قراءة في مذكرة اقتراحات جماعة العدل والإحسان لتعديل مدونة الأسرة(2/4)
تدبير الأموال المكتسبة:
إن الإطار الإيديولوجي التي يحكم موقف الجماعة ومقترحاتها لتعديل المدونة هو اعتماد مفهوم "القوامة" كقطب رحى الأسرة، بحيث لا تقوم لها قائمة ولا يستقر لها قرار بدونه كما هو بيّن من الحيثية التي استندت إليها وثيقة المقترحات كالتالي: "إن قوام الأسـرة يُؤَسّس فـي جانب مـن جوانبـه علـى المـال، لذا كان لزاما تحديـد المسـؤولية الماليـة ودرجاتهـا تدعيمـا لعوامـل الاسـتقرار الأسـري، فكلمـا كانـت المسـؤوليات محـددة ومعالمهـا واضحـة كان ذلـك أدعـى لعـدم النـزاع والشـقاق. والقـرآن الكريـم يشـير بوضـوح تـام إلـى أن المسـؤولية الماليـة للأسـرة يتحملها الرجـل". فالجماعة ظلت وفية لتصورها التقليدي للمرأة وللوضعية التي حددها الموروث الفقهي القديم، كالتالي: "والمتتبـع لتشـريع الإسـلام فـي هـذا الجانـب يـرى أن المـرأة تحظـى بتكريم فريد وعناية خاصة وفـق مفهـوم شـامل، فنفقـة المـرأة تكـون علـى الرجـل فـي مراحـل العمـر كافـة؛ وهـي بنـت فنفقتهـا علـى والـدها، وهـي زوجـة تكون نفقتهـا علـى الـزوج، وهـي أم فنفقتهـا علـى الابـن". لهذا، وكما سنرى لاحقا، أن الجماعة لم تعتبر الإرث بالتعصيب أكلا لأموال الناس بالباطل وظلما للمرأة. وما يمكن تسجيله هنا هو تناقض الجماعة مع نفسها؛ فهي تشدد على مركزية مفهوم "القوامة" وتحمِّل الذكور (الأب والزوج والابن) مسؤولية النفقة على المرأة، وفي الوقت ذاته تعترف بوجود بالإشكال التالي: "عدم الأخذ بعين الاعتبار التحولات الاجتماعية التي يشهدها المغرب، حيث إن عددا من النساء أصبحن يتقاسمن الأعباء المادية للأسرة، بل إن عددا معتبرا من العائلات المغربية أصبحت تعيلها نساء بشكل كلي".
أكيد أن الجماعة لم تنفتح على حركية المجتمع ولم تعترف للمرأة بمساهمتها وتحملها، إما كلية أو مشترِكة، نفقات الأسرة، سواء كزوجة أو بنت تعيل والديها وإخوتها كما هو حال العاملات في الحقول والنسيج ومعامل السيارات (الكابلاج) وهن بعشرات الآلاف، وعاملات المنازل وغيرهن. وتنكّر الجماعة لمجهود المرأة ومساهمتها يمكن تسجيله في جانبين: جانب متعلق بالممتلكات الزوجية، ويخص هنا الزوجات، وجانب يتعلق بممتلكات الأسرة ويخص البنات اللائي يُعِلن الآباء والإخوة.
من هنا نفهم لماذا لم تتطرق وثيقة الجماعة إلى العمل المنزلي كجهد يسهم في تحصيل الممتلكات الزوجية. ذلك أن الجماعة ركزت فقط على الدخل المادي الذي تساهم به الزوجة في نفقات الأسرة وكيفية اقتسام الممتلكات الزوجية حين الطلاق. علما أن العمل المنزلي عمل منتج على مستوى الاقتصاد الأسري والاقتصاد الوطني. إذ حسب المندوبية السامية للتخطيط، فإن نسبة مساهمة العمل المنزلي في الناتج الداخلي الخام تصل إلى 34، 5٪، وأنّ نسبة النساء في العمل المنزلي عالية جدّاً إذ تصل إلى 92٪ (البحث الوطني حول استعمال الوقت، منشورات المندوبيّة السامية للتخطيط، الرباط، 2014).
فالجماعة تعترف بوجود عوامل تحول دون كتابة عقد مواز لعقد الزواج يتضمن كيفية اقتسام الممتلكات الزوجية، أهمها كما جاء في الوثيقة:
ـ "غلبة الحياء وأخلاق المكارمة لدى الزوجين عند إبرام عقد الزواج يحول دون الخوض في الأمور المادية، وهو ما يعقد مسألة الإثبات".
ـ "وقوع حرج للعدول في ذكر مقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة عند إبرام العقد؛ لأن الظرف يكون غير مناسب".
لكن الجماعة، وعلى خلاف مطالب الهيئات النسائية بضرورة تضمين عقد الزواج فقرة تتعلق بكيفية اقتسام الممتلكات الزوجية، لم تتقدم باقتراح مماثل؛ وإنما اكتفت باقتراحات عمومية منها:
= "الإبقاء على مقتضيات المادة 49، مع مزيد توضيح للقوانين المنظمة لها، وطبيعة تدبير الأموال المكتسبة أثناء الزواج، وكيفية توزيعها إن حصل طلاق".
= "إشعار العدول الطرفين عند تقديم وثائق عقد الزواج بحقهما في الاتفاق على كيفية استثمار وتوزيع الأموال المكتسبة خلال الحياة الزوجية في وثيقة مستقلة".
لقد رمت الجماعة بالكرة إلى لجنة تعديل المدونة لتحدد كيفية اقتسام الممتلكات الزوجية دون تقديم مقترح عملي. أما المقترح الثاني فلا يغير من الأمر شيئا لأنه يكتفي بإشعار العدول للزوجين بأن المدونة تسمح لهما بتحديد كيفية اقتسام الممتلكات في عقد مستقل، وهذا ما يقوم به العدول حاليا دون جدوى.
لا غرو أن الجماعة أثبتت أنها جد متخلفة عن فقهاء سوس الذين أفتوا بحق "الكد والسعاية" حتى يضمنوا للزوجة نصيبها فيما تراكم من ممتلكات خلال فترة الزواج؛ كما لم تأخذ باجتهاد عمر بن الخطاب في قضية عامر ابن الحارث وزوجته حبيبة بنت زريق التي حكم لها بنصف الممتلكات التي تركها زوجها بعد وفاته باعتبارها شريكة له، إضافة إلى الربع كوارثة بالفرض لأنه لم يكن له أولاد. بينما اكتفت الجماعة بالبحث عن أوجه الاختلاف بين المادة 49 من المدونة وبين حق الكد والسعاية حتى تعفي نفسها من الأخذ بفتوى ابن عرضون وفقهاء سوس. وحددت الجماعة أوجه الاختلاف في:
1-" مؤسسة الكد والسعاية تهم جميع أفراد الأسرة وليس تعلقهما بالزوجين فقط، على خلاف ما تضمنته مدونة الأسرة التي حددت الزوجين فقط.
2- مؤسسة الكد والسعاية تقوم على أساس العرف المحلي وليس على إرادة الأطراف، عكس ما تنص عليه المادة 49 من مدونة الأسرة التي تفسح المجال كاملا لإعمال مبدإ سلطان الإرادة.
3- الكد والسعاية لا يمنع المرأة من ممارسة أي عمل من أعمال البيت".
الحضانة.
رغم أن مذكرة الجماعة اقترحت "حذف المادة 175 من مدونة الأسرة التي تنص على إسقاط حضانة الأم في حال زواجها"، إلا أنها لم تقترح مراعاة مبدأ المساواة بين الطليقين حين الزواج، ذلك أن المدونة تسقط الحضانة عن الطليقة حين الزواج بينما لا تسقطها عن الطليق إذا تزوج. طبعا الجماعة لا يمكن أن تقترح اعتماد مبدأ المساواة لأنها لا تؤمن به. إذ السليم والمنطقي هو أن تقترح الجماعة عدم إسقاط الحضانة على الأم الحاضنة في حالة زواجها وليس "تخويل القضاء سلطة تقديرية في إسناد الحضانة لأي من الطرفين حالة الزواج مع اعتبار المصلحة الفضلى للمحضون كمحدد أساسي". فالواقع الاجتماعي يثبت أن رعاية الأم الحاضنة لأطفالها تظل قائمة حتى عند زواجها بخلاف الحاضن إذا تزوج حيث يعاني الأطفال، في معظم الحالات، من الإهمال والعنف.
النيابة الشرعية.
إن المثير في مقترحات الجماعة هو اقتراحها "تعديل الفصل 85 من قانون الالتزامات والعقود بالنص على تحميل الحاضنة المسؤولية عن الأضرار التي يلحقها المحضون بالغير عند جمعها بين الحضانة والنيابة الشرعية بحكم قضائي بعد انفصام العلاقة الزوجية تطبيقا لقاعدة الغنم بالغرم". وقد تعاملت الجماعة مع الحضانة كـ "غُنم" يستلزم "الغُرم" وهو تحمل الحاضنة المسؤولية القانونية عن كل الأفعال التي تصدر عن المحضون وإسقاطها عن الأب. هذا ما يشغل الجماعة واقترحته من باب تخويف الحاضنات حتى لا يطالبن بالنيابة الشرعية عن المحضونين. بينما المشكل الحقيقي هو الابتزاز الذي يمارسه الولي الشرعي الذي يرفض الاستجابة لمطالب الحاضنة التي تهم المحضون. والمحاكم المغربية مليئة بالقضايا التي رفعتها الحاضنات ضد الأولياء الشرعيين؛ الأمر الذي يضر مباشرة بالمصلحة الفضلى للمحضون. وكان على الجماعة أن تقترح مباشرة ربط الحضانة بالنيابة الشرعية بحيث من تؤول إليه الحضانة من الطليقين يكون بالضرورة نائبا شرعيا.