مصر وتركيا… ما أفسدته السياسة قد يصلحه الاقتصاد
قبل سنة كنت قد كتبت مقالا بعنوان " هل نرى أردوغان في القاهرة قريبا؟ " جاء على خلفية المصافحة التي وقعت بين أردوغان والسيسي في الدوحة التي حدثث خلال فعالية افتتاح كأس العالم قطر 2022، قدمت فيه بعض الأسباب والدوافع التي التي قادت أردوغان إلى تلك الانعطافة الكبيرة في موقفه من نظام السيسي وتخليه عن أخوان مصر بعد أن أصبح توظيف ورقتهم الخاسرة لا يأتي سوى بنتائج عكسية تضر بمصالح تركيا الجيوستراتيجية والاقتصادية.
قبل الزيارة تبادل البلدان الزيارات على مستوى وزراء الخارجية ثم خلالها مناقشة المسائل العالقة و وضع الترتيبات الفعلية لإطلاق عهد جديد في العلاقات، وقبل زيارة أردوغان بأيام قليلة أعطت أنقرة الضوء الأخضر لتزويد مصر بمسيّرات قتالية وبعدها قررت الحكومة التركية سحب الجنسية الممنوحة للقائم بأعمال المرشد العام لـ«لإخوان المسلمين» في مصر محمود حسين و 50 آخرين من كوادر التنظيم المقيمين على الأراضي التركية وفي الخطوة الأولى أرادت أنقرة التأكيد على حسن النوايا أما الخطوة الثانية فهي تأكيد على حصول أردوغان على مايريده وعلى رغبته في المضي قدما في تحقيق منافع الزيارة خاصة وأنها توجت باتفاقيات فيها من المكاسب اقتصادية ما ستجنيه تركيا على المدى الطويل مع "عدو الأمس" .
باتمام المصالحة مع مصر يمكن القول أن أنقرة قد خرجت بالفعل من الحلقة المغرفة التي كانت تحيط بها ومن العزلة مع دول الجوار بعد أن كانت علاقاتها مع العالم العربي لمدة عقد كامل حالة من الجمود والصراع ارتد منطقيا على المصالح الإقتصادية للبلاد، لتبقى مسألة التقارب مع سوريا هي الملف الوحيد العالق، والذي ربما ستحتاج فيه تركيا لوساطة السيسي تماما كما كان الحال مع حسني مبارك في اتفاق أضنة 1998، لكن قد تحتاج هذه الوساطة بعضا من الوقت لتنضج ولبعض من التنازلات التركية الكبيرة لتكون دمشق مهيأة لحوار مع أنقرة .
أيضا من المنتظر أن يلقي هذا التحول الجديد في العلاقات بين تركيا ومصر بظلاله على المشهد السياسي في ليبيا، لم تعد مصر بحاجة الى دعم حفتر بعد أن تخلصت من هواجسها الأمنية على حدودها الغربية، كذلك لم تعد تركيا بحاجة الى خدمات الدبيبة بعد أن فشلت في الحصول على اتفاقيات طويلة المدى في مجال الطاقة والتنقيب، والمؤكد أن التسوية السياسية والتهيئة لاستقرار سياسي في ليبيا سيخدم مصالح الطرفين أكثر مما يخدمها وجود حكومتين وجيشين وبرلمانين، سيكون لزاما على مصر وتركيا أن تتطلعا الى علاقة رابح رابح مع الشركاء في ليبيا بعيدا عن منطق التنافس الذي أفسد العديد من الفرص لكلا الطرفين، كما أن الحاجة الى ملأ الفراغ في ليبيا أفض بكثير من دخول روسيا على الخط كطرف ثالث وهو ما يعني خلط الأوراق من جديد .
تحتاج تركيا الى بدل المزيد من الخطوات للحفاظ على مكتسبات هذا التقارب مع مصر، وعلى رأس هذه الخطوات يأتي تلبية المطالب المصرية بتسليم قائمة المطلوبين من قيادات الإخوان المتواجدين على الأراضي التركية بالاضافة الى تقديم ضمانات أخرى تتعلق بملف النفط والغاز في البحر المتوسط، وهنا يبرز التساؤل الكبير عن مدى استعداد تركيا لتنفيذ اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع مصر وفقا للمرجعية القانونية المتعارف عليها دولياً (الاتفاق العام لقانون البحار لعام 1982) وهو ما كانت ترفضه سابقا لاعتبارات لها علاقة بصراعها مع قبرص.
على العموم فان الحكم على نجاح زيارة أردوغان الى القاهرة يحتاج لخطوات ملموسة في الملفات العالقة بين البلدين لكي لا يتم الحكم على هذا التقارب بأنه ولد ميتا و يتلخص في بضعة اتفاقيات اقتصادية قد يبقى بعضها حبرا على ورق.