على الجزائرأن تراجع حساباتها حسب ما تقتضيه المرحلة
كشف مساعد وزير الخارجية الأميركية والمكلف بملف شمال أفريقيا، جوشوا هاريس عن الرسائل المعلنة للادارة الأمريكية من خلال زيارته للجزائر والمغرب بحر الأسبوع الماضي، ويتضح من خلال فحوى الزيارة أن الادارة الأمريكية قد أصبحت تخاطب الطرف الجزائري بشكل علني و صريح عن رغبتها في ايجاد حل لقضية الصحراء المستعصية منذ أزيد من 4 عقود في أروقة الأمم المتحدة بطرح أكثر واقعية واجماعا للتنفيذ على أرض الواقع، لكن ماذا عن الرسائل الخفية وما علاقة هذا التحرك بصراع النفود في أفريقيا وأزمة الطاقة في أوروبا ؟.
بعد أن "فرطت المسبحة" من يد فرنسا في منطقة الساحل الإفريقي وتزايدت المخاوف من حقيقة وجود تمدد روسي صيني ايراني في المنطقة يهدد فعليا مصادر الطاقة فيها، بات لزاما على الادارة الأمريكية أن تتفاعل بشكل مباشر مع قضايا القارة ادراكا منها أن الفراغ الواقع سيضاعف المزيد من المكتسبات لصالح منافسيها، لهذا فان الالقاء بثقلها في مسألة الخلاف بين الجزائر والمغرب وجعله في صلب اهتماماتها أصبح ضرورة تفرضها تعقيدات المرحلة لمواجهة هذا التمدد، اذ يكتسي موقعهما الجغرافي طابعا استراتيجيا يمكن تشبيهه بالجسر الرابط بين أفريقيا وأوروبا وطريقا للطاقة التي تحولت لورقة ضغط سياسية تستعملها روسيا لاجبار الأوروبيين على تقبل الأمر الواقع في أوكرانيا.
تحركت الجزائر علنا نحو المعسكر الشرقي من خلال زيارات رسمية قادها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى كل من موسكو وبكين في عز الصراع القائم مع المعسكر الغربي، ولكن هذا التوجه الذي لم يشفع لها في الظفر بمقعد في بريكس، قد وضع شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية في مجال مكافحة الارهاب بالقارة السمراء على المحك وأمام اختبار أمريكي يتبث صدق النوايا الجزائرية من هذا التقارب، ولهذا كتفت واشنطن سلسلة اتصالاتها بالمسؤولين الجزائريين مطالبة بموقف رسمي يشرح طبيعة وحدود هذا التحرك نحو الشرق ويؤكد استمرار انخراط الجزائر في مسعى محاربة كل أشكال الارهاب بما فيها ميليشيات فاغنر والمحاولات الايرانية لايجاد موطأ قدم في منطقة الساحل الافريقي.
أيضا يمكن قراءة التحرك الأمريكي الأخير نحو الجزائر والمغرب على أنه يأتي في خضم مرحلة صراع نفوذ في أفريقيا على أنه خطوة تأتي بالموازات مع وجود مد روسي صيني متصاعد نحو مصادر الطاقة في القارة، يهدف هذا التحرك بالدرجة الأولى إلى تهيئة الظروف المناسبة لإعادة ادراج الجزائر والمغرب في قلب معادلة الطاقة اعتبارا من أن الأولى تحوز على الغاز والثانية توفر مسارا له الى أوروبا، ومن وجهة نظر الادارة الأمريكية فان تجميد الجزائر لعمل أحد خطوط الامدادات الى أوروبا قد اضحى أمرا يتعدى الخلاف مع المغرب كونه يخدم مصالح الروس وورقتهم السياسية في الضغط على أوروبا.
الادارة الأمريكية التي حسمت اليوم بشكل واضح موقفها من قضية الصحراء من خلال زيارة هاريس الأخيرة إلى الأطراف الفاعلة فيها لتنهي حالة الضبابية التي ميزت مرحلة مابعد اعتراف ترامب، لا ترى في الخلاف القائم بين الجزائر والمغرب مبررا لاستمرار تعطيل تدفق الطاقة من أفريقيا إلى أوروبا وهي تضع الجزائر الآن أمام خيارين لا ثالث لهما فاما أن تساهم في حل جزء من مشكلة الطاقة في أوروبا عبر ايجاد صيغة لاعادة تدفق غازها عبر الانبوب المار عبر المغرب لاعتبارات اقتصادية تفرضها أزمة الطاقة في أوروبا أو أن ترفض الوساطة الأمريكية لحل الخلاف مع المغرب وهو ما يعني أنها تختار أن تكون جزءا من المشكلة وتنخرط بشكل أو بآخر في اللعبة الروسية وهنا تجد الجزائر نفسها في "خانة اليك" بعد أن أن أصبحت خيارات المناورة محدودة.
أعاد الانقلاب في النيجر مشروع نقل غاز نيجريا عبر الجزائر الى نقطة الصفر بعد وصول انقلابيين يبدون استعدادا واضحا للعزف على أوتار الكريملين، وبدل أن تراعي موسكو مصالح الجزائر من هذا المشروع، ستختار أن توظف ورقة هذا الانقلاب لزيادة الضغط على القارة العجوز في مسألة الطاقة، في نفس الوقت ومع دخول موريتانيا والسنغال في قلب معادلة الطاقة باحتياطات ضخمة وواعدة و بعد أن أصبح حقل غاز السلحفات احميم قاب قوسين أو أدنى من الدخول في مرحلة الانتاج، سيستدعي هذا من الادارة الأمريكية أن تعمل على توفير الأجواء المناسبة وأن تفتح الطريق لولوج الأسواق الاوروبية ويحتاج هذا طبعا اشراك المغرب في طريق الغاز الجديد و كونه في الأساس يعمل على مشروع طويل المدى يهدف إلى ربط نيجيريا بأوروبا والذي يرهن حظوظ روسيا في التأثير بنفوذها الجديد في النيجر.
تحتاج الجزائر اليوم لأن تعيد حساباتها بعد نكسة بريكس وفي جدوى تحالفاتها وخلافاتها، وأن تقرأ بتمعن التغيرات التي حصلت والتحديات الإقتصادية الكبيرة التي أفرزها الصراع العالمي على النفوذ في القارة الأفريقية، وبدل أن تبحث عن التموقع ضمن تكتلات لاتراعي مصالحها وجب عليها أن تفتح الباب أولا لفرص واعدة مع جيرانها تستجيب للمتغيرات التي يشهدها العالم بشكل عام والقارة السمراء بشكل خاص، فمصلحتها الحقيقية تبدأ في تقوية أطر تعزيز التعاون داخل منطقتها بعيدا عن تقوية أسباب ومسببات أدت لاستمرار خلاف جمد مشروعا افتصاديا واعدا بين دول الاتحاد المغاربي، ولم يكتف بذلك بل أنهك خزائنها المالية التي بدل أن تصوب في خدمة التنمية صوبت في خدمة الهواجس الأمنية .
على الجزائر أن تتحرك قبل أن تدركها المتغيرات وتجد نفسها معزولة ومضطرة لتقديم الكثير من أجل الحصول على القليل.
- كاتب فلسطيني