إسبانيا تُقحم المغرب في "ثورة الفلاحين" الأروربية بسبب ارتفاع صادراته إلى فرنسا.. وتتهم باريس بإخفاء معاملاتها التجارية مع الرباط
يواصل المزارعون الفرنسيون، شلّ الطرق الاستراتيجية المؤدية إلى العاصمة باريس ومناطق أخرى في البلاد، فيما أعلن مزارعون اسبان انضمامهم إلى ما بات يعرف إعلاميا بـ "ثورة الفلاحين الأوروبيين" المنددة بارتفاع تكاليف الإنتاج والمعايير البيئية والوقود والمنافسة غير العادلة، خاصة بعد ازدياد دعم المحاصيل الأوكرانية، مع إقحام المغرب في هذا الملف باعتباره المورد الأول للسوق الفرنسية.
وأصدر الاتحاد الإسباني لجمعيات مصدري الفواكه والخضروات (FEPEX) بيانًا شديد اللهجة، ضد زملائهم في فرنسا بعدما كانوا قد تهجموا في وقت سابق على المنتجات الفلاحية بما فيها الفاكهة والخضراوات القادمة من إسبانيا، متسببين في منع حرية حركة الشاحنات وتدمير البضائع، الأمر الذي وصفه الاتحاد النقابي بـ"غير المقبول وغير المبررة".
وتعد واحدة من الشكاوى الرئيسية للقطاع الزراعي في فرنسا هي اللوائح الأوروبية، التي يزعمون أنها تلزمهم بالامتثال للمتطلبات المتعلقة بالاستدامة ومراقبة الصحة النباتية وبالتالي يفقدون القدرة التنافسية فيما يتعلق بالواردات من الاتحاد الأوروبي، والتي لا تستوفي هذه المتطلبات والمعايير المفروضة.
وترى الفيدرالية الإسبانية لجمعيات منتجي ومصدري الفواكه والخضراوات، أنه لا وجود لمبرر على مسألة قطع حرية حركة تنقل الشاحنات وتدمير البضائع، في وقت أن باريس نفسها تعتمد على إنتاج بلدان ثالثة على غرار المغرب، حيث تعد فرنسا نقطة دخول الفواكه والخضروات المغربية، بنسبة 50٪ من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي في عام 2022.
وشددت على أنه، من غير المقبول أن يستمر المزارعون الفرنسيون في إلقاء اللوم على الإنتاج الإسباني والإضرار به، مع المطالبة بمراعاة نفس القواعد والمعايير المجتمعية، في حين أن فرنسا هي أكبر مستورد للفواكه والخضروات من المغرب.
وفي سنة 2022 لوحدها، بلغت واردات باريس من الفواكه والخضروات المغربية 1,540,851 طن، منها 776,839 طنا، أي 50%، من مجموع صادرات الرباط إلى الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تعد فرنسا أيضًا ثاني دولة عضو تستورد أكبر كمية من الدول غير الأوروبية.
وعلى الرغم من قرار الحكومة المغربية، القاضي بتقليص صادرات المملكة من الخضر والفواكه إلا أن جميع المؤشرات والأرقام المعنية تفيد بتفوق صادرات المغرب خلال الأعوام الأخيرة على صادرات إسبانيا وفرنسا في الاتحاد الأوروبي، حيث تجاوزت صادرات المغرب من الخضر والفواكه الصادرات الفرنسية إلى إسبانيا وأيضا ألمانيا، وبريطانيا، الأمر الذي أزعج المزارعين الإسبان ودفعهم أكثر من مرة إلى المطالبة برفع الضرائب على الشركات المغربية.
من جهة ثانية، أكد الإطار النقابي الإسباني على أنه يتفق مع معظم مطالب المزارعين الفرنسيين ويشدد على ضرورة " إجراء إصلاح جوهري لسياسة المجتمع الأوروبي كأولوية، خاصة في مجال الصحة النباتية، طالما لم يتم تطبيق تدابير المعاملة بالمثل التي يمكن التحقق منها في الدول الثالثة الموردة للاتحاد الأوروبي.
وترى "فيبيكس"، أن المنتجين الإسبان يعانون من نفس المشاكل التي يتكبدها المنتجون الفرنسيون، كما أنهم يتقاطعون معها في المحاور الثلاثة للمطالب التي رفعتها "FNSEA"، راعية الاحتجاجات، والمتربطة بـ "كرامة المزارعين في ممارستهم"، و"أجر عادل مقابل عملهم" و" ضرورة إعادة إرساء الشروط المقبولة لممارسة المهنة"، موضحا في هذه النقطة الثالثة أن هناك تراكما للأعراف وغياب التفكير في السيادة الغذائية وغياب القرارات المنسجمة مع الخطابات.
و دعا الإطار النقابي الإسباني، السلطات الفرنسية إلى التحرك لضمان حرية حركة البضائع وعدم المساهمة في إضعاف السوق الموحدة، خصوصا وأن إسبانيا تستورد أيضًا الفواكه والخضروات من فرنسا وتحديدًا 809.239 طنًا من البطاطس وحدها في عام 2022.
وتعيش دول أوروبية على وقع احتجاجات يومية للفلاحين منذ أشهر، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج والمعايير البيئية والوقود والمنافسة غير العادلة، خاصة بعد ازدياد دعم المحاصيل الأوكرانية، وهو ما عبروا عنه من خلال قطع الطرق الحيوية والاسترتيجية، وإلقاء النفايات الزراعية وروث الماشية ورزم القش أمام مقرات البلديات والمكاتب العامة وداخل مطاعم الوجبات السريعة والمحلات التجارية.
وفي ألمانيا، هولندا، مرورا بفرنسا وإيطاليا، بلجيكا وأخيرا إسبانيا، اتحد المزارعون للضغط على الاتحاد الأوروبي ومطالبته بإيجاد حلول فعالة لسياساته بشأن الضرائب على الديزل والحد من انبعاثات النيتروجين والحد من استخدام المبيدات الحشرية.
ويخصص الاتحاد الأوروبي 30% من ميزانيته لقطاع الزراعة، فيما تستفيد فرنسا أكثر من غيرها من المساعدات الزراعية بتلقيها حوالي 9.5 مليار يورو سنويا من مجمل الميزانية المخصصة، مقابل 6.9 مليارات يورو لإسبانيا، و 6.4 مليارات يورو لألمانيا.
وهذه المساعدة التي يقدمها الاتحاد الأوروبي، تكون مشروطة بالالتزامات البيئية، منها ترك جزء من الأرض بورا، أو تطبيق بنية تحتية زراعية إيكولوجية (مثل السياجات والبساتين والخنادق والبرك)، فضلا عن استكمال عدد من الإجراءات الإدارية والفحوصات الميدانية الطويلة.
وسيتسبب إلغاء الدعم الأوروبي، في ارتفاع أسعار المحروقات مما يعني أن المزارعين سيكونون مرغمين على دفع مبلغ إضافي يصل إلى 47 مليون يورو سنويا لاستهلاك المياه، الأمر الذي يُفسر ارتفاع وتيرة الاحتجاجات ومواصلتها ذات الوتيرة المحمومة، رغم محاولات الحكومات المعنية امتصاص غضب الشارع وفي مقدمتهم إيمانويل ماكرون الذي ألقى اللوم مباشرة على بروكسيل واتهم "الإجراءات الخضراء" التي تم اتخاذها بتهديد استقرار المزارعين والسلم الاجتماعي في التكتل الاقليمي.