في خضم الوضعن الأمني غير المستقر.. مصادر حكومية سينغالية تؤكد لـ "الصحيفة" تحوّل المغرب إلى الرئة التي تنفس بها اقتصادها
تسبّب الوضع الأمني المتأزم في السنغال منذ أيام، في وقف عجلة النشاط الاقتصادي بالبلد بما فيها الأرصدة البنكية، والمبادلات التجارية صوب مختلف دول المعمور باستثناء المغرب وموريتانيا، وفق ما كشفته مصادر مسؤولة سنغالية ومهنية لـ "الصحيفة"، التي أوردت أن الطريق صوب المملكة المغربية، كان المتنفس الوحيد المتاح والآمن قبيل استئناف العملية هذا الأسبوع، وبالتالي "لم تتأثر حجم الصادرات نحو المغرب بأي شكل".
وأوضحت مصادر في وزارة الزراعة السينغالية في تصريح خصّت به "الصحيفة"، أن الأوضاع الأمنية في السنغال التي ذهب ضحيتها 23 قتيلا وعشرات من الجرحى والإصابات، كنتيجة للاشتباكات بين المعارضة بقيادة عثمان سونكو الذي مُنِع من الترشح من جهة والسلطات الأمنية من جهة ثانية، تسبّبت في توقف العجلة الاقتصادية بالبلاد، سيّما في ظل الإجراءات المشدّدة التي اتخذتها السلطات.
المصادر التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها لأسباب مهنية، أوردت في حديثها للجريدة، أن الوزراة الوصية أوقفت جميع خدماتها خلال الأسابيع الأولى من شهر يونيو الجاري، ما تسبّب في تعطيل مجمل المبادلات التجارية مع الدول التي تربطها اتفاقيات تصدير واستيراد، سواء إقليميا أو على مستوى دول المعمور بما فيها الدول الأوروبية.
وأشارت المصادر ذاتها، إلى أن الموسم الفلاحي لم يتعطّل فقط على مستوى التصدير أو الاستيراد لكن أيضا على مستوى الحصاد، بسبب حظر التجوال الذي فرضته السلطات في الفترة الممتدة ما بين السابعة صباحا والسادسة مساءا، وهو ما يعني أن المزارعين لم يتمكّنوا من حصاد منتجاتهم وتهيئتها للتصدير وبالتالي تم شحذها للسوق المحلية وأيضا صوب المغرب وموريتانيا.
وأبرزت المصادر ذاتها، أن أكثر المنتجات تأثرا في الفترة السابقة والتي تعرّض مزارعوها لخسائر مهمة، هي "المانغو" التي تُصدّر لأكثر من 17 دولة حول العالم، والتي لم تتمكن بعد مصالح الوزارة تحديد حجم خسائرها، موردة: "للأسف تزامنت الأوضاع الأمنية والسياسية الحالية مع موسم حصاد المانغو السنوي والذي يتطلب معاملة خاصة، وبالتالي يسعني القول إن الخسائر كبيرة حتى دون تعدادها..".
وفضلا عمّا سبق، تحدّثت المصادر الوزارية السنغالية، عن مسار عملية التصدير الذي يتطلّب دقة وعملا متواصلا وميدانيا للجنة المكلفة، سواء على المستوى الإداري أو العملي، الأمر الذي لم يكن ممكنا خلال الفترة السابقة التي شهدت أوضاعا أمنية متأزمة وحظر تجوال حتّم تأجيل أي عملية تصدير وعرض المنتجات والمزارعين لخسائر مهمة.
ووفق ما أكدته المصادر ذاتها، فإن الوزارة لم تتمكّن في خضم الظروف السابقة، تمكين مفتشيها من زيارة مناطق الحصاد الفلاحية بما فيها مزارع المانغو في نيايس، مبور وغيرها، للتحقق من خلو المحصول من أي آفة تهدد قابليته للتصدير، كما توقف عمل الأبناك وبالتالي بات من الصعب توفير تحويلات مالية تسهل مأمورية العملية التجارية، فكانت النتيجة توقف العمل بتوقف خدمات الوزارة.
الوزارة التي أكدت استئناف السنغال لعملية التصدير، ونبّهت بالمقابل إلى أن الطريق البرية صوب المغرب عبر موريتانيا كانت وحدها الآمنة والمتنفس الوحيد الذي تمكّنت من خلاله من إنقاذ حصاد مهم من موسم المانغو، مشيرة إلى أن هذا الطريق وحده الذي كان يعمل بطريقة طبيعية طيلة الفترة السابقة.
ولا تتوفر وزارة الزراعة السنغالية حتى الآن، على أرقام ومعطيات حول حجم صادراتها من المانغو صوب المغرب، بحسب ما أكدته المصادر ذاتها لـ "الصحيفة"، موردة أن الحصاد بدأ للتو وأن المعطيات الرقمية تتم على أساس سنوي، بيد أن الموسم الزراعي لم يتأثر فقط بالمسألة الأمنية لكن ضُعف الإنتاج أيضا في عدد من المناطق والمزارع المعروفة أساسا بإنتاج المانغو.
من جانبه، وفي تصريح خصّ به "الصحيفة"، قال عبد الله غاي، رئيس هيئة مزارعي المانغو السنغالي، إن الاشتباكات التي شهدتها البلاد، أثرت بشكل مباشر في المحاصيل الفلاحية والزراعية بما فيها المانغو الذي بدأ للتو ويعد هذا أوج موسم حصاده الذي ينطلق ابتداء من يونيو وحتى نهاية شهر أكتوبر حسب كل منطقة في البلاد، فكما هو معلوم، في السنغال تدوم فترة إنتاج المانغو 6 أشهر، وهي الفترة الأطول في قارتنا الأفريقية".
وأكد غاي، أن الطريق البرية صوب المغرب وموريتانيا، "كانت وحدها التي تعمل بشكل طبيعي طيلة الفترة السابقة، عكس للطرق الأخرى التي لم تكن آمنة على غرار الطريق المؤدية إلى بوركينافاسو والتي كانت مقطوعة..".
وبخصوص حجم الصادرات في اتجاه المغرب خلال الفترة السابقة وحول ما اذا كانت قد تضاعفت بسبب الأوضاع الأمنية، قال غاي في حديثه لـ "الصحيفة"، إنه لا توجد معطيات رقمية محيّنة حاليا عدا تلك المرتبطة بالسنة الماضية، لكنها في مسارها الطبيعي، ولم تتأثر بأي شكل سلبي وإنما من بشكل إيجابية بحيث بقي المغرب وموريتانيا الرئة التي يتنفس منها القطاع.
وأضاف الخبير المهني: "صادراتنا نحو المغرب جيدة في كل الأوقات وحتى في خضم الظروف الأمنية السابقة لم تتأثر بطريقة سلبية، لأن المنتجات يتم توريدها مباشرة من الأسواق المحلية في البانا بانا، في حين المانغو السنغالي الذي يتم تصديره إلى أوروبا يشهد انخفاضا لأكثر من الثلث من حجم الصادرات نظرا للأسباب الأمنية التي ذكرتها، وأيضا لانخفاض الإنتاج الذي دفع الوزارة الوصية أيضا لخفض حجم صادراتها من هذه الفاكهة صوب الدول سيما الأوروبية أما نحو المغرب لا نعتقد سيكون تأثير".
وكانت مصادر دبلوماسية سنغالية قد أكدت لـ "الصحيفة"، أن منسوب العنف الدموي في السنغال، بدأ ينخفض تدريجيا في الأيام الأخيرة الماضية، مشيرة إلى أن الأمن بدأ يستتب وأوضاع الجالية المغربية المقيمة في البلد "لا تدعو للقلق".
وقبل 8 أشهر من الانتخابات الرئاسية المقررة في 25 فبراير، شهدت السنغال منذ بداية يونيو الجاري، اصطدامات تُعد الأسوأ من نوعها منذ عقود، أُطلقت شرارتها الأولى بصدور حكم بالسجن سنتين نافذة على المعارض عثمان سونكو الذي منع من الترشح للرئاسيات في قضية أخلاقية، تسبب في مظاهرات تحوّلت إلى مواجهات دموية مع السلطات الأمنية بقيادة الرئيس ماكي سال الذي لم يحسم بعد بشأن إمكانية ترشحه لولاية ثالثة ستكون مخالفة لدستور البلاد.
وظهرت مجموعة من الفيديوهات والصور التي توثق لتردّي الأوضاع في السنغال التي تعتبر نموذجا استثنائيا في غرب أفريقيا للاستقرار السياسي والأمني، وهو ما استندت عليه منظمة العفو الدولية، لتتهم السلطات بمحاولة إخراس الأصوات المعارضة.
وأكدت منظمة العفو الدولية، أن حصيلة ضحايا الاشتباكات أكبر من تلك التي قدّمتها السلطات، منددةً باستخدام مفرط للقوة وكذلك باعتداءات على حرية التعبير والإعلام، مضيفة: "هناك 23 قتيلاً حسب أرقامنا، قُتل عدد منهم بالرصاص"، بينهم ثلاثة قصّر، غير أن هذا الرقم يزيد عن ذلك الذي قدمه حزب سونكو، الذي سجل مقتل 26 مواطنا سنغاليا في الاشتباكات العنيفة بين الطرفين، حسب ما نقله موقع "دكار أكتو" عن المتحدث باسمه المالك ندياي.
وذكرت منظمة العفو أنّها لاحظت، في مقاطع فيديو دققت فيها، وجود مسلحين بملابس مدنية إلى جانب الشرطة يهاجمون متظاهرين في عنف.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :