المجلس الوطني لحقوق الإنسان: الأحداث المأساوية التي ذهب ضحيتها 23 مهاجرا غير نظامي قرب مليلية سببها "الاختناق الميكانيكي والتدافع"
قوبلت الاتهامات "الخطيرة" باستخدام العنف في أحداث 24 يونيو بمليلية، والتي أُكيلت للمغرب ضمن تقرير المفوض الأوروبي لحقوق الإنسان الصادر اليوم الأربعاء، بتقرير ثان جديد للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، نفى تهمة التعنيف عن المملكة مذكّرا بأن المتسبب في الأحداث المأساوية التي ذهب ضحيتها 23 مهاجرا غير نظامي هو الاختناق الميكانيكي والتدافع، الأمر الذي "يستدعي مقاربة جديدة من طرف الاتحاد الأوروبي"، حسب المصدر ذاته، الذي نبّه أيضا إلى أن عددا من التقارير والفيديوهات المروجة للأحداث "كانت مُفبركة".
تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي ومن سخرية الأقدار تزامن مع صدور تقرير المفوضية الأوروبية الذي اعتمد على ما وصفها بـ "التقارير المتطابقة" التي لم يسمّيها لاتهام المغرب مرارا بخرق اتفاقيات حقوق الإنسان وممارسة العنف الشديد على المهاجرين غير النظاميين المفضي إلى إزهاق أرواحهم ضمن ما بات يُعرف إعلاميا بإحداث مليلية، أكد (تقرير مجلس بوعياش) على مجموعة من الخلاصات، أهمها أن حالات الوفاة المسجلة، حسب المعاينة الطبية لجثت الضحايا، حدثت بسبب الاختناق الميكانيكي والتدافع والازدحام والسقوط من أعلى سور السياج، وبفعل ضيق الفضاء وتكدس عدد كبير من المهاجرين في الباحة الضيقة للمعبر الذي كانت أبوابه مغلقة بإحكام.
وأبرز التقرير الصادر صبيحة اليوم الأربعاء، والذي توصّلت "الصحيفة" بنسخة منه، أنه على إثر الحادث المأساوي بمعبر مليلية، أحدث المجلس بتاريخ 27 يونيو 2022، لجنة استطلاعية لإعادة بناء الوقائع التي أدت إلى الأحداث المأساوية والعنيفة التي شهدتها بوابة العبور بين الناظور ومليلية يوم الجمعة 24 يونيو 2022، والتي نتج عنها وفاة 23 شخصا، وإصابة 76 من العابرين، وجرح 140 عنصرا من عناصر القوات المغربية، وبعد استكمال اللجنة مهمتها الاستطلاعية، نظم المجلس بمقره بالرباط في 13 يوليوز 2022 ندوة صحفية قدم خلالها الخلاصات لإعادة بناء وقائع ما جرى خلال أحداث المعبر.
وجدّد التقرير التذكير، بأن "حالات الوفاة المسجلة، حسب المعاينة الطبية لجثت الضحايا، حدثت بسبب الاختناق الميكانيكي والتدافع والازدحام والسقوط من أعلى سور السياج، وبفعل ضيق الفضاء وتكدس عدد كبير من المهاجرين في الباحة الضيقة للمعبر الذي كانت أبوابه مغلقة بإحكام" مفندا بذلك تهمة العنف الشديد من طرف القوات المغربية والمفضي للوفاة على المهاجرين غير النظاميين.
وفي هذا الصدد، أشار مجلس بوعياش، إلى دعوته باعتماد التشريح الطبي لتحديد سبب وفاة كل حالة على حدة، مسجّلا في الآن ذاته وجود تغير ناشئ وجذري في طبيعة عبور المهاجرين من الناظور إلى مليلية، والذي اتسم بالهجوم المباغت والمحكم التنظيم وغير المعتاد من حيث الزمان (النهار) والمكان (المعبر وليس السياج) والأسلوب (الاقتحام بدل التسلق) والمكون (جنسية واحدة تشكل الغالبية المطلقة).
وسجّل مجلس "بوعياش"، أن مقاربة الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة التي تنحصر في إغلاق حدوده والتشجيع على تدبير تدفقات المهاجرين من طرف دول الجوار لن تؤدي سوى إلى المزيد من المآسي، مقترحا "تعميق البحث القضائي ليشمل كل جوانب المواجهات وتناسب استعمال العنف وتحديد المسؤوليات".
وارتباطا بهذه الأحداث، رصد المجلس انتشار العديد من المعلومات المضللة بخصوص أحداث معبر الناظور-مليلية، مشيرا إلى أنه اطلع على مجموعة من الصور والفيديوهات المنتشرة حول الموضوع، وأن بعضا من الصور والفيديوهات التي روجت على شبكات التواصل الاجتماعي لا علاقة لها بمحاولة عبور المهاجرين في تلك الفترة، "وتتضمن تضليلا ومعطيات غير حقيقية بشأن هذا العبور الجماعي المكثف وما نتج عنه".
وأكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن اللجنة الجهوية بجهة الدارالبيضاء - سطات على تتبع لأوضاع بعض المواطنين السودانيين المصابين بعد الأحداث والذين تم نقلهم إلى عدة مدن منها الدار البيضاء من أجل توفير الرعاية الطبية اللازمة للمصابين، مشيرا إلى أنه ما بين 14 يوليوز 2022 و12 غشت 2022، استفاد حوالي 20 شخصا أغلبهم من جنسية سودانية من فحوصات سريرية وبالأشعة وعلاجات وأدوية تحت إشراف طبيب عضو اللجنة وبتنسيق مصلحة المساعدة الاجتماعية للمستشفى الجامعي ابن رشد، كما قامت اللجنة بالتنسيق مع المديرية الجهوية للصحة بالدار البيضاء – سطات قصد توفير العلاجات في مكان تواجد المهاجرين المصابين وتسهيل الاستشفاء والعمليات الجراحية للمصابين التي تستلزم حالتهم ذلك.
وخلال سنة 2022، تلقى المجلس 87 شكاية تتعلق بقضايا الهجرة واللجوء، تتراوح مواضيعها بين تسوية وضعية اللجوء، ورفض الولوج إلى التراب المغربي، والتوقيف والترحيل، والولوج إلى العدالة، والولوج إلى الرعاية الصحية. وفي هذا الإطار، تلقت اللجنة الجهوية الدار البيضاء سطات 32 شكاية من مواطنات ومواطنين أجانب خلال سنة 2022، سواء بشكل مباشر أو عن طريق جمعيات المجتمع المدني.
وتتعلق أغلب الشكايات بالصعوبات التي يواجهها المهاجرون واللاجئون لتسوية وضعيتهم الإدارية وأخرى تهم السجناء من هذه الفئة. وتتوزع الشكايات بين 27 مهاجرا و5 لاجئين بينهم امرأة واحدة.
وفي سياق وضعية المهاجرين، أبرز المصدر ذاته، أنه تفاعلا مع شكاية وضعت من طرف إحدى جمعيات المجتمع المدني، التي أثارت موضوع عدم ولوج المهاجرين غير النظاميين من المهاجرين لعملية التلقيح ضد وباء الكوفيد 19، قامت اللجنة الجهوية كلميم- واد نون، بتعاون مع فعاليات المجتمع المدني والسلطات المحلية، بتاريخ 01 أبريل 2022، بتنسيق عملية حصول هذه الفئة على الجرعتين الثانية والثالثة من التلقيح ضد وباء كوفيد 19.
ونبّه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى أ، دستور 2011 ضم مكتسبات مهمة للمهاجرين المقيمين، إذ ينص الفصل 30 منه على حق تمتع الأجانب بالحريات الأساسية المعترف بها للمواطنات والمواطنين المغاربة، وفق القانون. كما أن الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، رغم عدم كونه نصا ملزما، يعد اتفاقا تكميليا يغطي جميع أبعاد الهجرة الدولية بطريقة كلية وشاملة، مشيرا في الآن ذاته، إلى أنه " وبنهاية 2022، لم يتم بعد استكمال إجراءات المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 143 بشأن العمال المهاجرين (أحكام تكميلية)، رغم صدور قانون سنة 2016 يوافق بموجبه البرلمان على المصادقة على هذه الاتفاقية".
وسجّل المصدر ذاته، أنه لم يتم بعد اعتماد مشروع القانون رقم 72.17 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة، ومشروع القانون رقم 66.17 المتعلق باللجوء وشروط منحه، مشيرا إلى أنه "من شأن هذه الخطوات المعيارية والتشريعية أن تشكل مزيداً من الحماية لحقوق المهاجرين وأفراد أسرهم".
وكان تقرير لمجلس الأوروبي، قد حث إسبانيا على ضرورة مراجعة التعاون مع الرباط في مراقبة الحدود، نظراً لخطورة ما حدث في القفزة الهائلة فوق سياج مليلية في 24 يونيو وفي مناسبات سابقة، مطالبا إياها أيضا بتعليق جميع الأنشطة المشتركة التي من شأنها أن تؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان.
وجاء ذلك ضمن تقرير للمجلس الأوروبي نُشر اليوم الأربعاء، عقب الزيارة التي قام مفوض مجلس أوروبا لحقوق الإنسان في نونبر الماضي لكل من إسبانيا ومليلية، والتي شخّص من خلالها ما وصفه بـ " قسوة الأحداث"، أن الحكومة الإسبانية مطالبة بتوجيه سلطات إنفاذ القانون للتصرف وفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان عند احتجاز المهاجرين على حدود سبتة ومليلية، وهذا يشمل "حظرًا صريحًا" وطردًا فوريًا.
المفوض الأوروبي، لم يُفوّت أيضا فرصة اتهام المغرب مرارا باستخدام العنف في أحداث 24 يونيو التي ذهب ضحيتها ما لا يقل عن 23 مهاجرًا، وذلك بناء على تقارير متطابقة اعتمدها وتثبت تعرّض المهاجرين غير النظاميين لسوء المعاملة الجسيمة موردا "السلطات الإسبانية تعرف ذلك أو ينبغي أن تعرفه".
وأعرب تقرير المفوض الأوروبي لحقوق الإنسان، عن قلقه إزاء التفاعل السلبي للسلطات الإسبانية مع هذا الملف، موردا أنه على الرغم من تنبيهات المفوضية الأوروبية، ومراسلاتها بالفعل إلى وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي مارلاسكا، لمطالبته بإعادة النظر في التعاون مع المغرب "لمنع المآسي في المستقبل"، إلا أنها تواصل التماطل في اتخاذ خطوات ملموسة.