20 مليار دولار لجلب نجوم العالم وإدخال الدوري السعودي إلى "الطوب10" عالميا.. هل هو استثمار في الرياضة أم تلميع لصورة ابن سلمان عن طريق كرة القدم؟
أضحت المملكة العربية وجهة كروية بامتياز، فبعد ضم النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو لصفوف النصر السعودي، انفتحت أندية أخرى على جلب نجوم آخرين، خلال الصيف الجاري، وذلك في خطوة تسويقية أرادت بها الرياض أن تلمع صورة دوريها المحلي، لينتقل من مصاف الأفضل عربيا إلى الأكثر متابعة دوليا.
رؤية المملكة لعام 2030، جعلت من دوري "روشن" واجهة لاستقطاب أنظار العالم، حيث بدأ الاهتمام الإعلامي الدولي يزيد، بالنظر للتغييرات الجذرية التي طرأت على المشهد الرياضي السعودي، في إطار توجه سيادي لإعادة تسويق صورة البلد أكثر انفتاحا وتقدما.
الدوري السعودي للمحترفين.. خطوة نحو العالمية
لم يعد مفاجئا أن يستفيق الشارع الرياضي السعودي على خبر انتقال أحد نجوم كرة القدم العالميين ليجاور أحد أندية الدوري المحلي، بعد أن نجح "العالمي" النصر السعودي في ضم رونالدو، كما كان غريمه الهلال في مفاوضات متقدمة لجلب النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي؛ اثنين من أفضل ما جادت به الساحة الكروية خلال العقدين الأخيرين.
قبل أيام، حسم نادي اتحاد جدة صفقة ضم الدولي الفرنسي نغولو كانتي، بعد أن تعاقد مع مواطنه كريم بنزيما، مقابل 107 مليون دولار في الموسم الواحد، في صفقة تمتد لغاية عام 2026.
سوق "الميركاتو" الاسثتنائي بالسعودية، لم يتوقف عند هذا الحد، إذ أن أسماء أخرى قد تحط بمطار الرياض للتوقيع هنا أو هناك، حيث بدأ الحديث عن المدافع الإسباني سيرخيو راموس، الكوري الجنوبي هونغ مين سون أو حتى النجم الدولي البرتغالي بيرناردو سيلفا، المتوج بالثلاثية مع مانشستر سيتي الإنجليزي.
علاوة مزياني، صحافي مختص بالشؤون الرياضية في موقع "فرانس 24"، يعتبر أن "استقطاب هاته الأسماء اللامعة من شأنه أن ينعكس نوعيا على اللعبة في الداخل والخارج"، مضيفا "يحظى الدوري السعودي بمتابعة شعبية واسعة للغاية، لكن مع وجود أسماء مثل رونالدو وبنزيما، سيخرج من حدود المملكة ليلقى متابعة في أقطار أخرى".
ليس وليد الصدفة أن نرى هذا الانفتاح الرياضي، حيث أن الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، كان قد أطلق، خلال السنوات القليلة الماضية، مشروعا للاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، تحقيقا لأحد أهداف "رؤية السعودية 2030"، عبر تحفيز القطاع الخاص وتمكينه من المساهمة في تنمية الرياضة والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها، بما يحقق التميز المنشود للمنتخبات الوطنية والأندية الرياضية، إلى جانب توسيع قاعدة ممارسي مختلف الألعاب والرياضات.
يقول مزياني أن "الخطوات السعودية تصب مباشرة في إطارين، الأول متعلق بأهداف رؤية 2030، والثاني ضمن ممارسات القوة الناعمة التي تعتمدها السعودية في مواقع متعددة، منها عالم الرياضة"، مضيفا "يجب النظر إلى الخطة الرياضية الحالية على أنها جزء من خطط اقتصادية وسياسية وديبلوماسية وسياحية أشمل. تعزيز الرياضة في المملكة سيساهم في تعزيز قطاع السياحة والسياحة الرياضية، وسياسهم بإعطاء صورة مختلفة عن السعودية".
الاسثتمار الكروي السعودية.. بأي كلفة وأي أهداف؟
في تقرير لها، نُشِر في الثاني من يونيو الجاري، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن الخطة الرياضية السعودية تحظى بدعم من أعلى المستويات في البلاد، ويتم تمويلها من صندوق الثروة السيادي الذي يرأسه ولي العهد محمد بن سلمان.
الصحيفة ذاتها، قالت إن الميزانية المرصودة تعادل 20 مليار دولار، حيث ستستفيد الأندية المحلية من إمكانية التعاقد مع نجوم عالميين آخرين، كما كان الأمر مع نادي النصر السعودي، خلال تعاقده مع النجم البرتغالي كريستيان رونالدو، الأخير الذي وقع في صفوف "العالمي" بأكثر من 200 مليون أورو.
انفتاح المملكة في رؤيتها لعام 2030 على القطاع الرياضي، يندرج في بناء صناعة الترفيه داخل المجتمع السعودي، خاصة أن رياضة كرة القدم تحظى بمتابعة كبيرة، تصل لنسبة 70 بالمئة من الأفراد دون سن الأربعين.
وكالة الأنباء الفرنسية AFP، أشارت في تقرير لها، نشر في ماي الماضي، أن كريستيانو وونالدو وغيره من اللاعبين سيلعبون دور العامل على جذب السياحة، حيث أن حضورهم في الملاعب من شأنه أن يستقطب عدد مهم من السياح ويقوم بتعزيز الدعاية الإيجابية للمملكة.
نفس التقرير، أشار إلى أن "سمعة الدوري السعودي تشهد ارتفاعا ملحوظا، حيث احتل الأخير حيزا كبيرا من اهتمام الصحافة العالمية، التي باتت ترصد حياة رونالدو في السعودية، الأخير الذي مازال يستقطب مشاهدات كبيرة لمبارياته، الأمر الذي قد يتضاعف مع حضور بنزيما في الاتحاد ونجوم آخرين في الهلال، على سبيل الذكر ليس الحصر".
اليوم، أضحت المملكة العربية السعودية تبني لفترة حكم محمد بن سلمان، ولي العهد الحالي، والذي يرتكز على مداخل رؤية 2030 من أجل جعل الرياض تكتسي حلة جديدة أكثر انفتاحا اقتصاديا وسياسيا ورياضيا.
الدوري السعودي يصل إلى شاشات 170 دولة في العالم
كشفت وزارة الإعلام في السعودية، في متم ماي المنصرم، أن الدوري السعودي للمحترفين لكرة القدم، وصل إلى شاشات 170 دولة حول العالم، مسجلا مشاهدات مليارية، من خلال بث النقل التلفزيوني، الذي تجاوز حدود المنطقة العربية.
وأوضح رامي القاضي، مدير عمليات البث في رابطة الدوري السعودي للمحترفين أن قصة بداية تهافت القنوات على عملية النقل التلفزيوني للدوري السعودي، انطلقت "بعد نهاية مباراة الأرجنتين في المونديال، حيث انهال كثير من الاتصالات واستقبلنا رسائل الكترونية عدة لطلبات نقل الدوري السعودي، والجميع كان يريد أن يعرف ما هو هذا الدوري؟".
وأضاف "انتهينا من مواجهة الأرجنتين وأثرها العالمي على كرتنا، لندخل بعدها في العقد الذي أبرم مع كريستيانو رونالدو".
وكشف القاضي، أن "المملكة يجري ذكرها بشكل يومي، منذ منافسات كأس العالم وحتى الآن، وأول طلب وصل إلينا كان من قناة أرجنتينية كانت ترغب في نقل الدوري السعودي، بعدها كان أغلب الطلبات من أمريكا اللاتينية".
هذا، واعتمدت الرابطة للترويج لمنتوجها الكروي، على نظام "News Package" الذي هو عبارة عن فقرة "Highlights" لأهم لقطات المباريات ومدته 90 ثانية، يتم منحه لكل قنوات العالم ونشرات الأخبار، ما زاد من إشعاع الدوري، إذ استخدمت إحدى القنوات هذا المنتوج الإعلامي، مائة مرة خلال شهر واحد.
وقال القاضي، إنه "خلال الست أشهر الحالية، وصلنا إلى 48 قناة ومنصة، لكن بثها يصل إلى 170 دولة، هناك قناة يصل عدد متابعيها إلى 360 مليون مشاهد"، مضيفا "حاليا يجري نقل مبارتين في الأسبوع، وفي الموسم المقبل سيزيد العدد، والموسم الذي يليه سيزيد أيضا إلى أن نصل إلى أن يجري نقل كامل الدوري".
هذا، وتعتمد الرابطة أيضا على انطلاق البث قبل بداية المباريات بعشر دقائق، يتضمن مقطع فيديو مدته 30 ثانية، يحمل لقطات عن السعودية؛ مثل بحر جدة، جبال طويق ومزارع النخيل في الأحساء.
وختم رامي حديثه بالقول "إن يصبح الدوري السعودي من أفضل 10 دوريات في العالم، لن يتطلب مدة زمنية طويلة، وسيكون ذلك قريبا. سنجد كثيرا من الأشخاص يعيشون في السعودية لتغطية الدوري السعودي لصالح قنواتهم من مختلف دول العالم".
كل هذه الاستثمارات هل تصب في الرياضة أم في تلميع صورة ولي العهد السعودي؟
ومع كل هذه الاستثمارات التي قدرت بـ 20 مليار دولار على مدى سنوات قليلة، للرقي بالدوري السعودي إلى مصاف أفضل عشر دوريات في العالم، من خلال جلب النجوم وتسويق صورة المملكة السعودية عبر قنوات العالم، وكذا، مع استحواذ صندوق الاستثمار السعودي على نادي نيوكاسل الانجليزي، بدأت تطرح العديد من الأسئلة التي تتحدث عن "الغسيل الرياضي" الذي تقوم به السعودية من أجل تلميع صورتها لدى الرأي العالمي، أو تحديدا من أجل تلميع صورة ولي العهد السعودي الذي يجر خلفه "دم الصحافي جمال خاشقجي" الذي اغتيل في القنصلية السعودية باسطنبول بأوامر قيل إنها كانت مباشرة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وبدأت الانتقادات تطال السعودية بداعي أنه "تُلطخ" الرياضة وتوظفها لأغراض سياسية بعيدا عن أهدافه النبيلة، خصوصا أن السعودية استثمرت بشراهة في دوري ليس له حاضنة ليبيع نفسه، والبيئة الرياضة في دول الشرق اللأوسط بكل ما لديها من امكانيات مادية لكنها تبقى بيئة غير غنية بثقافتها الرياضية التي تسمح بالاستثمار الرياضي والتحصيل على عوائد مالية على المدى المتوسط والبعيد كما هو الحال في أوروبا.
هذا، وخرجت العديد من الأقلام الصحفية في الغرب التي تتحدث على أن الغرض من كل هذه الاستثمارات لجلب النجوم العالميين أو شراء أسهم في أندية أوروبية، من خلال صندوق الاستثمار السعودي المسنود بمليارات الدولات من النفط، (الغرض) هو تلميع صورة ولي العهد المُقبل على حُكم أغنى دولة بترولية في العالم، غير أن العديد من هذه الأقلام التي كتبت العديد من التقارير المطولة في مختلف وسائل الإعلام الدولية أشارات إلى أن الهوس بالرياضة لتلميع صورة ولي العهد قد تكون فعّالة على المدى القصير، لكنها مدمرة على المدى المتوسط والطويل.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :