"الهلع والريبة" يتسرّبان لإسبانيا بعد تماطل المغرب وتريثه في فتح الحدود الجمركية.. وهذه تفاصيل مفاوضات أبريل التي تتجاهل الرباط تنزيلها
بعد أزيد من عام على عودة المياه إلى مجاريها، وتحقيق مُصالحة دبلوماسية "تاريخية"، لم يستقر المغرب وإسبانيا بعد على بر موعد وكيفية لفتح الجمارك التجارية لسبتة ومليلية المحتلتين، وذلك على الرغم من الاتفاق المصادق عليه بين الطرفين في أبريل 2022، وهو ما وجدته المعارضة الاسبانية لحكومة سانشيز بما فيها الأحزاب اليمينية المعادية لمصالح المغرب، رصاصة حية تُطلقها في كل مرة تسعى فيها للنيل من الحكومة الإيبيرية التي غيّرت موقف إسبانيا من مغربية الصحراء وسيادته على أراضيه، وكذلك شماعة جديدة لاتهام المغرب بالمماطلة والإخلال بالتزاماته الدولية وخرق الاتفاق المعلن بين البلدين.
وكان البلدان قد اتفقا ضمن مخرجات الدورة الـ12 من الاجتماع رفيع المستوى المغرب-إسبانيا على "مواصلة المضي قدماً بطريقة منظمة، مع التطبيع الكامل لحركة الأشخاص والبضائع، بما في ذلك المقتضيات الملائمة للمراقبة الجمركية ومراقبة الأشخاص على الصعيدين البري والبحري، أخذاً بعين الاعتبار خلاصات الاختبار النموذجي الذي تم القيام به في 27 يناير الماضي، ومواصلة هذه السلسلة من الاختبارات وفقاً للجدول الزمني المتفق عليه للتغلب على كل عراقيل محتملة"، بيد أن النتيجة كانت مخيّبة لآمال الأحزاب الإسبانية بمن فيهم مسؤولي المدينتين المحتلتين ممن استنكروا فشل الطرفين في تحديد موعد قار وواضح لإعادة تنشيط المكتب التجاري لمعبر "بني أنصار"، وفتح المكتب المستحدث في معبر "تراخال".
ولم تقف الأمور عند مخرجات القمة السالفة الذكر، بحيث عُقد الاجتماع الثنائي الأخير حول هذا الموضوع في منتصف أبريل الماضي بالرباط وتم الاتفاق خلاله على مبادرات جديدة لدفع وتكثيف الاختبارات التجريبية على الحدود، لكن وبحسب ما كشفته ثلاثة مصادر مطلعة على تفاصيل المفاوضات لصحيفة "إل باييس" الإسبانية، فإن الرباط تُقاوم لتحقيق التزاماتها حتى الآن، مشيرة إلى أن الشيء الوحيد الذي تم تحقيقه في هذا الأمر الذي يحظى باهتمام خاص لإسبانيا هو فتح كلا الحدود البرية في يوم واحد في شهر يناير وآخر في شهر فبراير لحملها كاختبارين تجريبيين لمرور البضائع.
وتؤكد المصادر نفسها، أن الرباط لم تبد اهتمامًا بالمضي قدمًا وتحقيق شروط الانفتاح على العديد من القضايا الفنية التي يمكن حلها بالإرادة السياسية، موردة أنه وبعد أكثر من ثلاثة أسابيع من ذلك الاجتماع، أصرت إسبانيا على التزام المغرب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه، لكنها لم تتلق ردا بعد.
وأشارت المصادر ذاتها، المقربة من دائرة السلطة في البلد الإيبيري، إلى أن حكومة بيدرو سانشيز دافعت مرارا عن فتح الجمارك باعتباره أحد الإنجازات الرئيسية التي أعقبت انتهاء الأزمة الدبلوماسية الثنائية التي حدثت في الرباط في أبريل 2022، موردة أنه ومن أجل المصالحة مع الدولة المجاورة، غيرت إسبانيا موقفها التقليدي المتمثل في الحياد في النزاع حول الصحراء المغربية ومضت للدفاع عن الاقتراح المغربي بالحكم الذاتي للمستعمرة الإسبانية السابقة، غير أن جهود الحكومة الإسبانية ووفق"إل باييس" لإعادة فتح مكتب الجمارك في مليلية وإنشاء مكتب جديد في سبتة له "خلفية سياسية، حيث يمكن تفسيره على أنه اعتراف ضمني بالسيادة الإسبانية على المدينتين، اللتين عادة ما يشير إليها المغرب باسم المحتلة".
وفي 14 أبريل الماضي، حل وفد إسباني مكون من أعضاء من وزارات مختلفة بالعاصمة الرباط لعقد اجتماع حول موضوع الجمارك، "وذلك على الرغم من تشاؤمهم بخصوص الوصول لتاريخ محدد لفتح الحدود بغرض عبور البضائع" بحسب المصادر ذاتها، التي أوردت أن الوفدان اتفقا شفهيًا على على إجراء اختبارات يومية خلال هذا الشهر، وأن يبدأ في منتصف شهر ماي مرور المنتجات الطازجة من أصل حيواني ونباتي، والتي يجب أن تخضع لفحص صحي محدد..كما اتفق الوفدان على كتابة تفاصيل الاتفاقية وأنواع المنتجات التي سيتم تضمينها والتدابير التي ستدعمها إسبانيا لمنع التهريب".
ومع ذلك، وعلى الرغم من مُضي ثلاثة أسابيع عن الاجتماع المذكور، أشارت المصادر المسؤولة المطّلعة إلى أنه تم " تجاهل المراسلات الواردة من طرف المغرب للاقتراح المتفق عليه وأصر على الاستمرار في إجراء اختبارات متفرقة ليوم واحد.." كما أنه وفي أحدث اتصال ثنائي بين البلدين، حسب المصادر التي تم التشاور معها، "أرسلت إسبانيا مرة أخرى اقتراحها إلى المغاربة، والذي يتضمن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أبريل كجزء من عملية التفاوض غير أن رد الرباط ليس حازمًا بعد بهذا الخصوص".
المصادر المسؤولة ذاتها، كشفت أن تماطل المغرب بهذا الخصوص، بدأ في إثارة بعض الانزعاج بين بعض المفاوضين الإسبان الذين باتوا يشككون في الإرادة الحقيقية للبلد المجاور، موردة: " إذا لم يتم الوفاء بالالتزام بفتح الجمارك، فإن هؤلاء المحاورين يتساءلون ما هي الفائدة لإسبانيا من الدفاع عن المغرب في نزاع الصحراء، بخلاف الحد من وصول المهاجرين غير الشرعيين، وهي حقيقة ملموسة ولكن لا رجعة فيها".
من جانبها، فضّلت وزارة الشؤون الخارجية المغربية التزام الصمت بهذا الخصوص، وفق "إل باييس" التي راسلتها لطلب المعلومات هذا الأسبوع كما سبق وراسلتها أيضا عندما تم إجراء أول اختبار تجريبي، في نهاية يناير الماضي، وقد أحالت متحدثة باسم الشؤون الخارجية الأسئلة في هذا الشأن إلى سلطات الجمارك المغربية التي بدورها لم تتفاعل مع أسئلة الصحيفة الإسبانية.
ووفقا لمصادر مطلعة على المفاوضات، فإن تنفيذ خريطة الطريق بين الطريفين "معطلة" من الناحية العملية، بحيث تضمنت الخطة الإسبانية مرحلة تجريبية أولى في 27 يناير بمنتجات ليست طعامًا ولا من أصل حيواني أو نباتي، لكن هذا الاختبار، الذي تم إجراؤه بالفعل عشية وصول الرئيس الإسباني بيدرو سانشيز إلى الرباط للمشاركة في أول قمة بين البلدين منذ سبع سنوات، "يجب أن يستمر" وفقًا للتطلعات الإسبانية.
وكان الأمر يتعلق بتنفيذ خطوات متتالية لهذا النوع من البضائع في الفترة ما بين 15 فبراير و 15 مارس، من ذلك التاريخ ولمدة شهر، ثم بدء مرحلة ثانية حتى 15 أبريل تم إدراج المنتجات فيها بالفعل، وهي أغذية من أصل غير حيواني. المرحلة الثالثة، على مدار شهر ماي، يفترض أنها ستشمل اختبارات يومية للمنتجات من أصل حيواني، والتي تتطلب رقابة محددة.
ولم يتحقق كل هذا الجدول التفصيلي حتى الآن وفق المصادر ذاتها، عدا اختبار تجريبي في 27 يناير وآخر في 24 فبراير، بدون تاريخ أو تقدم كبير، مشيرة إلى أن "حجم البضائع التي ستفترضها الجمارك غير معروف أيضًا، كما لا توجد مراجع في سبتة لأنه لم يكن هناك ممر بري للبضائع، لكن مكتب جمارك مليلية، الذي افتتح عام 1867 وأغلقه المغرب في غشت 2018 ، سجل استيرادًا مستمرًا للفواكه والخضروات والأسماك، وفي عام 2018 مرت 41600 طن من المنتجات عبر ذلك المكتب الجمركي، أي ما يقرب من 15 في المائة من إجمالي البضائع التي وصلت إلى مليلية، وفقًا للبيانات الرسمية، وعندما تم إغلاق الجمارك، قدر رئيس المدينة، خوان خوسيه إمبرودا، تأثيرها على الاقتصاد المحلي بمبلغ 100 مليون يورو سنويًا".
وكانت التخمينات تذهب إلى أن المغرب كان يؤجل فتح الجمارك ليتزامن مع الزيارة الرسمية لبيدرو سانشيز إلى الرباط، بعد الدعوة التي وجهها إليه الملك محمد السادس فبراير الماضي، غير أنه مضت أكثر من ثلاثة أشهر دون أن يُحدد موعد هذه الزيارة.
وتعتبر المصادر الإسبانية المطلعة، وفق "إل باييس" أنه إذا لم يتم تطبيق الإجراء المتفق عليه بين الطرفين، فسيكون المغرب قد انتهك الإعلان المشترك الصادر في 7 أبريل من العام الماضي، والذي رسا بالعلاقات إلى بر المصالحة بعد ما يقرب من عام من الأزمة الدبلوماسية "غير المسبوقة".