كسب فيه الكثير من التعاطف بفضل أداء لاعبيه في المونديال، وما زاد الطين بلة هو أن مقربين من بودريقة ظهروا وهم يبيعون التذاكر في السوق السوداء مقابل مبلغ يصل إلى 900 أورو.
وإن كان ما فعله بودريقة لا يكفي، فإن زميله النائب البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار أيضا، محمد الحيداوي، أضاف إلى تلك الفضيحة فضيحة أخرى، حين كشف تسجيل صوتي لمكالمة هاتفية مسربة بين وبين زبون مفترض، أنه متورط في الاتجار بالتذاكر، الأمر الذي تزامن مع احتجاجات المسافرين في المطار الذين كان يفترض أن تذهب تلك التذاكر لهم.
وفي التسجيل يربط الحيداوي، وهو أيضا رئيس لفريق أولمبيك خريبكة، بين بودريقة وأماكن بيع التذاكر ويطلب من "زبونه" القدوم إليه بجزيرة اللؤلؤة من أجل إتمام عملية البيع، ويؤكد له أن تذكرتين سعرهما 12 ألف درهم، الأمر الذي لا يتطلب فتح تحقيق جنائي فحسب، بل أيضا يسائل الجامعة التي اختارت أن تنقُل إلى قطر طائفة من السياسيين من ذوي المصالح تحت غطاء مرافقة المنتخب الوطني.
جامعة أصحاب المصالح
وتدفع هذه الفضيحة للوقوف أمام واقع الجامعة، التي تعج بالعديد من النماذج مثل بودريقة والحيداوي، ممن خلطوا السياسة بالرياضة، ووضعوا مصالحهم في الرتبة الأولى حتى قبل صورة المغرب، ذلك أن هؤلاء استطاعوا التشويش على أكبر إنجاز حققته كرة القدم المغربية في تاريخها، وهم الذين لا يد لهم أصلا فيه ولا يربطهم بتسيير المنتخبات الوطنية أي رابط.
ويبدو الأمر مثيرا للاستغراب، إذ بالعودة إلى قائمة الأعضاء الجامعيين المتحكمين في دواليب الجامعة، نجد أنهم جميعا ذوو خلفيات حزبية ومصالح سياسية لا تُخطؤها العين، على غرار سعيد الناصري البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة ورئيس نادي الوداد البيضاوي، ومحمد جودار البرلماني عن حزب الاتحاد الدستوري والأمين العام للحزب ورئيس عصبة الدار البيضاء لكرة القدم، وهشام آيت منا، الذي يرأس فريق شباب المحمدية وجماعة المحمدية في آن واحد، بالإضافة إلى كونه نائبا برلمانيا.
وعوض أن يختار بودريقة ومن معهم من الأعضاء الجامعيين "السياسويين"، بين التركيز على تدبير الشأن العام في المجال السياسي، أو التسيير الرياضي الاحترافي البعيد عن الأهواء الشخصية، تحولوا إلى مَجلَبٍ للعار والفضائح لكرة القدم الوطنيية، منتظرين إنجازا جلبته أقدام اللاعبين وعقل المدرب للركوب عليه، في رياضة تحظى باهتمام ملكي شخصي، ما يسائل لقجع، الذي راكم العديد من النجاحات على رأس الجامعة، حول ما إذا كان بالفعل يقبل التضحية بمساره هذا من أجل مصالح من يحيطون به.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :