الأكاديمي بناصر البعزاتي يرصد أسباب تخلف المجتمعات الإسلامية عن الثورة العلمية
قال الأكاديمي بناصر البعزاتي، إن من أسباب تخلف المجتمعات الإسلامية عن الثورة العلمية، ترجع إلى مشكتلين أساسيتين، الأولى هي مشكلة الاتصال والتواصل بين العلماء المسلمين وبين الأجيال من العلماء، والثانية فهي ضعف المؤسسات التي تستطيع أن تضمن هذا التواصل والاستمرارية على غرار الجامعات.
وأوضح بناصر هذا خلال مشاركته في اللقاء العلمي الذي نظمه مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني يوم الأربعاء 05 حيث قدم أمام ثلة من الأساتذة والباحثين والطلبة، في رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، محاضرة بعنوان "لماذا لم تحصل ثورة علمية في المجتمعات الإسلامية قبل أوروبا؟"
واستهل المحاضر كلامه بالإشارة إلى أن هذا السؤال "لماذا لم تحصل ثورة علمية قبل أوروبا" قد سبق طرحه في حضارات أخرى، مشيرا إلى اليابان والصين، قبل أن يعرج على تقديم السياق التاريخي العام الذي يعتبر محور اهتمام المحاضرة.
وأضاف بناصر أنه مع ظهور العلم الحديث، صارت الأحداث العلمية لأول مرة تشكل البوصلة الأساسية في توجه الحضارات، بعد أن كانت الممارسات العلمية نخبوية ومعزولة عن المجتمع، لافتا الانتباه إلى أن ابن الهيثم حاضر في الثورة العلمية التي عرفتها أوروبا، واهتم به العلماء الأوروبيون الذين أخذوا عنه علمه، كما اهتم به التقنيون والفنانون الأوروبيون.
وتوقف الأكاديمي المذكور عند كتاب "المناظر"، وهذا الكتاب المهم في علم البصريات "ظل مرجعا أساسيا في أوروبا إلى غاية القرن السابع عشر، فما كان مآله في سياقنا؟ لقد لقي هذا المرجع العلمي تجاهلا عندنا".
وأضاف بناصر في هذا السياق، بأننا، "اليوم لا نعرف كيف تجول كتاب "المناظر" – بنسخه القليلة جدا- في العالم الإسلامي. وقد ذكر المحاضر أن قامة علمية بحجم الطوسي لم تشر ولو مرة واحدة إلى ابن الهيثم".
وركز بناصر البعزاتي على الإشكالية الكبيرة التي عرفها سياق المجتمعات الإسلامية والتي تتمثل في غياب الاتصال بين الأجيال من العلماء حيث قال "إن علاء الدين ابن الشاطر –على سبيل المثال- لم يخلف تلاميذ له يستمرون على نهجه العلمي; ونفس الأمر يتكرر مع ابن تيمية الذي يعد أهم ناقد وناقض للمنطق; فبالرغم من تمكنه من إبراز عيوبه السائدة وبالرغم من أهمية ابن تيمية العلمية عند الحديث عن المنطق أو نظرية القياس أو الرياضيات، إلا أنه لم يأت عالم بعده يكمل ما بدأه من بحث علمي ويستثمره. وهذا هو الحال مع كوكبة من العلماء المسلمين التي لم يحقق إنتاجها المعرفي استمرارية وامتدادا".
كما وقف بناصر البعزاتي عند مشكلة لها أهميتها العلمية في خضم الحديث عن الثورة العلمية والتطور الحضاري، وهي مشكلة ضعف الجامعة، حيث طرح الأستاذ مجموعة من الأسئلة في هذا الصدد من قبيل "هل عرفت حضارتنا جامعة؟ على اعتبار أنها–على غرار الجامعات الأوروبية- فضاء للتبادل والنقد. هل كانت في مدارسنا روح نقدية وجدل مفتوح؟ لم يكن تأسيس المدارس النظامية مثلا، سوى ردة فعل في سياق الجدالات المذهبية والكلامية، كما أن بعضها لم يؤسس سوى لدواعي فقهية".
وأشار المحاضر بمواقف العلماء والفقهاء من "العلوم العقلية"، فمنهم "من كان يتحفظ من استعمال علم الفلك في رؤية الهلال، وكثير منهم كان يمنع الخوض في الرياضيات على اعتباره علما غير نافع".
وشدد الأستاذ بناصر البعزاتي أن "حضارتنا الإسلامية لم تعرف مؤسسات يمكن لها أن تدفع بالبحث العلمي، ومع التراجع الذي عرفه علم أصول الفقه الذي ينضاف إليه ضعف انتشار الكتب، عرفت الحضارة الإسلامية نكوصا ازداد مع دخول الاستعمار".