الحَربُ على الفَسَاد!
أحمد إفزارن
- المَغرِبُ يخُوضُ حربًا شعواءَ ضد الفسادِ بأشكالهِ وأنواعه.. وفي هذا الاتّجاه، توجدُ بِبلادِنا مؤسّسات مُختصةٌ في محاربة الفساد وربط المسؤولية بالمُحاسَبة، ومنها: اللجنةُ الوطنيةُ لمُكافحةِ الفساد التي ينصُّ عليها الدّستور..
وقد تحوّلت المعركةُ الكُبرى لبلادِنا إلى تطويقِ الاستِخدامِ السيّئ للسُّلطةِ المَوضوعةِ في قبضةٌ أيّ مسؤول، من أجل الوصولِ إلى النّفوذ، ومن ثمّةَ الإضرار بالمصلحة العامة، لتكُون في خدمة المصالح الشخصية..
إن الفسادَ أشكالٌ وأنواع، من أبرزِها الفسادُ الإداري، وهو من قبيلِ الرّشوة، والمحسُوبية، والابتزاز، واستغلالِ النفوذ، وإقصاءِ الكفاءاتِ المؤهّلة، وغيرِها…
ورغمَ وجودِ عدة طُرُقٍ لمُلاحقة الفسادِ والإفساد، فإنّ الفسادَ لا تقضي عليهِ فقط عمليةُ الزّجرٌ وتطبيقِ القانون..
الحاجةُ ماسّةٌ إلى تفعيلِ المسؤولية الإداريةِ بشكلٍ كامِل، وتشغيلِ الضميرِ المِهنِي..
وهذا يتطلّبُ توعيةً وأخلاقياتٍ، بدءًا من تربيةٍ فعّالةٍ داخلَ الأُسرة، وُصولاً إلى المدرسة فإلى المُجتَمع..
وتستطيعُ اليقظةُ المُجتمَعيّة أن تُعيدَ القيّمَ الاجتماعيةَ إلى جادّة الصواب، وأن تُحرّك الوعيَ الاجتماعي للتّنبيه من مَخاطر اللامُبالاة..
وإلى هذا، تحريكُ القُدرةِ الشرائية، والزيادة في الرّواتِب لكي تكُونَ في مُستوَى العيشِ الكريم.. - مجتمعُنا شديدُ الهشاشة، ثقافيّا، ومَعيشيّا، ولا يتحمّل استمرارَ الفسادِ في إداراتِه وأحزابِه ومؤسّساته، وتحويلِ الفسادِ إلى سياسة تفقيرية من قِبَلِ نُخَبِه السياسية، وخاصةٌ منها الأحزابُ والنقابات.. هذا يُفقدُ الثقةَ في الحكومة وفي صُنّاع القرار، وفي الجماعات المحلية ومَجالسِ التشريع… وهذه الهشاشةُ العلاقاتية تؤثر على تَذويبِ العلاقاتِ بين الشعبِ والحكومة..
ومع السّنين، تنتهي الثقةُ في مُؤسّساتِ الدولة، في خضمّ انتشار الفساد الإداري..
الفسادُ جُرثومةٌ تضُرّ بالحياةِ العامة، وبالاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتتراجعُ بهيبةِ الدولة إلى الخلف..
وهذه مؤشراتٌ سلبيةٌ بدأت آثارُها وتأثيراتُها السلبية تبرزُ في علاقات الأحزاب، وفي مواقعِ ما يُسمَّى بالديمقراطية..
ولكي تتعافَى المؤسساتُ من آثارِ الفساد، هذا يتطلبُ علاجا طويلَ المدَى.. - والفسادُ الحِزبي هو يُنتجُ الفسادَ الحكومي، ويُفرّقُ المُجتمعَ إلى ثغراتٍ وطبقاتٍ تَحكُمُها فيروساتٌ طاعونية..
وتبرُزُ فئاتٌ ماليةٌ بلا حدود، وتقابلُها خلايا بشريةٌ شديدةُ الحاجةِ إلى أبسطٌ ضرورياتِ الحياة والصحة..
فُقراءُ بلا حدود، مُقابلَ فئةٍ قليلة من كبارِ اللصوص..
ولا أحدَ منهُما في حالة اطمِئنانٍ للآخر..
ومع السنين، يستحيل التعايُشُ الاجتماعي مع الفساد.. - ولا يكفي تحسينُ الظروف المعيشية للموظفين، نظرا للخَللِ الحاصلِ في موازينِ التكافُؤ الأّسرِي لمعيشةِ الأُسَر..
وتَتباطأ إجراءاتُ مُعالجةِ الفَساد، مِن قبِيلِ حكومةٍ مريضة..
ويطغى اليأسُ والتّيئيسُ الاجتماعي في مكافحة الفساد: والناسُ ترى فئةً اجتماعيةً فوقَ القانون، وأخرى تّنسَبُ لها كل الملفاتِ التي يتمّ بمُوجبِها اقتيادُها إلى أقفاص الاتهام.. - وفي خِضمّ أجواء الفساد، تشتدُّ المخاطرّ الاجتماعية، نظرا للاختِلالِ المعيشي الذي يُواكبُه تعليمٌ مهترئٌ بحاجةٍ إلى تقويم وتأهيلٍ وتغييرٍ وعدالةٍ اجتماعيةٍ بدلَ عدالةٍ سطحيةٍ ووُعودٍ كاذبة..
ويطغى الكذبْ في علاقاتِ الناخبِ والمنتَخَبِ والمُرشّح، فتكونُ الانتخاباتُ سطحية، والعلاقاتُ بين الحكومة والشعب غير مبنية على أساسِ الثقة المُتبادَلة، بقدرِ ما هي علاقاتٌ تطغَى عليها الخيانة.. ولا يثقُ أحدٌ في أحَد..
وينتهي وضعُ الشخصِ المناسب في المكان المناسب.. وتُفقَدُ معايير الكفاءة، ويَحلُّ مَحلَّها الاعتمادُ على المحسوبية والزبونية والعلاقات الأسَرية.. - ويَنتهى زمنُ الفساد.. إنّ الفسادَ قد أفسَد.. وله نتائجُ سلبية..
ولا يستطيعُ الفسادُ أن يّؤثّر على الناس، وأن يُنتجَ علاقات إيجابية..
وأكثرَ من ذلك، الناسُ لم تعُد تثقُ لا في فاسِد، ولا في حكومةٍ تضليلية..
وهذا الواقعُ الجديدُ يتطلبَ نشرَ ثقافةِ النزاهة، ورُوح المُواطَنة، والجدّية والمسؤولية..
وإلى هذا، تبسيط القوانين لتكُونَ أكثر شفافيةً ووُضوحّا، وبعيدة عن أية ثغراتٍ قابلةٍ للإساءة والاستِغلال.. - وفي هذه الأجواءِ المُختَلّة، بلادُنا أحوجُ ما تكونُ إلى استِقرار تنموي، يَسودُه الأمنُ والأمان.. وهذه فُرصةٌ ثمينةٌ يُمكنُ استِثمارُها لإعادة بناءِ واقعٍ آخرٓ قِوامُه الأمنُ والأمان..
الحاجةُ ماسّة إلى تجاوُز مرحلةٌ ما بعدَ الفساد.. - يجبُ تطليقُ الفساد، قبلَ فواتِ الأوان!
[email protected]