تطوير المنظومة التربوية بالمغرب
تقديم:
تبقى الممارسة التربوية داخل المؤسسة التعليمية التكوينية بسياقها العام ممارسة اجتماعية تتلاحم فيها القيم والمبادئ والأخلاق، وكذلك أنماط التنشئة. فالمؤسسات التربوية على اختلاف أنواعها وأحجامها هي مجتمعات مصغرة، دائمة الارتباط المتنامي والمتطور بالمجتمع المعاش في حال صلاح وفعالية برامجها ومناهجها الدراسية، وفي حالة العكس تقهقري في حال جمود ورداءة ما تقدمه للمتعلم. هذا الأخير هو حجر الأساس في بناء الحضارة، هو مواطن الغد، هو المسؤول. لذا فإن خلق الجودة في العملية التعليمية التعلمية، أو تجويد الممارسة التربوية عامة، ليس بالموضوع الفضفاض الممكن تجاوزه أو شعاراً براقاً ظل هاجساً منذ مدة، بل هو تحدٍ حقيقي أمام الأمة في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. إنه مصفاة لفرز الكفاءة عن الفشل. فما هي الجودة في العملية التعليمية التعلمية وكيف السبيل إلى تحقيقها؟
لقد ظهر مصطلح الجودة بداية في الميدان الصناعي، فنقول مثلاً إن المنتوج ذو جودة، أي أن طريقة إعداده تتماشى مع المعايير المتفق عليها وطنياً أو دولياً. أما إسقاط هذا المفهوم على ميدان التربية والتعليم، فيعني قياس مدى تحقق الأهداف المسطرة ضمن المناهج الدراسية والكفايات المنشودة، في مردودية المتعلم، بمعنى آخر ضرورة حدوث أمرين مهمين: أولهما تغير ملموس وظاهر في سلوك المتعلم، وثانيهما تفاعله إيجاباً مع المحيط، كون محتويات الفعل التعليمي قد استجابت بنجاح لحاجاته التعلمية المتباينة.
ونذكّر في هذا الصدد بمجموعة من المذكرات والدلائل الوزارية، وكذلك المجال الثالث في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والمشروع التاسع في المخطط الاستعجالي، التي دعت جميعها لتأسيس أرضية مواتية لخلق الجودة. وإذا فصّلنا في هذه القضية الحساسة، سنجد أن الجودة هي نظام متكامل، تتداخل فيه شروط ومعطيات متعددة، مثل الإرادة الحقيقية والدافعية، فبدونهما لن يبذل أي طرف جهداً أو يحاول مراراً وتكراراً تغيير منهجيته عند فشل كل تجربة.
ثم يأتي دور فضاء التعلم الذي عند تكامل أركانه المادية وتوفره على المعدات الأساسية وجمالية وجاذبية منظره، يسهم في حب التعلم ويضفي حافزية للمتعلم على التفاعل واستقطاب باقي الأقران نحو التمدرس. كما أن لطبيعة تكوين المدرسين دوراً حاسماً في نجاح العملية التعليمية التعلمية أو فشلها، فالتدريس بحد ذاته مهنة مركبة يتم فيها التعامل مع المتعلم من خلال خصائصه المعرفية والوجدانية والمهارية، وفي حال التركيز على خاصية وإغفال الباقي، نتحصل في آخر المطاف على متعلم متعثر محكوم عليه بالفشل ويستحيل عليه مسايرة المشوار الدراسي حتى أقصاه.
لذا فإن توجه الوزارة نحو إعادة النظر في تكوين المدرسين وضمان تمتعهم بالتكوين المستمر يسهم بشكل ملموس في الرفع من مستوى قدراتهم المهنية وتحقيق معظم الأهداف التربوية المبرمجة ضمن المنهاج التربوي الشامل. نضيف أن ارتباط البرامج الدراسية بتحولات المجتمع من عدمه هو حكم الوسط الذي يقرر مدى نجاح المنظومة التربوية ككل في تحقيق أهدافها العليا أو يعلن إفلاسها. فالحديث عن الاستقرار على برامج دراسية صالحة لكل زمان ومكان هو كلام غير منطقي، كون المجتمع يتطور باستمرار وينبغي بالموازاة كذلك تطوير الجوانب البيداغوجية حتى تستجيب للتحديات المتراكمة التي تفرضها مجريات التنافسية في ميادين الصناعة وإنتاج الثروة.
أما الإدارة التربوية، سواء كانت تقليدية أو حديثة، فلها ثقل مهم في سير المؤسسة التربوية وتتبع مدى تنفيذ التزاماتها مع المحيط المراقب عن كثب للسير التربوي من جهة ومع المجتمع بشكل عام. فالتدبير التشاركي وانفتاح المؤسسة على باقي الشركاء - الاجتماعيين، الاقتصاديين، الفاعلين - أضحى أمراً لا مفر منه، به تترسخ واقعية مشروعها الذي يهدف أساساً إلى الخروج من أزمات عضال، مثل قلة الوسائل التعليمية والهدر المدرسي والتعثر الدراسي وضعف النتائج، خدمة وارتقاء بجوانبها التربوية والمالية والإدارية، حتى تعود الثقة إليها تدريجياً وتنمحي عنها صورة القتامة والفشل.
إذن فقضية الجودة في التربية والتكوين تحتاج إلى تظافر الجهود وتعبئة على عدة مستويات حتى تتحقق وتنجح معها منظومتنا التربوية وتصير منافسة لباقي مثيلاتها في الدول العربية وكذلك الغربية. ينبغي الإشارة إلى انفتاحها على باقي النماذج التربوية الناجحة، حيث سيعمل ذلك على تعزيز الخبرات وإيجاد صيغ ملائمة وأكثر فاعلية لتحقيق قفزة نوعية ترتقي بالأداء التربوي وتقوي دعائمه.