ميناء طنجة المتوسط.. عملاق التجارة والصناعة واللوجيستيك الذي بسط سيطرة المغرب على أوروبا وإفريقيا
عندما افتتح ولي العهد الأمير الحسن، أواخر يونيو 2019، ميناء طنجة المتوسطي الثاني، لم يكن فقط يعلن تحويل هذه المنشأة إلى أكبر وأهم ميناء بمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وقارة إفريقيا، وإنما أيضا كان يؤكد أن قرار والده الملك محمد السادس، تدشين ميناء جديد في أقصى شمال المملكة، نجح بالفعل في تغيير وجه المغرب اقتصاديا، وحوله إلى بوابة حقيقية للمبادلات التجارية ومركزا جذابا للاستثمارات في مجال الصناعة والخدمات واللوجيستيك.
إنه بحق أبرز مشاريع عهد الملك محمد السادس، فالأمر يتعلق بمركب ظل يتوسع تدريجيا منذ إعلانه في خطاب العرش لسنة 2002، ليصبح فضاء عملاقا متكاملا، متخصصًا في التجارة واللوجستيك والصناعة والخدمات، يبسط سطوته من الضفة المتوسطية للمملكة على المدخل الرئيس لحوض البحر الأبيض المتوسط، يُعلن انتهاء عهد الصدارة الإسباني وبداية سيادة المغرب على الطرق التجارية البحرية المارة من مركز العالم، مع قدرات تنافسية تشي بأن ما تحقق إلى حدود الآن ليس سوى البداية.
مشروع استراتيجي متكامل
ووفق الأرقام الرسمية المُعلن فإن هذا الميناء بإمكانه استقبال حوالي 7 ملايين مسافر ومليوني سيارة و700 ألف شاحنة للنقل الدولي الطرقي سنويا على ثمانية أرصفة، كما يوفر، على المدى الطويل إمكانيات مواكبة تطور حركة المسافرين والشاحنات مع السعي إلى ضمان أفضل شروط سيولة الحركة والراحة والسلامة، أما على مستوى التجهيزات، فيتوفر ميناء الركاب على 35 هكتارا من الأرض المسطحة، كما يقوم على العديد من فضاءات الارتكاز الواقعة قرب الميناء مباشرة.
وتشمل فضاءات ميناء الركاب على منطقة الولوج والتفتيش الحدودي للشاحنات في البوابة رقم 1، تمتد على مساحة 8 هكتارات، ومنطقة الولوج والتفتيش الحدودي للركاب في البوابة رقم 2، الممتدة على 6 هكتارات، ثم منطقة لولوج وضبط السيارات الخفيفة في البوابة رقم 3 الممتدة على مساحة 8 هكتارات، وتسمح بضبط حركة المرور خلال فترات الذروة وتحتوي على شبابيك لشركات الملاحة، ولمؤسسة محمد الخامس للتضامن وغيرها، أما منطقة ضبط حركة وسائل النقل البري الدولي فتمتد على مساحة ثلاثة هكتارات، وتقع في المنطقة الحرة اللوجيستيكية، بالإضافة إلى منطقة للضبط بالقصر الصغير.
ولا يكتمل الحديث عن فعالية الميناء المتوسطي، التي جعلته يتقدم بشكل مستمر في معايير الكفاءة الدولية، دون التطرق إلى نهج الرقمنة المتبع داخل هذا المركب منذ افتتاحه، حيث أدرجت السلطات المينائية هذا الأمر ضمن المحاور الاستراتيجية الرئيسية لعمليات التطوير، لذلك أصبح يحظى بنظام مينائي خاص به يحمل اسم PCS المتوافِق مع المعايير الدولية.
وجرى تصميم الخدمات الرقمية لأجهزة الكمبيوتر الخاصة بالمركب المينائي لتلبية احتياجات المشغلين البحريين العاملين في مجال تدفقات عمليات إعادة الشحن، وكذا الفاعلين الاقتصاديين الوطنيين في مجال الاستيراد والتصدير، بما يشمل إدارة المكالمات البحرية وتنظيم وترتيب حركة السفن وعمليات الحجز، بالإضافة إلى ضبط بيانات وحدات العمليات التجارية سواء فيما يتعلق بوصول البضائع أو مغادرتها، ويمتد أيضا ليشمل عمليات الفوترة والأداء متعدد القنوات وتتبع مسارات وحدات الشحن، والإعلانات الموجزة والرموز والأرقام المرجعية الخاصة بوصول البضائع إلى دول الاتحاد الأوروبي وغيرها.
ووفق حسن عبرقري، المدير العام للسلطة المينائية طنجة المتوسط، يمثل المركب المينائي طنجة المتوسط حاليا ما يقارب نصف تجارة المملكة مع بقية دول العالم من حيث الحجم والقيمة، وقد أتاح تحقيق إعادة التوازن الترابي في شمال المغرب من خلال إنشاء قطب صناعي واجتماعي جديد خلال أقل من 20 عاما من عمره، مع توفيره أكثر من 100 ألف فرصة عمل والوصول إلى أكثر من 20 مليار يورو من حيث القيمة، وخصوصا في مجال التصدير سنة 2022.
ويضيف عبقري أن المركب المينائي والصناعي يتكامل مع البنى التحتية للربط الطرقي والسكك الحديدية، والاستمرار في تطويره سمح برؤية النمو الكبير الذي عرفته منطقة طنجة وتطوان مقارنة بالمناطق الأخرى في المملكة، وهذا المفهوم يرتكز أساسا على تعزيز القدرة التنافسية للمغرب عبر عرض لوجيستي من الطراز الأول، مكَّن بثبات من جذب اللاعبين الرئيسيين في مجالات متعددة، أبرزها صناعة السيارات والطيران والنسيج، فضلا عن مجال الخدمات القوي، وجعل من الممكن إنشاء العديد من التجمعات التجارية التي تسمح للمملكة بالوصول إلى مراتب كانت في السابق غير متوقعة، من حيث القدرة التنافسية الصناعية.
فضاءات شاسعة للتنافسية الصناعية
والمركب الذي شرع في العمل قبل 16 عاما، يمتد على مساحة مليون متر مربع، ويضم ميناء طنجة المتوسط الأول الذي يحتوي على محطتين للحاويات ومحطة السكك الحديدية ومحطة المحروقات ومحطة السلع المتنوعة ومحطة السيارات، ثم ميناء طنجة المتوسط للركاب والشاحنات، التي يتوفر على الأرصفة المخصصة لركوب المسافرين وصعود شاحنات النقل الدولي ونقاط التنظيم ومحطة الركاب، إلى جانب ميناء طنجة المتوسط الثاني، الذي يحتوي على محطتين للحاويات، وكذا مركز طنجة المتوسط للأعمال.
وطنجة المتوسط ، هو أيضا منصة إقليمية للتنافسية الصناعية، حيث تمتد المناطق الصناعية التابعة له على مساحة 16 مليون متر مربع، وتُعد منصة إقليمية للتنافسية الصناعية واللوجستيات والخدمات والتجارة، وتضم هذه المنصة كلا من المنطقة الحرة طنجة، وطنجة أوطوموتيف سيتي، وتطوان بارك، وتطوان شور، ومنطقة التجارة الحرة للخدمات اللوجستية، ومنطقة "رونو - طنجة المتوسط".
وميناء طنجة المتوسط الأول، يضم محطتين للحاويات هما TC1 وTC2، ومحطة للسكك الحديدية، ومحطة للهيدروكربونيات، ومحطة للبضائع المختلفة ومحطة للسيارات، أما ميناء طنجة المتوسط الثاني فيضم محطتين للحاويات أيضا وهما TC3 وTC4، في حين أن ميناء طنجة المتوسط للرُكاب يضم مناطق الدخول ونقاطا للتفتيش الحدودي، وأرصفة صعود الركاب وصعود شاحنات النقل الدولي ومناطق الإجراءات، بالإضافة إلى المرفأ البحري.
ومن الأمور المهمة والنوعية في هذا المركب المينائي، المنطقة الحرة اللوجيستية Medhub، وهي الشركة التي تدير المنطقة الحرة اللوجستية لميناء طنجة المتوسط، بالإضافة إلى مركز الأعمال طنجة المتوسط المُخصص لاستقبال الشركات وتحديد أماكن الأنشطة الضمنية اللازمة لإدارة المركب المينائي.
ويقول حسن عبقري إن المنطقة اللوجستية المرجعية الوطنية، التابعة للمركب المينائي طنجة المتوسط، شهدت إقبالا قويا من طرف كبار العاملين في مجال اللوجستيك في العالم خلال السنوات القليلة الماضية، وضمن هؤلاء الفاعلين نجد DHL- CEVA Logistics- Nippon Express- GEFCO- Dachser- Emirates- DECAHTLON- DB SHENKER- Adidas الذين استقروا جميعا في طنجة المتوسط من أجل تشغيل مركز التوزيع الخاص بهم نحو قارات إفريقيا وأوروبا وأمريكا، مضيفا أنه تم تطوير المنطقة وفقا للمعايير الدولية على مساحة 200 هكتار، وتُقدم عرضا عقاريا بما في ذلك المستودعات الجاهزة للاستخدام المخصصة للخدمات اللوجستية والمتاجر المتطورة.
مركب عملاق مرتبط بـ 180 ميناءً
ويوفر ميناء طنجة المتوسط، من خلال العديد من المُجهزين البحريين، ربطا دوليا يغطي ما يقارب 180 ميناءً و70 دولة في 5 قارات، حسب المعلومات التي توصلت بها "الصحيفة" من إدارته، وعلى سبيل المثال، يقع ميناء طنجة المتوسط على بعد 10 أيام من الولايات المتحدة الأمريكية و20 يوما من الصين، وبذلك يعد محور القارة الإفريقية، ويخدم ما يقرُب 35 ميناءً و21 دولة في منطقة غرب إفريقيا عن طريق الرحلات الأسبوعية.
ولا يمكن التطرق إلى هذا المركب المينائي العملاق دون الحديث عن دوره اللوجيستي المحوري وطنيا وإقليميا وقاريا، فحسب الإدارة المينائية، يتعلق الأمر بمنصة لوجستية وصناعية متكاملة، مُتصلة بشبكة نقل متعددة الوسائط، وتحديدا خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة، من أجل نقل البضائع والركاب إلى كافة المناطق الاقتصادية بالمملكة.
ويتم تشغيل المحطات وجميع أنشطة الميناء بموجب عقود الامتياز يتم إبرامها مع شركات معروفة على المستوى العالمي، وهو التوجه الذي بدا واضحا منذ افتتاح الرصيف الأول سنة 2007 وصولا للرصيف الرابع الذي دُشن سنة 2019، ويضم ميناء طنجة المتوسط أكبر الترسانات العالمية لتجهيز السفن، ويتعلق الأمر بـ Maersk وCMA CGM وMSC، إلى جانب شركات رائدة في مجال الموانئ مثل APM TERMINALS وEUROGATE.
أرصفة الحاويات.. كاسحة تجارية
وبخصوص محطات الحاويات الأربع للميناء، فأولاها تتولى تشغلها APM Terminals وكلفت مبلغ استثمار بقيمة 150 مليون أورو، ويصل حجم الرواج فيها إلى 1,6 مليون حاوية، وهي الأقدم بالميناء حيث انطلقت تشغيلها في يوليوز من سنة 2007، ثم تلتها المحطة الثانية التي تُشغلها Eurogate و CMA-CGM والتي كلفت بدورها استثمارا بقيمة 150 مليون يورو، ويصل حجم رواجها إلى 1,4 مليون حاوية.
أما محطة الحاويات الثالثة، والتي بدأت عملها في يناير سنة 2021، فكلفت 240 مليون أورو، ويبلغ حجم الرواج فيها مليون حاوية، وتتكفل شركة Tanger Alliance بتشغيلها، أما المحطة المحطة الأكبر على الإطلاق فهي الرابعة، والتي وصل مبلغ الاستثمار فيها إلى 758 مليون أورو، ويصل طول رصيفها إلى 2000 متر، مقابل 800 متر للأرصفة الأخرى، بينما يصل حجم الرواج فيها إلى 5 ملايين حاوية، وتُشغلها APM Terminals.
وإذا ذُكر المركب المينائي طنجة المتوسط، لا بد من الحديث عن العديد من الأنشطة الاقتصادية الأخرى التي يحتضنها، وفي مقدمتها صناعة السيارات، حيث يتوفر على محطة للعربات بطاقة استيعابية تبلغ مليون سيارة، وطبعا يظل العميل الرئيسي لهذه المحطة هي شركة "رونو" من منطقة ملوسة، وشركة "سطيلانتيس" من القنيطرة، المرتبطة بطنجة بواسطة خط للسكك الحديدية تربط بين المصانع والميناء، وتمتد هذه المحطة على مساحة 20 هكتارا من بينها 7 هكتارات للاستخدام المشترك، وهي مخصّصة لاستيراد وتصدير السيارات وشحنها.
وفي المركب نفسه توجد محطة للمحروقات بطاقة استيعابية تصل إلى 15 مليون طن يمكن استخدامها لعمليات الاستيراد والتصدير، وتمتد على مساحة 12 هكتارا، وهي مخصصة لتخزين الوقود وتزويد السفن بالوقود وشحن المنتجات المكررة وتصديرها، أما ترخيص استغلال المكان فقد ظفر به اتحاد الشركات المكون من شركة "شركو هورايزون" للمحطات المحدودة HTL والمجموعة البترولية المستقلة IPG وشركة أفريقيا.
ثم توجد أيضا محطة السلع المتنوعة، التي تمتد على مساحة 5 هكتارات، وهي مخصصة لأنشطة الاستيراد والتصدير للشركات الصناعية الموجودة في المنطقة، بقدرات عالية على إعادة التصدير والمعالجة تصل إلى 800 ألف طن من البضائع المتنوعة، وإلى جانبها توجد المنطقة الحرة اللوجستية، التي توفر عروضا عقارية تضم مستودعات مجهزة وأراضي، بالإضافة إلى محطات للشحن البري والبحري في تجاه إفريقيا وأوروبا والصين والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى عروض متكاملة للخدمات من طرف فاعلين لوجستيين دوليين.
وطبعا لا يمكن أن يؤدي المركب المينائي دوره الاقتصادي على أكمل وجه دون أن يرتبط بالبنى التحتية الأساسية الأخرى، وعلى هذا الأساس يتوفر على محطة للسكك الحديدية تمتد على مساحة 10 هكتارات وتحتوي على 3 مسالك يبلغ طولها 800 متر، في حين تبلغ قدراتها السنوية 400 ألف وحدة مكافئة لعشرين قدمًا، تربط هذه الشبكة بين المدن الرئيسية للمغرب.
في الكفاءة.. الرابع عالميا والأول متوسطيا وإفريقيا
ولم يعد طموح ميناء طنجة المتوسط في المنافسة على صدارة موانئ العالم خافيا على أحد، الأمر الذي لا تؤكده الأرقام الرسمية المغربية فقط، بل أيضا التقارير الدولية، وأحدها هو مؤشر أداء موانئ الحاويات العالمي، الخاص بسنة 2022، والصادر في ماي من سنة 2023، حيث احتل المركب المينائي المغربي الرتبة الرابعة عالميا من بين أكثر الموانئ كفاءة من أصل 370 ميناءً، متفوقا بالأساس على منافسه المباشر في المدخل الغربي لحوض البحر الأبيض المتوسط، ميناء الجزيرة الخضراء.
الترتيب الصادر عن البنك الدولي ومؤسسة "ستاندرد آند بورز S&P" المتخصصة في المجال المالي والموجود مقرها في نيويورك، وضعت ميناء طنجة المتوسط في الرتبة الرابعة عالميا، بعدما كان يحتل الرتبة السادسة قبل عام واحد فقط، بعد كل من ميناء يانغشان الصيني وميناء صلالة في سلطة عمان وميناء خليفة بالإمارات العربية المتحدة، متخطيا موانئ كانت تسبقه في التصنيف السابق، ويتعلق الأمر بميناء الملك عبد الله في المملكة العربية السعودية، وميناء حمد في قطر.
وتفوق ميناء طنجة المتوسط على موانئ عريقة مثل ميناء غوانغجو الصيني ويوكوهاما الياباني وبور سعيد المصري وفيرجينيا وميامي الأمريكين، وكذا على ميناء سنغافورة الشهير، والملاحظ أيضا أنه كان الأول على مستوى إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، بل الأفضل من خارج قارة آسيا، بالإضافة إلى حسمه المنافسة المباشرة مع الموانئ الإسبانية، وخصوصا ميناء الجزيرة الخضراء الذي تراجع من الرتبة 11 إلى الرتبة 16، وميناء برشلونة التي تدحرج من المركز 22 إلى المركز 34.
ويرى عبقري أن هذه المرتبة تدفع السلطات المينائية للتحسن المستمر من خلال تعزيز قدرة البنية التحتية والانخراط المتواصل في عملية الرقمنة، من أجل ضمان التشغيل الأوتوماتيكي للعمليات المينائية لأقصى حد ممكن، سواء على المستوى البحري أو البري.
وأشار المتحدث نفسه إلى أن تصنيف البنك الدولي يضع ميناء طنجة المتوسط أيضا في الرتبة الأولى في منطقة أوروبا وإفريقيا من حيث الكفاءة التشغيلية، وهي نتيجة ترجع للنهج التشاركي والتعاون بين جميع المتدخلين، سواء تعلق الأمر بمشغلي الأرصفة وخطوط الشحن أو الإدارات العامة المسؤولة عن التحكم والأمن، موردا أن إدارة المركب المينائي تتبع أسلوبا يقوم على مراعاة توقعات العملاء لتنفيذ مهامهم وتحقيق أهدافهم التجارية، بما يسمح بالتحسين المستمر لظروف التشغيل والتقليل من زمن العبور وتكاليف التشغيل.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :