الأمازيغيون وثمة حقوق
في خطوة جديدة لتعزيز الهويّة المغربية، وتعميق الوحدة الوطنية، أصدر العاهل المغربي محمد السادس قرارًا في مطلع الشهر الجاري (أيار / مايو 2023)، يقضي باعتبار راس السنة الأمازيغية، الذي يوافق 13 كانون الثاني / يناير من كلّ عام "يوم عطلة وطنية"، على غرار رأس السنة الهجرية و رأس السنة الميلادية. وبحلول السنة المقبلة يكون التقويم الأمازيغي، الذي سيُحتفى به، هو العام الجديد 2974، أي بفارق 951 سنة عن التقويم الميلادي، وبفارق 1530 سنة عن التقويم الهجري.
ويأتي هذا القرار لتوسيع دائرة الحقوق، وإقرارًا بالتنوّع والتعدّدية في إطار الوحدة، أي الاعتراف بوجود مجموعات ثقافية لمجتمع موحّد وثقافات متعدّدة وليس ثقافة واحدة، وذلك باحترام الهويّات الفرعية والخصوصية التي يتكوّن منها المجتمع المغربي، وهو نهج اتّبعه المغرب منذ فترة ليست بالقصيرة، في إطار "التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية كما جاء في بيان البلاط الملكي.
وجرت العادة خلال الأعوام المنصرمة، ولاسيّما في العقدين الأخيرين على إقامة احتفالات شعبية في أماكن عديدة عامة، احتفالًا برأس السنة الأمازيغية، وهو ما كان يقوم به ناشطون أمازيغيون وداعمون لحقوقهم ودعاة لحقوق الإنسان، وقد سبق لكاتب السطور المشاركة فيها، بما فيها إلقاء محاضرات بشأن التنوّع الثقافي والحقوق الثقافية بشكل عام، واقتراح الحلول المنشودة لمشاكل المجموعات الثقافية، استنادًا إلى تجارب مجتمعات سبقتنا على هذا الطريق، وذلك باعتماد الحوار وسيلة سلمية مجرّبة، وصولًا إلى الاهداف المرجوّة، مع التأكيد على وحدة التراب المغربي ومصالح البلاد العليا.
الجدير بالذكر أن خطوات مماثلة تتعلّق بحقوق الأمازيغيين الثقافية، كانت قد اتُّخذت في الجزائر أيضًا، وهو أمر احتاج إلى وقت لتكوين قناعة مجتمعية لإقرار هذه الحقوق اللغوية والثقافية، خصوصًا بتحوّل جزء من الرأي العام إلى جانبها، بدلًا من استغلال جهات معادية لتطلّعات الامازيغيين لإحداث شرخ في الوحدة الوطنية، وبما يلحق الضرر بالهويّة الجامعة.
لقد تدرّجت المغرب في الاعتراف بالحقوق الثقافية للأمازيغيين، ففي العام 2001، اعترف الخطاب الملكي بها في بلدة أغادير، ثم في العام 2011، جرى إقرار تعديلات دستورية جوهرية بضمنها اعتبار الأمازيغية لغة رسمية. وفي العام 2019 تم تنظيم قانون لاستعمالها أسوة باللغة العربية في الوثائق الإدارية والمعاملات الرسمية، إضافة إلى تعميم تدريسها تدريجيًا خلال 15 عامًا، في ظلّ برنامج طويل الامد، ابتدأ جزئيًا منذ العام 2003، وهو يحتاج إلى تسريع وتيرته وتعميق محتواه وتخصيص كادر إداري وتربوي مناسب للقيام بهذه المهمة التوحيدية التكاملية.
ومنذ العام 2003، أقرّ قانون كتابة الأمازيغية بحروفها الخاصة، المعروفة "تيفيناغ"، حيث تتصدّر واجهات المؤسسات الرسمية، وقد أُثير جدل واسع حول استخدام الحرف العربي أو اللاتيني، حتى استقرّ الأمر على الحرف الاصلي للغة الأمازيغية، وهو جزء من التراث التاريخي الذي بحاجة إلى إحيائه.
لقيَ قرار الملك محمد السادس ترحيبًا واسعًا وابتهاجًا كبيرًا من جانب الأمازيغيين، بمن فيهم سكّان الشمال المغربي، على الرغم من التفاوت في معدّلات التنمية وشعورهم بالحيف والغُبن والإجحاف، والتي حاولت بعض القوى الخارجية استغلاله، لذلك اعتُبر هذا القرار تاريخيًا ورمزيًا وحضاريًا وإنسانيًا بالتفاعل الخلّاق مع قيم حقوق الإنسان الكونية، واستجابةً ضرورية لتعزيز اللُّحمة المغربية.
إن قرار الاعتراف بالتقويم الأمازيغي والاحتفال الرسمي برأس السنة الأمازيغية، هو احتفاء بهويّة الأرض والجغرافيا والتاريخ، وسيفتح أبوابًا جديدة للحقوق والحريّات تلك التي ابتدأت منذ أواسط التسعينيات، خصوصًا بعدد من الإجراءات الجريئة التي اتّخذها الملك الحسن الثاني، في ظلّ حكومة عبد الرحمن اليوسفي (1998 - 2002)، الأمر الذي وفّر فسحة مناسبة لوعي جديد، قوامه المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية واحترام حقوق الإنسان، وهذه كلّها أدوات فعالة للتنمية المستدامة بجميع جوانبها السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والنفسية والصحية والتربوية والبيئية وغيرها، وهي حقول اشتغل عليها المغرب خلال العقود الثلاثة المنصرمة، في ظلّ اتساع دائرة الحريّات، ولاسيّما حريّة التعبير.
وقد راكم المغرب تجربةً غنيةً على هذا الصعيد، في ظلّ دور نشيط وحيوي للمجتمع المدني، واستجابة ومبادرة ملكية جريئة، ناهيك عن قدرة فائقة في قراءة المستجدّات والمتغيّرات الإقليمية والعالمية في ضوء المصالح الوطنية.
ودلّت التجربة التاريخية الكونية، أن مشكلة المجموعات الثقافية وإشكالياتها في مجتمعات متعدّدة الثقافات، تتطلّب معالجةً استثنائية لأوضاع استثنائية، بتعزيز مبدأ المواطنة المتساوية والمتكافئة والحيوية، في إطار الوحدة الوطنية، إذْ كان التنكّر للهويّات الفرعية فادحًا والخسارة المادية والمعنوية كبيرة، الأمر الذي أدّى إلى تفاقمها وتعقيدها، مما ضاعف من استغلال القوى الخارجية لها، بالتغلغل الناعم، وبوسائل مختلفة لخلخلة كيانية المجتمع ووحدته وتعطيل تنميته وتقدّمه، وليس حرصًا على حقوق المجموعات الثقافية.