على شاكلة استهداف ترامب.. 32 عامًا مرت على تصفية بوضياف أمام عدسات الكاميرات بعد أن أراد إنهاء مشكلة الصحراء
أعادت محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس الأمريكي السابق، والمرشح للانتخابات الرئاسية حاليًا عن الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، إلى الأذهان العديد من عمليات الاغتيال التي تعرض لها قادة دول وزعماء سياسيون على الهواء مباشرة، أبرزها جريمة اغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف، الذي تشاء الصدف أن تكون واقعة بنسلفانيا متزامنة مع ذكرى رحيله.
ورحل بوضياف عن العالم يوم 29 يونيو 1992، أي أنه قبل أسبوعين فقط حلت الذكرى الـ32 لمقتله أمام عدسات الكاميرات وهو يلقي خطابًا كان يحاول فيه حشد دعم الجزائريين لجهوده من أجل إخراج البلاد من عنق الزجاجة، وهي التي دخلت حينها النفق المظلم المعروف بـ"العشرية السوداء"، لكن بالنسبة للجيش الذي استولى حينها على مقاليد السلطة عمليًا كان له رأي آخر.
وقُتل بوضياف من طرف الملازم مبارك بومعرافي، وهو عنصر في قوات التدخل السريع وأحد المكلفين بحماية رئيس الجمهورية، لأسباب غير معروفة إلى الآن، لكن الثابت أنه سيموت أيضًا بطريقة غامضة 10 سنوات بعد ذلك، داخل السجن، بسبب "حريق"، كما أن المؤكد أيضًا هو أن الرئيس حينها كانت له مواقف مضادة للجيش، وخصوصًا فيما يتعلق بقضية الصحراء.
وبوضياف، المولود في 23 يونيو 1919، كان أبرز قادة الثورة الجزائرية المتبقين على قيد الحياة في يناير من سنة 1992، حين قرر المجلس الأعلى للدولة، الذي تسيطر عليه المؤسسة العسكرية، أن يأتي به ليكون رئيسًا للجمهورية إثر إجبار سلفه الشاذلي بن جديد على الاستقالة، والانقلاب بالتالي على نتائج الانتخابات التي أعطت فوزًا كاسحًا للجبهة الإسلامية للإنقاذ.
واستجاب بوضياف للنداء، معتقدًا أنه سيحمل معه مفاتيح الحل، ليغادر مدينة القنيطرة في المغرب، حيث كان يقطن في منفاه الاختياري لمدة ثلاثة عقود، هربًا من تهمة رفاقه السابقين له في الستينات المتعلقة بـ"التآمر على أمن الدولة"، والتي أدت إلى الحكم عليه بالإعدام، ليبدأ مسارًا لن يكون طويلًا، توعد فيه الفاسدين وتعهد بإصلاح العلاقات مع المغرب.
وأبدى بوضياف رغبة في إنهاء الصراع حول الصحراء، وذلك أمام القادة العسكريين الجزائريين، ومن بينهم خالد نزار والعربي بلخير وعلي كافي، وفق ما حكاه الضابط الجزائري السابق والمعارض الحالي أنور مالك، لدرجة أن كافي هدد بصراحة قائلًا إن الأمر "يتعلق بقضية من ثوابت الجزائر التي لا يمكن التخلي عنها ولو بالدماء".
وارتباط مقتل بوضياف بملف الصحراء أكده ضمنيًا أيضًا خالد نزار، الذي كان وزيرًا للدفاع وقت عملية الاغتيال، ففي حوار مع صحيفة "الشروق" سنة 2016 لم يجتهد في إخفاء صراعه مع بوضياف، حين أورد "لقد كان يريد الذهاب إلى المغرب دون أن يكون ذلك في علمنا، ولم أعرف بالأمر حتى أخبرني به الجنرال توفيق (رئيس جهاز المخابرات)، قائلًا إنه كان يريد أن يذهب بصفته رئيسًا للجمهورية، في حين هناك مشكلة الصحراء الغربية ونحن نعرف موقفه بخصوص هذا الأمر".
وتابع نزار "موقفه كان هو أن مشكلة الصحراء الغربية لم يكن يجب أن تحدث، وعبر عن ذلك حين كان مستقرا بالمغرب، وهو أيضًا موقف الحزب الذي أسسه، وحين علمت بأنه ذاهب إلى المغرب باعتباره رئيسًا، رفضت أن أتحدث معه، لكن الجنرال توفيق ذهب للقاء به"، مضيفًا أنه بعدها جرى الإعلان عن الأمر يتعلق برحلة عائلية.
ولم يستمر بوضياف بعدها، الذي يقول نزار نفسه إنه لم يكن أحد يعترض على أن يكون المرشح الوحيد لانتخابات رئاسة الجمهورية في غضون أشهر، سوى لفترة وجيزة في موقعه كرئيس للمجلس الأعلى للدولة، حيث جرى اغتياله وهو يلقي خطابًا متلفزًا، وإلى اليوم لا يزال مقتله "سرا من أسرار الدولة" التي لا تريد الجزائر كشف ملابساته.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :