الزلزال الذي هَزّ الجميع.. إلاّ ضمير الحكومة!
بقدر ما كانت تداعيات زلزال الحوز قاسية من حيث الخسائر البشرية والمادية، بالقدر نفسه كانت مناسبة لتسليط الضوء على العديد من الأعطاب في البلاد التي يجب إصلاحها، اجتماعيا، واقتصاديا، وسياسيا.
أظهرت لنا فاجعة هذا الزلزال الكثير من الفشل في تدبير ما هو اجتماعي في مناطق "المغرب غير النافع"، حيث لم تستطع الدولة تغيير حياة آلاف المواطنين ممن تبيّن أنهم كانوا يعيشون حياة بدائية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.كان هؤلاء بمثابة الحطب السياسي للعديد من الأحزاب، وكانوا مُجرد أرقام بالنسبة للسلطة، وكانت مناطق الحوز عبارة عن تذكار لسياح يبحثون عن التقاط صور أو عيش لحظات وسط بيئة "ما قبل التاريخ".
اجتماعيا عكست صورة الزلزال واقعا مخفيا وسط جبال الأطلس، حيث الفقر والحياة البدائية، وغياب أي مظاهر للتنمية المجالية التي كان السياسيون يتحدثون عنها في قاعات الفنادق الفخمة في الرباط، وتُعقد من أجلها جلسات طويلة من التنظير وصرف الأموال الطائلة التي لم تظهر عندما سلطت كاميرات القنوات الدولية الضوء على واقع بئيس وميؤوس منه للعديد من المواطنين الذين ظلوا يحاربون بؤس العيش بين السفوح الوعرة لجبال الأطلس القاسية.
اقتصاديا، فشلت الدولة، وعلى مدى عقود في خلق نموذج تنموي لهذه المناطق، وتركت أهلها وحياتهم تسير وفق أهواء الطبيعة القاسية للجبل، ووفق تقاليد عيش وموروث ثقافي اكتسبوه مع تعاقب الأجيال، وهو ما جعل هذه المناطق المحاطة بدواوير متباعدة تصبح "قنبلة زمنية" انفجرت مع أول كارثة طبيعية، وعرّت على حقيقية فوضوية لا أحد اهتم بها أو حاول مُعالجتها طوال عقود.
سياسيا، ظهرت الحكومة، بجميع وزرائها، مثل تلميذ خائب ينتظر تلقينه دروس الدعم ليعرف ماذا يفعل، وبدا، رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، مثل محارب قديم، يصعب عليه التعامل مع الأحداث الفجائية، حيث ظل الرجل صامتا طوال الساعات التي أعقبت الزلزال، ولم تكن لديه أي ردة فعل أو تصريح ولو إنساني يعزي من خلاله الضحايا ويطمئن المتضريين، في ازدراء مُفزع للمغاربة عامة وللضحايا وأسرهم خاصة، وفي جهل فضيع لدوره الدستوري في أخذ زمام المبادرة للتعامل مع فاجعة راح ضحيتها آلاف المغاربة وتشردت مئات العائلات ودُمرت بيوت واختفت دواوير بشكل كامل من الخريطة دون أن يظهر رئيس الحكومة الذي بقي متسترا مثل رجل يصر أن يعتنق العار.
فاجعة الحوز أظهرت أن الرصيد السياسي للأحزاب المغربية انتهى، كما بيّنت أن رئيس الحكومة لا يستوعب دوره الدستوري ويتصرف مثل موظف مستعد أن يغامر بالفشل على أن تكون له ردة فعل على مُصاب جلل أودى بحياة آلاف المغاربة، وهو جبن سياسي يصعب أن يُغتفر.
يحكي رئيس الحكومة السابق، عبد الإله ابن كيران، أن الملك محمد السادس اتصل به على الساعة السادسة صباحا، شهر يناير سنة 2015 ليخبره بأنه "لم يقم بالواجب"، بعد تصاعد احتجاجات المواطنين في مدينة طنجة جراء ارتفاع فواتير الماء والكهرباء لشركة "أمانديس" المفوض لها تدبير قطاع الماء والكهرباء والتطهير بالمدينة، حيث أكد ابن كيران وهو يروي القصة داخل قبة البرلمان أن الملك "عاتبه على عدم الأخذ بزمام المبادرة في أمور تهم المواطنين"، وهو ما جعله - حينها - يتوجه، فورا، رفقة وزير الداخلية إلى مدينة طنجة حيث قام بمراجعة حوالي 30 ألف فاتورة، وطمأن المواطنين بمعالجة المشاكل المطروحة.
قصّة ابن كيران التي رواها أمام البرلمانيين وتم نقلها للمغاربة مباشرة على التلفزيون العمومي خلال الجلسة الشهرية لرئيس الحكومة أمام البرلمان، تلخص إلى حد بعيد أن الملك محمد السادس يدفع دفعا رئيس حكومته إلى لعب دوره الدستوري، ويطلب منه أخذ زمام المبادرة وفق ما يحدده له الدستور الذي صادق عليه المغاربة، دون التخفي وراء "الجبن السياسي" وانتظار ملك البلاد في الواجهة، وهو ما عبّر عنه العاهل المغربي في خطابه بمناسبة الذكرى الـ 18 لاعتلائه عرش البلاد، حينما أكد: "وأمام هذا الوضع، فمن حق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات وإجراء الانتخابات وتعيين الحكومة والوزراء والولاة والعمال والسفراء والقناصلة، إذا كانوا هم في واد والشعب وهمومه في واد آخر؟".
وأضاف في الخطاب نفسه بالقول: "عندما تكون النتائج إيجابية تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون إلى الواجهة، للاستفادة سياسيا وإعلاميا من المكاسب المحققة، أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي يتم الاختباء وراء القصر الملكي وإرجاع كل الأمور إليه". انتهى كلام الملك.
وعليه، إذا كان الملك محمد السادس يدعو المسؤولين إلى تحمل مسؤولياتهم الدستورية دون التخفي وراءه، فمن حق المغاربة أن يتساءلوا: لما اختفى رئيس الحكومة بعد أن وصلت أولى المعطيات عن فاجعة الحوز وبقي متداريا ينتظر عاهل البلاد إلى أن يعود من فرنسا ويعقد جلسة عمل خاصة للتعامل مع تداعيات الفاجعة؟ لماذا لم يخرج رئيس الحكومة ليطمئن المغاربة أو أن يعزيهم أو يتحدث عن الإجراءات الأولية التي اتخذتها الحكومة وفق صلاحياته الدستورية؟ لما بقي أخنوش متواريا عن الأنظار وهو الذي صعد إلى ساكنة الحوز أثناء الحملة الانتخابية ليطلب أصواتهم بوعود وبرامج حزبه التي لم تظهر قبل الفاجعة ولا بعدها؟.
الحقيقية مرَّة، والأسئلة حارقة، لكنها تعكس حد الملل أن الرصيد السياسي لرئيس الحكومة، انتهى!