آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!
لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجز العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، تم حشو ذاكرته بطريقة فظيعة بأن المغرب "عدو كلاسيكي" لبلادهم، بعد أن جعل النظام العسكري القاسي من هذه السردية سلعة شعبية مُستهلكة لدى الجزائريين الذين أقبلوا عليها بنهم وجهل كبير للذاكرة التاريخية للمنطقة.
بالنسبة للنظام الجزائري، تاريخ المنطقة يبدأ من سنة 1962، حينما تأسست الجزائر كدولة باستفتاء أقامته فرنسا، ودعت الجزائريين من خلاله للإدلاء بصوتهم بـ"نعم" أو "لا" عن السؤال التالي: "هل تريد أن تصبح الجزائر دولة مستقلة مُتعاونة مع فرنسا حسب الشروط المقررة في تصريحات 19 مارس 1962؟. وِفق المعطيات الفرنسية الرسمية، حينها، فإن الاستفتاء أسفر عن تصويت 99٫72% من الجزائريين بأن تستقل بلادهم و"أن تصبح مُتعاونة مع فرنسا حسب الشروط المقررة".
ولهذا، فالنظام الجزائري لم يَخُن العهد الذي صوت عليه الشعب منذ ذاك الحين، وأصبح نظاما يمجد "بقايا الاستعمار" في المنطقة، ويعيش على الفوضى مثلما كانت تفعل فرنسا طوال القرن الماضي حينما قضمت من الحدود الحقة لدول مثل تونس والمغرب، وضمتها للجزائر بعد أن جعلت منها "دولة متعاونة" ووظيفية تحاول لعب دور أكبر من حجمها التاريخي.
ووفق هذه "العقيدة"، حاول، ونجح، النظام العسكري الجزائري، على مدى عقود في محو الذاكرة التاريخية للجزائريين، حتى أصبح من خلال وهمهم الخاص، تمجيد ما تركه الاستعمار أكثر قيمة من حق الشعوب في محاربة الاستعمار نفسه، لاسترجاع أرضه، كما فعل المغرب عندما استرجع الصحراء التي استُعمِرت من طرف إسبانيا ما بين 1884 وسنة 1976 تاريخ إبلاغ مدريد الأمم المتحدة أنها ألغت وجودها العسكري والإداري في الصحراء، وتنازلت نهائيا عن مسؤولياتها فيها، بعد أن فرض عليها المغرب ذلك اثر "المسيرة الخضراء" سنة 1975 التي قادها 350 ألف مغربي لتحرير أرضهم.
الجزائر تدرك أنها دولة تأسست، بمساحتها الحالية، على حساب أراضٍ تابعة لدول مُجاورة، أو كما وصفها السياسي الجزائري نور الدين بوكروح بأنها دولة تأسست من خلال "هجرة غير شرعية في التاريخ"، وأن الحفاظ على الذاكرة، هو أكبر عدو لوجودها، لهذا، تحشو عقول الجزائريين بثقافة مليئة بالحقد والعنف التاريخي اتجاه المغرب، حتى بات الجزائريون من البسطاء يحملون الكثير من العُقد النفسية والأحكام الجاهزة تجاه كل ما هو مغربي، وبات أغلبهم غير مهتم بمعرفة الحقيقة، بل بما تعلموه وتم غرسه في عقولهم على مدى عقود من الرجعية الفكرية والتدليس الثقافي و"النصب التاريخي" الذي دُرس لأجيال بكاملها في المدارس والجامعات وعبر الإعلام المتخلف في البلاد.
اليوم، وبعد ما يزيد عن نصف قرن من الإيمان بـ"المصير المشترك" بيننا وبين الجزائريين، على المغاربة أن يدركوا أنه لا أمل في جيراننا. وعلاقتنا معهم ممزقة، لذا، علينا أن نبني مستقبلنا بعيدا عن التفكير في جوارنا، وإن كان هذا الجوار الصعب، حقيقة جغرافية لا محيد عنها. وكما قال المفكر المغربي عبد الله العروي في آخر إصدارته "دفاتر كوفيد" فقد "آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر". مضيفا أن المغاربة يواصلون "القول إننا شعب واحد، ولكن الحقيقة أننا في مواجهة شعب آخر" وزاد: "لا نعرف ماذا يَتعلم الشباب الجزائري في أقسام الدراسة حول ماضيهم، وماضي الجيران. لا نعرف ماذا يُدرس لهم بمدارس الإدارة والثانويات العسكرية. ما يتعلمه الموظفون والدبلوماسيون والضباط، وغيرهم، طوال سنوات، ويواصلون قراءته في المنشورات الرسمية.. وكل هذا، لن يمحى من عقولهم بين ليلة وضحاها".
هذه هي الحقيقة. فالحرب بيننا وبين الجزائر "جارية بالفعل". ديبلوماسيا، حيث نجدهم في كل المؤسسات الدولية يحاولون طمس الحقائق التاريخية بشعارات مردود عليها. وعسكريا، هم من يحتضنون مليشيات مسلحة تخرج من أراضيهم لتقوم بعمليات عسكرية ضد القوات المسلحة الملكية، وتستهدف المدنيين كما فعلت في مدينة السمارة، أو بتدريب المرتزقة للتخريب والقتل كما فعلت في أحداث "إيكديم إيزيك" بالعيون. واقتصاديا، عندما قررت تعليق تحليق الطائرات المغربية فوق أراضيها، أو حينما منعت السلع العابرة لميناء "طنجة المتوسط" من دخول موانئها، أو حينما تصرف ملايين الدولارات على مكاتب المحاماة الدولية لمنع الدول من شراء الفوسفاط المغربي. وثقافيا، حينما ترغب في السطو، يوميا، على تراث وتاريخ لا تملك فيه شيئا.
إذن نحن في حرب حقيقية مع الجزائريين. ويكفي أن نرى نشوة رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة، وهو يطوف على القواعد العسكرية التي يفوق عددها عدد الجامعات في البلاد، حيث يخوض التداريب العسكرية تلوى الأخرى بالذخيرة الحيّة، وهو ينتشي بصور إطلاق الرصاص والصواريخ والدمار أمامه في انتظار "حربه المقدسة" مع المغرب الذي يرغب فيها لرد "الإهانة التاريخية" في حرب الرمال، قبل أن يطاله ملك الموت.
ما بيننا وبين الجزائريين هي قنبلة زمنية ستنفجر ذات يوم لا محالة، وإلى حين ذاك الوقت، على المغرب أن لا يقمع حَقِيقَة أننا في حرب حقيقية مع نظام هذا البلد العالق في عالمه الخاص، وأن نستعد لذلك، بتطوير بلادنا اقتصاديا، وسياسيا، وعسكريا، وأن نتعامل كما قال المفكر المغربي عبد الله العروي على أن المغرب "جزيرة مطوقة.. وقدرنا أن نتصرف كسكان هذه الجزيرة"، بعيدا عن مصير عشوائي يُراد لنا أن نعيشه مع الجيران.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :