خاص - ماذا يعني "الاعتراف" الفرنسي بمغربية الصحراء الذي أغضب الجزائر وجعلها تُسَرِّب مضمون "إبلاغ دبلوماسي" من باريس؟
لم تتوقف الخطوط "الساخنة" بين الجزائر وباريس طيلة الأسبوعين الماضيين، حينما أبلغت فرنسا قصر المرادية أنها "ستعترف بمغربية الصحراء" بشكل متقدم عن التصريحات السياسية التي كان يدلي بها مسؤولوها طيلة السنوات الماضية.
ووفق مصادر دبلوماسية تحدثت لـ"الصحيفة"، فإن باريس ارتأت "إبلاغ" الجانب الجزائري بقرارها وفق القواعد والأعراف الدبلوماسية المعمول بها، بما أنها الطرف الممول والداعم والمحتضن لجبهة "البوليساريو" الانفصالية التي تتواجد مخيماتها على الأراضي الجزائرية.
القرار الفرنسي كان مفاجئا للنظام الجزائري الذي حاول طيلة الأسبوعين الماضيين الضغط بكل الوسائل المتاحة لتغيير الموقف الفرنسي قبل الإعلان عنه رسميا، بما في ذلك التهديد بفسخ عقود شركة "طوطال إنرجيز" الفرنسية التي تشتغل في مجال الطاقة جنوب الجزائر وإبطال شراكتها مع مجمع "سوناطراك" كما هو حَال اتفاقهما على تطوير موارد الطاقة بمنطقة الشمال الشرقي "تيميمون"، الذي وُقِعَ بخصوصه مذكرة تفاهم شهر أبريل الماضي.
مصادر "الصحيفة" أكدت أن الطرف الجزائري لعب جميع أوراقه ضد فرنسا لثنيها عن "الاعتراف" بمغربية الصحراء بـ"شكل قانوني" وتجاوز الشق الدبلوماسي الذي كان يدلي به الساسة الفرنسيون طيلة عقود، وهذا ما أغضب النظام الجزائري بشكل كبير وجعل رد فعله "غير متزن" للقواعد الدبلوماسية وفق ذات المصادر.
فما الجديد في القرار الفرنسي الذي أغضب الجزائر؟ تقول مصادر "الصحيفة" أن القرار الفرنسي بالاعتراف بمغربية الصحراء واعتبار الحكم الذاتي الحل الوحيد والأوحد لحل للنزاع سيتجاوز التصريح الدبلوماسي إلى "اعتراف قانوني لدولة". بمعنى آخر أن فرنسا ستوزع مذكرة إلى أعضاء مجلس الأمن عبر ممثلها الدائم تعلن من خلالها لجميع الأعضاء في المجلس بالاعتراف بمغربية الصحراء، وتعتبر أن مقترح الحكم الذاتي هو "الأساس والحل الواحد والأوحد لحل نزاع الصحراء".
ووفقًا لهذه الرسالة، تقول مصادر "الصحيفة" إنه يتعين على رئيس مجلس الأمن تعميمها مع وثيقة الاعتراف الفرنسية بمغربية الصحراء على جميع الأعضاء الدائمين وغير الدائمين، حيث ستصبح قرارًا واعترافًا رسميًا من دولة في قضية معروضة على المجلس.
هذا، وَسَيلي ذلك، إبلاغ جميع الهيئات والبعثات الدبلوماسية الفرنسية في جميع أنحاء العالم بتضمين هذا الاعتراف في ديباجتهم ومراسلاتهم والخرائط التي تتواجد في هذه البعثات والهيئات، حيث يجب تغييرها بخرائط للمملكة المغربية بصحرائها بدون أي خط فاصل، وهو ما سينطبق أيضا على جميع الوزارات الفرنسية، ووسائل الإعلام التابعة للدولة.
وهذا التغير الهائل في القرار الفرنسي الذي سيصبح مرسوما رسميا عند الإعلان الرسمي عنه جعل الجزائر تمارس كل الضغوط المتاحة لثني فرنسا عن هذا الاعتراف، بما فيه التهديد بتجميد مصالح باريس في الجزائر خصوصا في مجال الطاقة حيث لمجموعة "طوطال إينرجي" العديد من المشاريع الطاقوية، وهو ما انعكس على رد فعل النظام الجزائري الذي قام بتسريب رسالة فرنسا الدبلوماسية حول الصحراء ببلاغ نشرته وزارة الخارجية الجزائرية حمل العديد من أوصاف التهديد والوعيد لباريس.
وحسب ذات المصادر التي تحدثت لـ"الصحيفة" فإن بلاغ وزارة الخارجية الجزائرية جاء بعد استنفاذ كل المحاولات لثني فرنسا عن قرارها حول الصحراء، خصوصا أن النظام الجزائري يدرك قيمة القرار الفرنسي الذي سيكون بمثابة منعرج حاد في القضية بما أن فرنسا عضو دائم في مجلس الأمن وتملك حق الفيتو كما لها ثقل كبير داخل الاتحاد الأوروبي، وقرارها امتداد للاعتراف الأمريكي والدعم البريطاني والحياد الصيني والتحفظ الروسي، وهم الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والمتحكمين في القرارات الكبرى التي تصدر عن المجلس وتصبح ملزمة لجميع الدول والأطراف وفق القانون الدولي.
ويأتي القرار الفرنسي كثاني اعتراف قانوني لدولة عضو دائم بمجلس الأمن بعد القرار الأمريكي سنة 2020 حينما اعترفت واشنطن بمغربية الصحراء وبخطة الحكم الذاتي لحل النزاع، حيث وزعت الممثلة الدائمة للولايات المتحدة الأمريكية بمجلس الأمن كيلي كرافت رسالة مؤخرة في 15 دجنبر 2020 على جميع أعضاء المجلس أعلنت من خلالها أن الولايات المتحدة الأمريكية تتشرف بتقديم الاعتراف بسيادة المملكة المغربية على الصحراء الغربية" حيث اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بـ"أن إقليم الصحراء الغربية إقليم بأكمله جزء من المملكة المغربية، وبأن الحكم الذاتي هو الأساس والوحيد لحل عادل ودائم للنزاع في الإقليم". كما طالبت ممثلة واشنطن بمجلس الأمن بتعميم هذا الاعتراف وما يرافقه باعتباره وثيقة من وثائق مجلس الأمن.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :