صِراع خفي بين "عِيَّال زايد" حول ولاية العهد في الإمارات المتحدة.. وتوجس لدى العائلات التي تحكم "باقي الإمارات" من بينها دبي حول مُستقبل الدولة
أصبحت ولاية العهد في دولة الإمارات العربية المتحدة لغزا كبيرا، منذ أن وصل محمد بن زايد آل نهيان إلى رئاسة الدولة بشكل رسمي بتاريخ 14 ماي 2022، إثر وفاة شقيقه خليفة بن زايد، حيث لا زال مصيرها مشتتا بين العائلات الحاكمة في الإمارات السبع المُشَكِّلَة للاتحاد من جهة، وبين أفراد عائلة آل نهيان الحاكمة في أبو ظبي، ممثَّلَة في أشقاء وابن الرئيس الحالي من جهة ثانية.
وقبل ثلاثة أسابيع، من الآن، كان محمد بن زايد قد قضى 9 أشهر على رأس الدولة، بعدما انتخبه حكام الإمارات السبع رئيسا للاتحاد وفق الدستور الإماراتي، وقبلها بيوم أصبح الحاكم السابع عشر لإمارة أبو ظبي، لكنه عمليا كان الحاكم الفعلي للإمارات منذ سنة 2014، بعد إصابة شقيقه خليفة بن زايد بجلطة دماغية أضحى بعدها نادر الظهور وغير قادرا على ممارسة مهامه، إلى أن وافته المنية بتاريخ 13 ماي 2022.
وطيلة الفترة التي سبقت حُكمه الرسمي كان محمد بن زايد يحمل لقب ولي عهد أبو ظبي منذ 2 نونبر 2004، وبهذه الصفة كان الحاكم الفعلي للبلاد، وكان واضحا أنه سيكون رئيسا للدولة بمباركة حكام باقي الإمارات، لكونه عمليا يرأس الإمارة الأكبر مساحة في الدولة وأغناها باحتياطيات النفط والغاز الطبيعي، وهو ما جرى بالفعل العام الماضي، ليكون ثالثُ رئيس للإمارات هو ثالثُ فرد من عائلة آل نهيان في هذا المنصب، بعد والده الشيخ زايد، وشقيقه الشيخ خليفة.
لكن الأمر لا يزيد عن كونه عُرفا متبعا من لدن حكام الإمارات السبع، فلا شيء في الدستور الإماراتي يُعطي هذا الدور بشكل حصري لآل نهيان، الأمر الذي أثار علامات استفهام إلى حدود اللحظة حول هوية الشخص الذي سيخلف محمد بن زايد، الذي سيُتم في 11 مارس المقبل عامه الثاني والستين، والذي تقع على كاهله مهمة اختيار خليفته ليست فقط من بين العائلات الحاكمة، بل من العائلة التي ينتمي إليها أيضا.
ولا تبدو المهمة سهلة أمام محمد بن زايد، فهو يواجه 6 عائلات تحكم إمارات البلاد الأخرى بسلطة ذاتية، ويتعلق الأمر بالشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة ثم دبي، هذه الأخيرة التي يحكمها محمد بن راشد آل مكتوم، ثاني أهم شخص في الإمارات حاليا، فهو نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع.
ومحمد بن راشد البالغ من العمر 74 عاما، يحكم الإمارة ذات الإشعاع العالمي الأكبر، والتي يعيش على أراضيها أكبر عدد من السكان، فإمارات دبي، حسب البوابة الرسمية للحكومة الإماراتية، يقطن على أراضيها 3,35 مليون نسمة من أصل حوالي 10 ملايين نسمة هم إجمالي سكان البلاد، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لهذه الإمارة في النصف الأول من سنة 2022 أكثر من 208 ملايير درهم إمارتي، في حين أن الناتج الإجمالي لسائر البلاد خلال الفترة نفسها كان هو 817 مليار درهم.
لكن تقريرا صدر مؤخرا لصحيفة "الإيكونوميست" البريطانية، يقلل من حجم تأثير آل مكتوم في سباق ولاية العهد، على اعتبار أنها منذ سنة 2009 أصبحت تفقد استقلاليتها لصالح أبو ظبي، بفعل الأزمة المالية التي ضربت اقتصادها، إذ احتاجت إلى حزمة إنقاذ من هذه الأخيرة بقيمة 10 مليارات دولار، وكنوع من الاعتراف قامت بتسمية برجها الشهير ببرج خليفة عند افتتاحه سنة 2010.
وفي ظل تراجع قوة دبي ومحدودية تأثير العائلات الحاكمة في باقي الإمارات، تبدو المنافسة الحقيقة على منصب ولي العهد منحصرة داخل عائلة آل نهيان، وتحديدا بين "أبناء زايد" أي أشقاء الرئيس الحالي، ونجله الأكبر خالد بن محمد بن زايد، البالغ من العمر 41 عاما، والذي سبق أن كان رئيسا لجهاز أمن الدولة بدرجة وزير، ثم عُين مستشارا للأمن الوطني بدرجة وزير سنة 2017، وهو أيضا رئيس المجلس التنفيذي لأبو ظبي.
ولخالد بن محمد منافسة مع 14 عَمًّا لا زالوا على قيد الحياة، في مقدمتهم الإخوة الأشقاء لوالده من أم هذا الأخير، الشيخة فاطمة بنت مبارك الكتبي، ويبرز في مقدمتهم منصور بن زايد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، وهو نفسه مالك نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، وطحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني منذ سنة 2013، الذي يرأس مجلس إدارة الشركة العالمية القابضة، ويمسك بين يديه العمل الاستخباراتي، ثم عبد الله بن زايد، وزير الخارجية منذ 2006 ورئيس المجلس الوطني للإعلام.
ويبرز شيوخ آخرون من أبناء زايد، ورغم أنهم أكبر سنا من الثلاثة المذكورين، إلا أنهم أقل حظا في الوصول إلى منصب ولي العهد، على الأقل بشكل دائم، أولهم سيف بن زايد، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية والقائد العام لشرطة أبو ظبي، وهزاع بن زايد، نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي، ومستشار الأمن الوطني السابق.
ولا يريد محمد بن زايد أن تعود ذكريات التطاحن على كرسي الإمارة مرة أخرى، على غرار ما حدث قبل قرن من الزمن حين قتل الإخوة بعضهم للوصول إلى حكم أبو ظبي، كما لا يريد الاصطدام بالعائلات الحاكمة في باقي الإمارات، التي لا تشاطره بالضرورة قراراته السياسية، مثل الحرب في اليمن وتطبيع العلاقات مع إسرائيل والعداء للإسلاميين، على غرار ما كان عليه الحال مع آل القاسمي حكام إمارة رأس الخيمة التي تحتضن فرعا لجماعة الإخوان المسلمين، أو لا يشاطرها هو توجهاتها، مثل رفضه للعلاقات القائمة بين إمارة دبي وإيران.