إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب
يُعَرِّف دستور منظمة الصحة العالمية الصحة كحالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مُجرد انعدام المرض أو العجز. وتُعرِّف المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصحة باعتبارها جانباً من الحق في مستوى معيشة كافٍ. كما أن المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تضمنت الاعتراف بالحق في الصحة باعتباره أحد حقوق الإنسان وهي مقتضيات مُلزِمة من الناحية القانونية. كرّس الدستور المغربي الحق في الصحة لأول مرة سنة 2011، وينص الفصل 31 على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية ملزمة بتعبئة الوسائل المتاحة من أجل تيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية والتغطية الصحية والحماية الاجتماعية.
لكن رغم التوصيات الملكية بجعل قطاع الصحة أولوية وطنية استراتيجية، ما زالت المنظومة الصحية تعاني عدة تحديات تؤثر سلباً على الإنجازات المحققة في هذا المجال، نظراً لعدم قيام الحكومة بإعداد سياسة صحية وطنية، وعدم تفعيل القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية، وغياب الخريطة الصحية والمخططات الجهوية للعلاجات، ووجود تفاوتات مجالية وترابية في توزيع الموارد الصحية.
يهدف البرنامج الحكومي بالمغرب للفترة 2021-2026 إلى تنزيل القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، لأنه يعتبر أحد ركائز الدولة الاجتماعية. وعرف قانون المالية للسنة المالية 2022 تخصيص 17.3 مليار درهم و5500 منصب مالي لقطاع الصحة، إضافةً إلى 4.2 مليار درهم من أجل تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، مقارنة بقانون المالية لسنة 2021 الذي خصص 22.2 مليار درهم و5500 منصب مالي لقطاع الصحة من أجل مواجهة تداعيات وباء فيروس كورونا. وتعتبر الحماية الاجتماعية طبقاً للقانون الإطار 09-21 آلية لتحقيق التغطية الصحية الشاملة وبلوغ أهداف التنمية المستدامة، لأنها تهدف إلى تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال الفترة 2021-2022، وذلك عبر توسيع الاستفادة من هذا التأمين ليشمل الفئات المعوزة المستفيدة من نظام المساعدة الطبية وفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطاً خاصاً، حيث سيتمكن 22 مليون مستفيد إضافي من هذا التأمين الذي يغطي تكاليف العلاج والأدوية والاستشفاء.
تلتزم الحكومة خلال الولاية الحكومية بتعزيز خدمة الصحة العمومية وضمان وتطوير العرض الصحي وتكوين الأطباء والممرضين وتطوير الوصول إلى طبيب القرب وتعميم طب الأسرة لأنه المدخل لتجويد الخدمات الصحية وتدبير الموارد البشرية، وتخفيف الازدحام في المستشفيات من أجل التركيز على الحالات المستعجلة ورفع عدد العاملين في الرعاية الصحية لبلوغ تغطية أفضل للتراب الوطني وتلبية حاجيات المرضى، ومراجعة السياسة الدوائية والخريطة الصحية وتعزيز شبكات المراكز الصحية الأولية والمستشفيات الجهوية، وإحداث بطاقة صحية ذكية ونظام حراسة مقيمة والرفع من عدد العمليات الجراحية المنجزة ومنح تحفيزات لمهنيي قطاع الصحة وتعزيز السياسة الوقائية وتقديم فحوصات وتلقيحات مجانية وإجبارية لتتبع الحمل والمواليد الجدد.
تهدف الحكومة إلى إصلاح المنظومة الصحية وتعزيز ميزانية الصحة العمومية وتأهيل التجهيزات في المؤسسات الصحية، وتوفير سيارات إسعاف مجهزة لنقل المرضى وخدمة مساعدة طبية استعجالية وتعزيز الموارد المالية للمستشفيات العمومية وتطوير شراكات بين القطاعين العام والخاص لمناولة أنشطة الاستقبال والحراسة والنظافة والأمن والارتقاء بجودة العلاجات الاستشفائية، واستعادة ثقة المواطن في المستشفى العمومي، وستقوم الحكومة بإعداد استراتيجية لتدبير الأزمات والطوارئ الصحية والاستثمار في الطب عن بُعد والخبرة عن بُعد والمراقبة عن بُعد والمساعدة الطبية عن بُعد لتمكين الأطر الصحية من التدخل أو استشارة الزملاء أو مراقبة المرضى، وتشجيع التكامل والتنسيق بين المؤسسات الصحية المتقاربة جغرافياً لتحقيق المساواة في الولوج إلى العلاج.
ترتكز خطة الصحة بالمغرب على التوجيهات الملكية السامية، والتي أكدت على أن إصلاح المنظومة الصحية هو أولوية وطنية رئيسية. حيث دعا الخطاب الملكي سنة 2015 إلى وضع خطة عمل متكاملة تقوم على التنسيق بين القطاعات الحكومية للحد من الفوارق الاجتماعية وتخفيض العجز في الصحة. وأشار الخطاب الملكي سنة 2017 إلى ضرورة تعميم التغطية الصحية وتسهيل الولوج إلى الخدمات الصحية الجيدة في إطار الكرامة الإنسانية. ونص الخطاب الملكي سنة 2021 على تأهيل حقيقي للمنظومة الصحية طبقاً لأفضل المعايير وفي تكامل بين القطاعين العام والخاص. وتشتمل خطة وزارة الصحة لسنة 2025 على ثلاث دعامات مُقسمة إلى 25 محور و125 إجراء، تهدف إلى تنظيم وتطوير العرض الصحي من أجل تحسين إمكانية الولوج إلى الخدمات الصحية وتعزيز البرامج الوطنية الصحية ومكافحة الأمراض وتحسين الحكامة وتحقيق النجاعة في استخدام الموارد.
خلاصة: تعتبر صعوبات الولوج للعلاج قائمة لأن 38% من المغاربة لا يتوفرون على تغطية صحية. كما أن الأسر تتحمل في المتوسط 50% من النفقات الصحية بسبب ضعف الموارد المالية، ونسبة التأطير الطبي والتي تُشكل أحد أهم تحديات تأهيل القطاع الصحي. وسجل المغرب سنة 2016 معدل 0.6 طبيب و0.9 ممرض لكل 1000 شخص، وتوصي منظمة الصحة العالمية الدول بضرورة التوفر على نسبة 1.1 طبيب و1.6 ممرض لكل 1000 شخص من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، إضافة إلى التوزيع غير المتكافئ للعرض الصحي على المستوى الترابي.
سَجلت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي انتظارات المواطنين، حيث تطالب الساكنة بتوفير علاجات تتسم بالجودة وتكون في متناول الجميع من حيث التكلفة والقرب والرفع من عدد مناصب العاملين في المجال الطبي، والتوزيع العادل للموارد الصحية على مجموع التراب الوطني للحد من الفوارق المجالية. ويحظى تعميم التغطية الصحية بإجماع واسع باعتبارها حقاً أساسياً من خلال توفير علاجات ذات جودة وغير مُكلفة.
وفي هذا الإطار، توصي اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي في المحور الثاني المتعلق بجودة الخدمات الصحية وحماية الصحة كحقوق أساسية للمواطنين، بدعم طلب العلاجات من خلال تعميم الولوج إلى التغطية الصحية، وإعداد سلة علاجات قابلة للتطور، والاستثمار المكثف في الموارد البشرية وتثمينها، وإعادة تنظيم مسار العلاج على المستوى الجماعاتي والجهوي، وتسريع رقمنة النظام الصحي، ودعم المستشفى العمومي، وتشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص، ومراجعة عميقة لحكامة النظام الصحي على جميع المستويات مع تقوية البعد الترابي لهذه الحكامة، ووضع سياسة مندمجة وبين-قطاعية فيما يخص الوقاية والتربية الصحية وتعزيز قدرة النظام الصحي على الصمود أمام مخاطر الأزمات الصحية في المستقبل وتطوير السيادة الصحية.