تطبيع العلاقات ما زال يتطلب الكثير.. ملامح بوريطة وسيجورني تؤكد أن طي صفحة الأزمة بين الرباط وباريس يتطلب وقتا أكثر ومواقف أوضح
طقس الرباط العاصف اليوم الاثنين، الذي استقبل فيه وزير الخارجية المغربي ناصر بريطة، نظيره الفرنسي ستيفان سيجورني، كان يُلخص 3 سنوات من الأزمة غير المسبوقة التي عاشتها العلاقات المغربية الفرنسية، مرحلةٌ سمحت بتراكم الكثير من طبقات الجليد على الروابط الدبلوماسية بين البلدين، لترسم على وجه الوزيرين ابتسامة باردة تعني أن الأمر لم ينتهِ بعد.
وظهر بوريطة وسيجورني بملامح صارمة أحيانا، وبَدَيا وكأنهما يتصنعان الابتسامة فقط احتراما للأعراف الدبلوماسية أو تعبيرا عن "حسن النوايا" أحيانا أخرى، وحتى كلام وزير الخارجية المغربي، لم يكن يحتاج إلى الكثير من الاجتهاد لقراءة خلفياته، وكأنه كان يقول لنظيره الفرنسي إن هناك الكثير من الأمور التي تحتاج لجلسات مُكاشفة قبل الإعلان عن عودة المياه إلى مجاريها.
ولم تخلُ زيارة سيجورني إلى الرباط والتي كان الهدف الرئيس منها إصلاح العلاقات مع المغرب وطي صفحة أزمة عمرت طويلا، (لم تخلُ) من رسائل صادرة عن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، مفادها أن المغرب مُصر على التعامل بنِدية مع شركائه على المستوى الدولي، حتى مع إعلان نظيره دعم الطرح المغربي في الصحراء.
وظهر بوريطة وسيجورني في ندوة صحفية تلت لقاءهما بالرباط اليوم، حيث أعلن هذا الأخير بشكل صريح أن باريس تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، مبرزا أنه كان الدافع الأساس لزيارته إلى الرباط، في حين شدد وزير الخارجية المغربي على أن المغرب يبحث عن علاقة "دولة بدولة"، وعن مزيد من التنسيق والاحترام المتبادل.
وكان سيجورني واضحا ومباشرا، حين أكد أن ملف الصحراء هو أهم موضوع في زيارته إلى المغرب، مجددا دعم باريس للمغرب ولمقترح الحكم الذاتي، داعيا إلى الرباط إلى "التعويل على فرنسا، وعلى موقفها الواضح" بهذا الخصوص، مع التأكيد على ضرورة إحراز تقدم في هذا الملف واعتماد "البراغماتية" من خلال تسريع مسار التنمية في الأقاليم الصحراوية.
أما بوريطة، فكان يُركز أكثر على الثقة بين البلدين، فرغم حديثه عن الطابع "الخاص والمتفرد" للعلاقات المغربية الفرنسية، وعلى "امتداداتها التاريخية"، فإنه تطرق أيضا إلى ضرورة "تجديدها" بناء على مجموعة من المبادئ، وفي مقدمتها "التنسيق والاحترام المتبادل"، مشددا على أن المغرب "الفاعل الرئيسي في المنطقة المغاربية والقارة الإفريقية والبحر الأبيض المتوسط" يبحث عن "علاقة دولة بدولة".
وإلى جانب التصريحات، أظهرت ملامح الوزيرين ولغة جسدهما، الكثير من الأمور التي كانت تحوم حولها علامات استفهام قبل ترتيب الزيارة، فالأكيد أن المغرب لم ينسَ من يكون سيجورني تحديدا، الرئيس السابق لمجموعة "تجديد أوروبا" في البرلمان الأوروبي، والذي كان قبل أشهر فقط، المُحرك الأساس للحملة التي استهدفت مصالح الرباط.
وإذا كان سيجورني قد أتى إلى المغرب من أجل تمهيد الطريق لزيارة قريبة للرئيس ماكرون إلى المغرب، واللقاء بالملك محمد السادس، فقد أصبح في حكم المؤكد الآن أن صفحة الأزمة لا تُطوى بهذه السرعة، وعلى البلدين أن يجدا صيغاً أكثر وضوح تحكم علاقاتهما مُستقبلا، قبل أن يتوج الأمر بإعلان شراكة جديدة من قبل زعيمي البلدين.
هذا التوجه عبر عنه بوريطة بشكل شبه مباشر، حين تحدث عن أن المغرب، باعتباره قطبا للاستقرار على المستوى الإقليمي، وبحكم الفرص التي يوفرها لشركائه، فإن هذه الأخيرة تسعى إلى بناء علاقات جيدة معه، مبرزا أن المرحلة الموالية هي تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين من مختلف القطاعات للوصول إلى اتفاقيات تمهد للتحول المستقبلي.