باستثناء قطاعي التمور والزجاج.. القطيعة السياسية وغلق الأجواء يدحر بالمبادلات التجارية بين المغرب والجزائر إلى مستويات "غير مسبوقة"
بعد سنوات من الصمود، بدأت أخيرا تداعيات القطيعة السياسية بين الرباط والجزائر تُرخي بظلالها على التجارة بين البلدين، لتعكس واقعا جديدا بعيدا كل البعد عن حلم التكامل الاقتصادي المأمول، بحسب ما أظهرته أرقام رسمية غير مسبوقة بيّنت حجم الاندحار الطارئ على المبادلات التجارية بين الجارين.
ووفق ما أظهرته المعطيات الخاصة التي تحصّلت عليها "الصحيفة"، فقد سجّلت المبادلات التجارية بين المغرب والجزائر، تراجعا هو الأسوأ من نوعه منذ عقود، بحيث فقدت الجزائر لقب ثاني أكبر شريك تجاري للمغرب في أفريقيا، وتجاوزتها كل من مصر وتونس في الصادرات إلى هذا البلد في تحول "غير مسبوق".
وسجّلت الإحصائيات التي تتوفر عليها الجريدة للفترة الممتدة ما بين 2017 و2022، تراجعا حادا على مستوى حجم التبادل التجارية، سواء تعلّق الأمر بالصادرات أو الواردات، وهو ما يعكس من جهة حجم الخسائر المالية الكبيرة التي تكبّدتها الشركات في البلدين، بسبب الأزمات السياسية المتتالية وما ترتب عنها من قرار بقطع العلاقات الدبلوماسية والذي اتخذته الحكومة الجزائرية بصفة أحادية غشت الماضي.
صادرات ضعيفة
ولم تتجاوز قيمة الصادرات المغربية نحو الجزائر في العام الماضي 806 مليون درهم، بينما تصل الواردات المغربية من البلد الجار إلى 1694 مليون درهم، حسب بيانات مكتب الصرف، مما يمثل من صادرات المغرب في العام الماضي حوالي 0.1 في المائة من مجمل صادرات المملكة نحو العالم، بينما تشكل الواردات حوالي 0.3 في المائة من مشتريات المملكة من الخارج.
ولا يعد ضُعف التجارة بين المغرب والجزائر حديث العهد بالمنطقة المغاربية التي غلُبت عليها النزاعات السياسية وجعلتها الأقل اندماجا ضمن مجمل المناطق المتجاورة في أفريقيا، رغم توفر العناصر اللازمة مثل القرب الجغرافي والتناسق الاجتماعي بين شعوب هذه الدول خاصة الجزائر والمغرب، وفق الأرقام المحيّنة لمكتب الصرف.
وأظهرت المعطيات الرسمية الخاصة بالفترة الممتدة ما بين 2017 و2022، اندحارا تنازليا متواترا على مستوى قيمة الصادرات الموجهة من الرباط إلى الجزائر، والتي انتقلت من 1.946 مليون درهم في 2017، إلى 1.630 مليون درهم في السنة الموالية، ثم 1.529 مليون درهم في 2019، وصولا إلى 1.270 في 2020، ثم 1.032 مليون درهم، وأخيرا 806 مليون درهم في 2022، تزامنا مع القطيعة الدبلوماسية والسياسية وقرار إغلاق الحدود الجوية في وجه المغرب.
وتأتي الصفائح الحديدية والفولاذية، في مقدمة صادرات المغرب إلى الجزائر، بقيمة 263 مليون درهم حسب إحصائيات 2022، تليها المنتجات البلاستيكية المتنوعية بقيمة 78 مليون درهم، ثم الملابس والمنتجات النسيجية بقيمة 77 مليون درهم، فمستخلصات القهوة والشاي التي بلغت من قيمة الصادرات نحو الجزائر 65 مليون درهم، وصولا إلى العبوات والبراميل المعدنية بقيمة 58 مليون درهم، وأخيرا السيارات السياحية بقيمة 54 مليون دولار، ثم البهارات ولمواد الكيميائية غير العضوية والأثاث وغيرها.
الواردات في انخفاض
أما بالنسبة للواردات من الجزائر صوب المغرب، فلم تتجاوز قيمتها الإجمالية السنة المنصرمة 1.694 مليون درهم وفق المعطيات الرسمية لمكتب الصرف، منتقلة من 5.353 مليون درهم في 2017، ثم 6.960 مليون درهم في 2018، فـ 4.955 مليون درهم في 2019، ثم بلغت 4.012 مليون درهم في 2020، وصولا إلى 5.869 في 2021.
وأدى قرار الجزائر القاضي بوقف تصدير الغاز الطبيعي إلى المغرب إلى انهيار التبادل التجاري بين البلدين بشكل كبير، سيّما وأن واردات الرباط من جارتها الشرقية تتمحور أساسا حول الغاز والبترول والمواد الطاقية، بتقدير رسمي بلغ 1.694 مليون درهم.
وفي هذا الصدد، انحدرت الواردات المرتبطة بغاز البترول والمواد الهيدروكربونية الأخرى من 4.591 مليون دولار درهم و 5.704 مليون درهم، 4.265 مليون درهم، و 3.381مليون درهم 4.863 مليون درهم لسنوات 2017 – 2018- 2019- 2020-2021 على التوالي إلى 605 مليون درهم فقط في 2022. ونفس الوضع انعكس على واردات المغرب من الجارة الشرقية في زيوت البترول والتشحيم التي تأتي ثانية في 2022 بقيمة 381 مليون درهم.
التمور والزجاج استثناء
وعلى عكس المواد الطاقية لاحظت "الصحيفة" ضمن التقرير التي تتوفر عليه والخاص بواردات وصادرات المملكة للجارة الشرقية في الست سنوات الأخيرة، أن الجزائر رفعت من معدل صادراتها للمغرب عندما تعلّق الأمر بالتمور والأواني الزجاجية بقيمة تجاوزت النصف في السنة الأخيرة.
وبلغة الأرقام، رصد التقرير انتقال واردات التمور التي تحتل المرتبة الثالثة في قامة الواردات من الجارة الشرقية، من 62 مليون درهم في 2017، إلى 93 مليون درهم في 2018، ثم 172 مليون درهم في 2019، فـ 276 مليون درهم في 2020، و260 مليون درهم في 2021، ثم أخيرا 355 مليون درهم من واردات التمور الجزائرية تحو المغرب في 2022.
ولا شك أن عامل توالي سنوات الجفاف بصفة لم تشهدها المملكة لما يناهز 30 سنة، فضلا عن تسجيل عدد كبير من الحرائق بواحات النخيل خلال السنوات الأربع الأخيرة، أدى إلى تضرر قطاع التمور بشكل كبير، ودفع نحو استيراده من الخارج بالأخص من الجارة الشرقية.
وكانت بيانات رسمية لوزارة الفلاحة، قد أقرّت بتراجع إنتاج التمور بالمغرب بنسبة 30 في المائة في 2022، كي يستقر في حدود 105 آلاف طن، مقابل 150 ألف طن في 2021.
وعلى غرار التمور، ارتفعت واردات المغرب من الزجاج والأواني الزجاجية (منتجات نصف منتهية) في الفترة الزمنية ذاتها منتقلة من 69 مليون درهم في 2017، إلى 141 مليون درهم في 2018، ثم 173 مليون درهم في 2019، ثم 86 مليون درهم في 2020، فـ51 مليون درهم في 2021، وأخيرا 227 مليون درهم وفق الاحصائيات الأخيرة الخاصة بالسنة الماضية 2022.
وبدأت سوق الزجاج الجزائرية تُغري المغاربة خاصة القطاع الخاص منذ 2018 عقب استئناف نشاط الاستيراد لهذه المادة، وهو ما تبّنه جليا الأرقام الرسمية المذكورة التي تظهر ارتفاع وتيرة استيراد الزجاج من الجزائر بشكل لافت.
ويرجع ارتفاع واردات الزجاج من الجارة الشرقية، للانتعاش الذي يشهده قطاع الزجاج في المغرب مع ارتفاع الطلب، ما دفع عشرات من المهنيين بمن فيهم الخواص إلى الانفتاح على السوق الجزائرية منذ نهاية 2017 تزامنا مع فتح الدولة الجزائرية باب استيراد الزجاج أمام مهنيي المغرب بتكلفة منخفضة.
ومكّنت هذه الخطوة من تشجيع العاملين في قطاع الزجاج على استيراد الزجاج من الجزائر لسد الخصاص سيّما مع الأزمات الخانقة عرفتها بعض الشركات الرئيسية المصنعة للزجاج في المغرب خلال أزمة كوفيد19 من جهة، وتزايد الطلب خاصة في قطاع العقار وتصنيع السيارات التي ارتفعت وتيرة في السنوات الأخيرة الماضية.
وبقابل هذا الانتعاش الذي شهدته واردات المغرب من التمور والزجاج الجزائري، شهدت مواد أخرى على غرار الجبص والإسمنت والمواد المماثلة انخفاضا ملحوظا إذ بلغت قيمة الواردات منه في 2022 ما يعادل 41 مليون درهم، فيما شهدت واردات النباتات وأجزائها بدورها انخفاضا بلغت قيمة 21 مليون درهم في السنة ذاتها.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :