في النفط والغاز والفوسفاط.. المغرب يُحول نيجيريا من خصم إلى شريك استراتيجي مستعينا بقدراته الاستثمارية وإمكانياته التكنولوجية
يستمر المغرب في شراكته غير المسبوقة مع نيجيريا في المجال الطاقي، فالبلدان اللذان كانا إلى وقت قريب خصمين متباعدين صامتين، واللذان أضحيا الآن شريكين في أكبر مشروع للنقل العابر للقارات للغاز الطبيعي في العالم، وسعا نطاق تعاونهما ليشمل تطوير واستخدام التكنولوجيا الحيوية في الصناعة النفطية، وفق ما تم الإعلان عنه يوم أمس الأحد.
وأعلنت الوكالة الوطنية لتطوير التكنولوجيا الحيوية Rahad Global Investment Limited، الفرع النيجيري للشركة المغربية RVD Equipment Industries و NNPC Energy Services Limited عن توقيع بروتوكول اتفاق ثلاثي بأبوجا الأطراف حول تطوير واستخدام التكنولوجيا الحيوية في صناعة البترول، حيث ستشارك الهيئات الثلاث في استخدام التكنولوجيا الحيوية لمعالجة المشاكل المستمرة في صناعة البترول بنيجيريا.
وحسب ما أوردته وكالة الأنباء الرسمية في نيجيريا، فإن الهيئات الثلاث نسجت هذه الشراكة من أجل تطبيق آليات التكنولوجيا الحيوية في تنظيف خزانات النفط، واسترجاع النفط الخام والتكرير وتطهير التربة الملوثة بالنفط، ناقلة عن المدير العام للوكالة الوطنية لتطوير التكنولوجيا الحيوية، عبد الله مصطفى، قوله إن استخدام تقنيات التكنولوجيا الحيوية ساهمت في حل المشاكل في قطاع صناعة النفط.
والملاحظ أن هذه الخطوة تأتي بعد أيام من إعلان مالام ميلي كياري، الرئيس التنفيذي للشركة النيجيرية التابعة للدولة، التوصل لاتفاق مع المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن من أجل التكفل مناصفة بتمويل مشروع خط الغاز نيجيريا المغرب، والبالغة قيمته 25 مليار دولار، معلنا أن المشروع وصل بالفعل إلى المرحلة الثانية من الدراسات وحاليا يخضع لتقييم الأثر البيئي واستطلاعات حق الطريق.
وتسير الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وأبوجا، بخصوص المجال الطاقي، في خط تصاعدي، إن في الوقت الذي تملك فيه نيجيريا احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، فإن المغرب أضحى بوابتها للوصول إلى أسواق جديدة كبرى، وخاصة أوروبا التي أضحت أكثر احتياجا لمنافذ أخرى للغاز والنفط في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تضع المملكة إمكانياتها اللوجستية والتكنولوجية على الطاولة.
واسطاعت الشراكة النيجيرية المغربية رسم معالم تغيير خريطة الأمن الطاقي في منطقة غرب إفريقيا، حيث وقع البلدان اتفاقا مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "سيدياو"، ثم مع السنغال وموريتانيا وغينيا وغينيا بيساو وغانا وسيراليون وغامبيا، في سياق السعي لتمرير خط الغاز الطبيعي الذي يصل طوله إلى 5660 كيلومترا، عبر 13 دولة، ما سيسمح بنقل 40 مليار متر مكعب من هذه المادة.
وفي خطاب ذكرى المسيرة الخضراء، يوم 6 نونبر 2022، أكد الملك محمد السادس النظرة الاستراتيجية للمملكة تجاه خط الغاز المذكور، مبرزا أن الأمر يتعلق بأكثر من مججرد مشروع ثنائي بين بلدين شقيقين، وإنما يريده المغرب مشروعا استراتيجيا، لفائدة منطقة غرب إفريقيا كلها، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 440 مليون نسمة.
وتحدث الملك حينها الملك على أهمية هذا المشروع، مبرزا أنه يوفر فرصا وضمانات في مجال الأمن الطاقي والتنمية الاقتصادية والصناعية والاجتماعية بالنسبة للدول الخمسة عشر للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، إضافة إلى موريتانيا والمغرب، وأضاف أنه "مشروع من أجل السلام والاندماج الاقتصادي الإفريقي والتنمية المشتركة، وهو مشروع من أجل الحاضر والأجيال القادمة".
ويبدو الرئيس النيجيري الجديد، بولا أحمد تينوبو، الذي انتُخب في فبراير الماضي رئيسا للبلاد، كتحمسا للشراكة مع المغرب، أكثر حتى من سلفه محمد بوخاري الذي وقع مع الملك محمد السادس اتفاقية خط الغاز، إذ في حملته الانتخابية قال إنه يهدف إلى "استعادة الاقتصاد النيجيري"، ضاربا المثل بالمغرب، حيث قال إن بإمكان النيجيريين "إنشاء بلد" مثله.
وعلى الرغم من أن نيجيريا كانت تعد أحد أضلع المثلث المعادي للوحدة الترابية للمغرب، باعتبارها إلى جانب الجزائر وجنوب إفريقيا، أبرز الداعمين لجبهة "البوليساريو" الانفصالية، فإن الرباط استطاعت تجميد هذا الدعم في سبيل إنهائه، بفضل المصالح الاقتصادية الواسعة التي أضحت تربطها مع هذا البلد الإفريقي، ليس فقط في مجال النفط والغاز أيضا، بل أيضا الفوسفاط.
وفي أكتوبر من سنة 2022، افتتحت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط أول مصنع متطور لها لمزج الأسمدة بالقارة الإفريقية، وذلك في كادونا في شمال نيجيريا، والذي يعد من بين ثلاث وحدات لمزج الأسمدة المرتقبة في هذا البلد، ويهدف إلى تمكينه من توطين إنتاج الأسمدة، من خلال تثمين الموارد الطبيعية المحلية النيجيرية والاستفادة من واردات الفوسفاط المغربي.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :