الحزب الشعبي الإسباني يدعو إلى تعزيز العلاقات مع المغرب رغم التحديات الاقتصادية
قال الحزب الشعبي الإسباني إنه غير قلق من أي تهديد عسكري أو مادي قد يُشكّله المغرب ضد إسبانيا أو سبتة ومليلية المحتلتين، خاصةً وأن حلف الناتو سيحمي المدينتين من أي عدوان مرتقب. ولكنه بالمقابل، منزعج جدًا ومتخوف من التهديدات الاقتصادية والحصار التجاري الذي تفرضه الرباط عليهما، ويؤثر على مناحي الحياة بهما.
وجاء هذا التصريح على لسان السيناتور الشعبي عن مدينة مليلية، فرناندو غوتييريز دياز دي أوتازو، الذي انتقد في وقت سابق عدم إشارة تقرير الأمن القومي الإسباني الأخير الخاص بسنة 2023 للتحديات التي تواجه مدينتي سبتة ومليلية. وقد غير موقفه في غضون شهرين مؤيدًا في مضامينه تصريحًا مماثلاً صدر قبل يومين عن مدير إدارة الأمن القومي الجنرال لوريتو غوتيريز هورتادو، الذي قال إن المغرب غير مذكور في استراتيجية الأمن القومي، ولا يشكل تهديدًا لإسبانيا.
وعلى الرغم من أن ملف سبتة ومليلية لم يعد مطروحًا على طاولة النقاش المغربية-الإسبانية أو أجندة العمل بين المملكتين في ظل تجميد الرباط المطالبة بسيادتهما نظرًا للأولوية التي بات يحتكرها ملف الصحراء المغربية، إلا أن الأحزاب اليمينية المتطرفة تصر على استحضاره في كل مرة بغرض تعكير صفو العلاقات التي أسست لها الحكومة الاشتراكية والمغرب في إطار خارطة الطريق الموقعة بين البلدين، ومن بينها الحزب الشعبي الإسباني، الذي عاد ليعرب عن قلقه الشديد من "استمرار إغلاق الجمارك التجارية الحدودية وعدم وفاء المغرب حتى الآن بتعهداته بهذا الخصوص".
ويرى الحزب الشعبي أن المغرب يُحدث تغييرات مهمة لكنها أيضًا مضرة في ديناميكيات سبتة ومليلية وفي تطورهما العادي للنشاط الاقتصادي والتجاري نتيجة لإغلاق الجمارك التجارية وعدم الامتثال لنظام المسافر وما إلى ذلك، فضلاً عن إجراءات أخرى من جانب المغرب، يعتبر الحزب المعارض أن لها تأثيرًا ضارًا على تطور الحياة العادية في سبتة ومليلية.
وأورد السيناتور الشعبي فرناندو غوتييريز دياز دي أوتازو أمام وسائل الإعلام الإسبانية موضحًا أن "هذا لا يشكل تهديدًا عسكريًا أو أمنيًا بالفعل" بل "هو خلاف وتصرف غير صحيح يتعين على الحكومة الإسبانية مواجهته من خلال التعامل مع المغرب باعتباره الجار الصديق الذي نتمتع معه بعلاقات واسعة للغاية ونحاول أن نحافظ معه على هذه العلاقة الوثيقة".
من ناحية أخرى، أشار أوتازو إلى الاقتراح الذي قدمه حزب الشعب لحث الحكومة على إنشاء لجنة وزارية "لوضع تصور لمشاكل سبتة ومليلية بطريقة متعددة التخصصات" تحت قيادة وزارة الخارجية، بالنظر إلى أن المدن المتمتعة بالحكم الذاتي بوضعها كمدن حدودية هي الأكثر تأثرًا. وهو ما يستوجب أيضًا بحسبه إعادة العلم الثاني والخامس للكابتن الأكبر الثالث للفيلق لزيادة عدد الجنود في مليلية، فضلاً عن زيادة رواتب القوات المسلحة.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان الناتو سيحمي سبتة ومليلية في حالة حدوث عدوان من قبل المملكة المغربية، أكد القائد العام السابق لمليلية أن "النزاع المادي المزعوم على المنطقة سيتم دعمه من قبل التحالف الأطلسي".
وأوضح أن "الدفاع المادي" عن مليلية "مثل كل دفاعات الدول الأخرى الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وهو مخصص في المقام الأول للدول التي تتمتع بالسيادة على تلك الأراضي". وفي حالة المدن التي تحتلها إسبانيا في شمال أفريقيا أي مليلية وسبتة، يؤكد أوتازو أن الدفاع المذكور مكلفة به القوات المسلحة الإسبانية، مشيرًا في السياق ذاته إلى أن "التهديدات التي يتم التفكير فيها أكثر من غيرها من قبل المغرب تجاه المدينتين هي تهديدات هجينة، مرتبطة بالهجرة أساسًا".
وعلى الرغم من مصادقة لجنة الدفاع الإسبانية على تعزيز الحضور العسكري في سبتة ومليلية بعشرة آلاف جندي إضافي، قالت هيئة الأمن القومي الإسباني إن المغرب في الوقت الراهن "لا يشكل مصدرًا للخطر على المدينتين المحتلتين".
وأوضحت مديرة إدارة الأمن الوطني الإسباني، الجنرال لوريتو جوتيريز هورتادو، في تصريح صحافي الاثنين الماضي، أن المغرب ليس حاليًا من بين التهديدات التي تواجه إسبانيا، موردة بأنه لا يوجد جديد في مطالب المغرب السيادية حول سبتة ومليلية، ما جعل أن الاستراتيجية الخاصة بهيئة الأمن القومي لا تركز على هذا الموضوع لأنها لم ترصد أي مستجد وبالتالي لا تعتبر المغرب مصدر تهديد عسكري.
وأوردت المسؤولة الإسبانية أنه وعلى مستوى الأمن القومي تتوفر إسبانيا على مجموعات عمل مرتبطة بسبتة ومليلية، مثل أي منطقة أخرى من المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي، لأن مهمتهم هي الدفاع عنها لكن لا يوجد شيء محدد يستدعي ذلك. وكل الدراسات ذات الصلة يتم إجراؤها بطريقة "شاملة" فيما يتعلق بجميع مجتمعات ومدن الحكم الذاتي بناءً على المعلومات الواردة من الوزارات المختصة في هذا الشأن ومركز الاستخبارات الوطني (CNI).
وعلى الرغم من هذه التطمينات، التي ما فتئت الحكومة الإسبانية والأجهزة العسكرية والاستخباراتية تذيعها بين الفينة والأخرى لتبديد التأثير السلبي للمزايدات السياسية التي تقودها الأحزاب اليمينية في البلد الإيبيري ضد المغرب ومصالح العلاقات الثنائية، إلا أن الأجواء العامة تبقى متوترة، ما دفع من جهة ثانية وزير السياسة الترابية والذاكرة الديمقراطية الإسباني، أنخيل فيكتور توريس، للقيام بالزيارة الرسمية الأولى من نوعها لمليلية هذا الأسبوع من أجل تسليط الضوء على تميز علاقات التعاون القائمة بين الرباط ومدريد، ويؤكد حرص المملكتين على إقامة "أفضل العلاقات" بوصفه حجر الزاوية للنماء المشترك وتحقيق الاستقرار الأمني في المنطقة، حيث إن المناطق الحدودية تواجه الصدمات وتكون الأكثر تضررًا في حالة حدوث أي نزاع غير مرغوب فيه.
فيكتور توريس، وخلال زيارته للسياج الحدودي بين إسبانيا والمغرب، عمد إلى تذكير الأحزاب التي تجاهر بعدائها للمغرب بالدور الذي تلعبه المملكة على الحدود البرية، وذلك في سياق التفاعل مع الشكاوى التي عبّرت عنها حكومة مليلية بخصوص التأخير في إعادة فتح الجمارك التجارية منذ إغلاقها من طرف المغرب في 1 أغسطس 2018.
وشدّد المسؤول الحكومي الإسباني على ضرورة إقامة "أفضل العلاقات" مع المغرب، من خلال التفكير والعمل على المضي قدمًا وتحقيق الوضع الطبيعي الذي كان قائمًا فيما يتعلق بالربط التجاري بين مليلية والمغرب، في إشارة إلى الطلب الذي أحالته إليه حكومة مليلية بشأن الجمارك التجارية والشكاوى المتصاعدة بشأن تأخر موعد استئناف الحركة التجارية بانسيابية. وهو ما دفعه إلى اجتماعه هذا الأربعاء مع مجلس حكومة مليلية للاستماع إلى هذه المطالب.
وفي هذا السياق، أعرب الوزير الإسباني عن ثقته في تنفيذ جميع هذه المطالب وتنزيلها على أرض الواقع قريبًا بفضل العلاقات الجيدة بين المملكتين والتي تستوجب الحفاظ عليها، داعيًا إلى ضرورة تحسين العلاقات مع الجيران كونه "أمرًا أساسيًا دائمًا بالنسبة للمناطق الحدودية". وأضاف "عندما تكون العلاقات سيئة مع الجيران، فإن الصعوبات الأولى تواجهها المناطق الحدودية وتكون هي المتضررة".
وذكّر المسؤول الإسباني الحاضرين بفترات الضغوط على مستوى الهجرة التي عانت منها المناطق الحدودية في السنوات الأخيرة، وخاصة في لحظات الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، من بينها تلك التي حدثت عند سياج مليلية، وعندما اقتحم عشرات من المهاجرين حدود سبتة سباحة في 17 مايو 2021 خلال الجائحة عقب استقبال مدريد لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي بهوية مزورة، أو وصول القوارب وكذلك المهاجرين القاصرين إلى جزر الكناري لاحقًا. وقال "يجب أن نتذكر عندما تعرضنا مثلا لواقعة سبتة في العام 2021، عانينا منها أيضًا في العام 2020 في جزر الكناري، ويمكننا العودة إلى الوراء والمضي قدمًا، وهذا قرار بين أيدينا ويجب أن تكون لدينا أفضل العلاقات الممكنة مع جميع جيراننا".