بعدما قوبلوا بالقمع.. التنسيق النقابي لقطاع الصحة يُحصي 40 معتقلا وعشرات الإصابات متفاوتة الخطورة ويحمّل أخنوش المسؤولية
لوّح التنسيق النقابي في قطاع الصحة، بالاعتصام المفتوح أمام مقر ولاية الأمن بالعاصمة الرباط في حالة لم تستجب السلطات لمطالب الإفراج عن المعتقلين على خلفية المسيرة الوطنية الاحتجاجية التي شهدتها العاصمة الرباط اليوم الأربعاء، وقوبلت باستخدام القوة وخراطيم المياه لتفريق المحتجين من أطباء وممرضين وتقنيين في القطاع الذي يعيش على إيقاع إضرابات محمومة منذ أسابيع، بسبب استمرار رئاسة الحكومة في احتجاز اتفاق مخرجات الحوار الاجتماعي المبرم مع النقابات منذ يناير الماضي.
ومنعت السلطات، مسيرة وطنية للشغيلة الصحية دعا إليها التنسيق النقابي وكانت في طريقها إلى مبنى البرلمان، قبل أن تصطدم على مستوى مبنى حزب الاستقلال بساحة باب الحد، بإنزال أمني كبير يحاصرها وشهد استخدام القوة وخراطيم المياه لتفريق الأطباء والممرضين والتقنيين المحتجين الذين رفعوا شعارات مناوئة للحكومة، تستنكر إخلالها بالتزاماتها التعاقدية مع النقابات.
وتسبّب هذا التدخل الأمني، في عشرات من الإصابات المتفاوتة الخطورة معظمهم من النساء فضلا عن جملة من الاعتقالات التي طالت ما يناهز 40 شخصا في صفوف المتظاهرين ممّن جرى توزيعهم عشوائيا على حوالي ثلاث أو أربع مراكز أمنية في العاصمة الرباط، وفق التقديرات الأولية التي أدلى بها التنسيق النقابي لـ" الصحيفة"، مشدّدا على أن رئاسة الحكومة هي المسؤول الأول على كل هذه التجاوزات الخطيرة وغير المسبوقة في تاريخ البلاد.
وفي تصريح خصّ به "الصحيفة"، قال مصطفى الشناوي الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحة المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إن التنسيق النقابي بالقطاع الصحي مستمر في تنزيل برنامجه الاحتجاجي، ونيته في التصعيد مستمرة إذا لم تتجاوب الحكومة مع مطالبه، معربا عن أسفه الشديد لما حدث اليوم الأربعاء في الرباط والذي تتحمّل رئاسة الحكومة، في شخص عزيز أخنوش مسؤوليته الكاملة، بعدما تراجع عن تنفيذ الملف المطلبي للمهنيين والاتفاق الموقع بين اللجنة الحكومية والنقابات الصحية أواخر يناير حول 27 نقطة، والذي لم يكن سوى نتيجة للمفاوضات التي استمرت على مدار 50 اجتماعا متتاليا.
وندّد الشناوي، بمواصلة عزيز أخنوش نهج أسلوب الآذان الصمّة اتجاه مطالب الشغيلة الصحية، واحتجازه للاتفاق المبرم بين الحكومة والنقابات لاعتبارات سياسوية ضيقة تركت القطاع يغرق في الإضرابات والاحتجاجات، فيما المواطنين اليوم هم رهائن في هذا النزاع المفتعل، والذي تتحمل مسؤوليته الكاملة رئاسة الحكومة.
وشدّد المسؤول النقابي، على أن التنسيق سيرفع من وتيرة تصعيده ولن يُثنيه أبدا قمع المسيرة وتحويلها إلى وقفة أو مجابهتها تشتيتها بالرشاشات ووفق المقاربة الأمنية العنيفة، مؤكدا أن الاحتجاجات والمسيرات ستستمر إلى حين استجابة رئاسة الحكومة لمطالب الشغيلة وتنزيل الاتفاق المبرم.
وجوابا على سؤال "الصحيفة"، حول التقديرات الأولية للتنسيق بخصوص احصائيات الاعتقالات في صفوف الشغيلة ومستوى الإصابات، قال الشناوي: "إلى حدود الساعة، لا نعرف العدد بالضبط، لكنهم أكثر من 40 معتقلا جرى توزيعهم على أربع مناطق في الرباط، ولازلنا ننتظر كقيادة أي مستجدات، أما الاصابات فتقدر بالعشرات وهي بالفعل كثيرة في صفوف النساء، وقد تم توزيعهم على مستشفى ابن سينا ومستشفى مولاي يوسف، والاصابات متفاوتة الخطورة، بين الكسور والضرب وغيره لكنها وإلى حدود ما بلغنا الآن ليست خطيرة".
وأكد الشناوي، في التصريح ذاته أن التنسيق النقابي على تواصل مع السلطات للافراج عن المعتقلين، موردا أنه "ومن مبدأ حسن النية طلبت القيادة من المهنيين والمشاركين في الاحتجاج فك الاحتجاج، وإذا كان ضروي أو لم يُلبى هذا المطلب أي الافتراج الفوري عن جميع المعتقلين سننتقل إلى الاعتصام على مستوى ولاية الأمن بالرباط".
ولم تنجح حكومة عزيز أخنوش منذ مطلع السنة الجارية، في إخماد غضب مهنيي الصحة ممن تعهدوا برفع وتيرة الاحتجاجات والاعتصامات إلى حين إحقاق المطالب التي تعتبرها النقابات "مشروعة" وهي تستفسر أسباب تنكّر رئاسة الحكومة لاتفاقيات الحوار الاجتماعي المبرمة منذ يناير الماضي، وتسبّبها في إدخال القطاع في انعراج غير مسبوق يتهدد المنظومة الصحية في البلاد ككل.
ويطالب التنسيق النقابي، بتنفيذ كل مضامين الاتفاقات ومحاضر الاجتماعات الموقعة بين وزارة الصحة وكل النقابات في شقها المادي والمعنوي والقانوني والتي تعبر عن مطالب الشغيلة الصحية بكل فئاتها، والحفاظ على كل حقوق ومكتسبات مهني الصحة وعلى رأسها صفة موظف عمومي وتدبير المناصب المالية والأجور من الميزانية العامة للدولة والحفاظ على الوضعيات الإدارية الحالية المقررة في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية وكل الضمانات التي يكفلها.
ويتّهم أطباء المغرب، رئيس الحكومة عزيز أخنوش شخصيا، بعرقلة الاتفاق المبرم بين اللجنة الوزارية والنقابات القطاعية، من خلال نهجه أسلوب "الصمت" وتجاهل مطالب المهنيين المتفق عليها مع حكومته برفضه التأشير عليها عقب رفعها من طرف الوزارة الوصية، وبالتالي التسبب في تأجج غضب الأطباء وإضرابهم وبالتالي تعطيل مستشفيات المملكة، مشدّدين في تصريحات متفرقة لـ "الصحيفة"، على أن " التنسيقات الطبية، صبرت كثيرا وعلى مر التاريخ ولن تتوانى بالمطلق في الدفاع عن أحقيتها في تحسين ظروف الاشتغال والظروف الاجتماعية والماضية في إطار برنامج نضالي محدد" مهددة بذلك باستمرار الاحتجاجات والإضرابات، حتى تعود الحكومة في شخص رئيسها إلى صوابية احترام المؤسسات وتعهداتها ومخرجات الحوار الاجتماعي.
وتعود تفاصيل بداية الأزمة إلى شهر دجنبر الماضي، بعدما قررت الحكومة ومن خلال لجنة وزارية مكونة من كل من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، والوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية والامانة العامة للحكومة، التفاعل مع رسالة كانت قد وجهها مهنيو الصحة في 10 دجنبر، تطالب بالاهتمام بوضعية الشغيلة الصحية وتحسين الاجور، بإيجابية وجالسوهم في الدار البيضاء إلى جانب ثماني نقابات صحية اجتمعت جميعها مع الوفد الحكومي للإنصات لمطالبهم وأبلغوهم أن الحكومة مبدئيا مع الزيادة في أجور جميع المهنيين، بيد أنه كان الاختلاف حول قيمة الزيادة، واستمروا في الاجتماع 3 أيام إلى 28 دجنبر حيث تم توقيع الاتفاق.
وتم الاتفاق خلال الاجتماعات المتتالية مع الحكومة على الأجرأة، وكانت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية باعتبارها الوسيط بين الأطر النقابية والحكومة في شخص رئيسها، إذ أخذت الاتفاق المُبرم والذي كان موضوع احتفاء في 24 يناير من طرف الحكومة على وجه الخصوص، ورفعته إلى رئاسة الحكومة ليُحتجز دونما أي تنزيل، وفق الشناوي الذي قال لـ "الصحيفة": " لقد انتظرنا أكثر من شهر في صمت ولم يخبرونا بأي شيء حول مصيره، وعندما نسأل الوزارة الوصية تقول إنه في عهدة رئاسة الحكومة وهذه الأخيرة تتجاهلنا وترفض الإفصاح عن مصيره، وبالتالي اليوم أصبح الحوار الاجتماعي والمفاوضات مهددة وبدون مصداقية وقد أهدرنا قبلها أكثر من شهرين في مجهود متواصل قبل بلوغ الاتفاق الأخير المبرم مع الحكومة ذاتها".
واستمرار احتجاز رئاسة الحكومة للاتفاق المبرم بين الوزارة الوصية والنقابات، بات يتهدّد تماسكها، في ظل استنكار داخلي في وزارة الصحة لسيرورة ما يحدث، بعدما وجد خالد أيت الطالب نفسه في مأزق حقيقي مع النقابات، في هذه الظرفية المحمومة التي يعيشها القطاع ككل، بسبب توالي الأزمات على رأسها أزمة طلبة الطب ممن يواصلون بدورهم خوض إضرابات متصاعدة حتى الآن.
في المُقابل، باتت جبهة النقابات الصحية قوية أكثر من أي وقت سابق، بعدما قررت ثمان نقابات بقطاع الصحة، في 19 أبريل الفارط توحيد جهودها ضمن تنسيق نقابي لفرض تلبية مطالب الشغيلة الصحية بكل فئاتها، وذلك بعد اجتماع جمع الكتاب العامون الوطنيون.
ويتعلق الأمر بالنقابة المستقلة للممرضين، والنقابة الوطنية للصحة (CDT)، والجامعة الوطنية للصحة (UMT)، والنقابة الوطنية للصحة العمومية (FDT)، والنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، والجامعة الوطنية لقطاع الصحة (UNTM)، والجامعة الوطنية للصحة (UGTM)، والمنظمة الديمقراطية للصحة (ODT).
ولجأت النقابات، إلى وحدة الصف في إطار هذا التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة بغرض توحيد الجهود من أجل فرض تلبية المطالب المشروعة والعادلة للأسرة الصحية بكل فئاتها وفي شموليتها ماديا ومعنويا ومن أجل مواجهة التهميش الحكومي، لافتة إلى أن هذا القطاع الحيوي يجب أن يضمن خدمات صحية جيدة لكافة المواطنين.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :