المغرب وفرنسا "يعبران الصحراء" بعد سنوات من "البرود الدبلوماسي" والتوتر السياسي

 المغرب وفرنسا "يعبران الصحراء" بعد سنوات من "البرود الدبلوماسي" والتوتر السياسي
  الصحيفة - خولة اجعيفري 
الجمعة 2 غشت 2024 - 11:15

اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مناسبة احتفال المغرب بربع قرن من جلوس الملك محمد السادس على العرش ليقدم للرباط هدية دبلوماسية وسياسية بالغة الأهمية، تكمن بدعم صريح لباريس لمغربية الصحراء، واعتزامها "التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي"، ما يجعل من هذه الخطوة التي لطالما رفضتها فرنسا لخمسة عقود مفضلة اكتناف الغموض في مواقفها، "مهمة واستثنائية سيكون لها ما بعدها لصالح الملف المغربي وتسريع وتيرة إنهاء هذا النزاع المُفتعل" وفق تقديرات خبراء ومراقبين استبعدوا قيام باريس بمحاولات لتليين الموقف الجزائري بعدما أبان قصر المرادية عن تطرف في التعامل مع هذه الخطوة.

وتُوجت المفاوضات واللقاءات الصامتة والرسمية، التي قادتها الدبلوماسية المغربية ونظيرتها الفرنسية لأشهر مضت، برسالة ثقيلة سياسيا وجهها إيمانويل ماكرون للملك محمد السادس، تُخرج باريس من حالة الصمت والغموض إزاء قضية الصحراء المغربية، إلى رحاب الإعلان الصريح عن دعم مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 بوصفه "واضح وثابت"، وبات "يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة". وفق رسالة ماكرون للملك محمد السادس.

 وعلى الرغم من أن فرنسا كانت داعمة بشكل رئيسي للرباط في المحافل الدولية - سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو في مجلس الأمن - في القرارات والمواقف ذات الصلة بموضوع الصحراء، إذ صوتت و12 عضوا بمجلس الأمن لصالح قرار تمديد عمل بعثة المينورسو لعام واحد، الأمر الذي يخدم الموقف المغربي نسبيا في قضية الصحراء مقابل امتناع كل من روسيا وكينيا، لكن الرباط ظلت تنتظر أكثر من هذا من شريكها التقليدي في ظل التحول الذي شهدته قضية الصحراء لصالح المغرب منذ الاعتراف الأميركي، والإسباني بها، وهو ما عبّر عنه ملك البلاد سنة 2022 بشكل صريحا بقوله: "ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل" في إشارة واضحة إلى فرنسا.

وبات موقف الدول من قضية الصحراء المغربية، قاعدة أصيلة ترسى على أسسها العلاقات والشراكات ما عجّل من وتيرة مراجعة باريس لمواقفها إزاء هذا الملف من أجل إصلاح ذات البين مع الرباط، سيّما في خضم التحول المهم الذي طرأ على لهجة وخطاب ونبرة الدبلوماسية المغربية منذ دعم الولايات المتحدة الأمريكية لسيادة المغرب على أراضيه ثم الدعم الإسباني الذي قوّى من براغماتية المملكة، إذ شدّدت الرباط  أكثر من مرة بضرورة الخروج من وضعية "المنزلة بين المنزلتين" ومغادرة المنطقة الرمادية إلى الوضوح كون هذا الملف هو "ترمومتر"  العلاقات الدبلوماسية للمملكة المغربية.

وفي هذا الإطار، يرى المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية، حسن بلوان، أن الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء لم يكن بالهين، سيما وقد جاء "بهذه القوة والشجاعة" التي تضمّنتها رسالة إيمانويل ماكرون لعاهل البلاد، وبات أهم المواقف الدولية الداعمة لمخطط الحكم الذاتي الى جانب كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا.

بلوان، وفي تصريح خص به "الصحيفة"، اعتبر أن الموقف الفرنسي بالصلابة والشجاعة، حيث تجاوز المواقف العادية الداعمة لمغربية الصحراء على غرار عدد من الدول إلى خطوة "بلورة خطط مستقبلية ستنخرط فيها باريس لتجسيد هذا الموقف في إطار السيادة المغربية على إقليم الصحراء، وهذا ينسجم إلى حد كبير مع العلاقات التقليدية التاريخية والحتمية التي تربط البلدين"، وفق الخبير في العلاقات الدولية الذي شدّد على أن فرنسا شكلت دائما حليفا استراتيجيا بالنسبة للمملكة، وكثيرا ما صرح مسؤولوها بدعمهم للمملكة المغربية على مستويات متعددة أهمها داخل أروقة مجلس الأمن.

 ويكمن الموقف القوي للجمهورية الفرنسية الأخير، وفق الخبير ذاته في أنه يؤكد بشكل لا لبس فيه أنها ستتحرك وفق هذا المبدأ على مستوى الاتحاد الأوروبي، وكذلك على مستوى السياسة الداخلية خاصة، وأن هناك شبه إجماع في مسألة دعم الوحدة الترابية للمملكة بين جميع الأحزاب الفرنسية التي تصدرت المشهد الانتخابي الأخير (أقصى اليسار، الوسط الماكروني، اليمين الجذري).

من جهة ثانية، يعتبر بلوان أنه وعلى الرغم من التعنت الجزائري ورد الفعل المتشنج الذي أبداه قصر المرادية إزاء الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، "فمن غير المستبعد أن تقوم باريس بمحاولات لتليين الموقف الجزائري المتطرف، من خلال مفاوضات وفق مبادئ الأمم المتحدة، خاصة وأن الجزائر طرف مباشر في هذا النزاع المفتعل".

ولم يكُن الإعلان عن هذا الموقف الفرنسي الذي وصفه بلوان بـ "القوي"، يسيرا أو سهل الحدوث، فقد جاء، وفق الخبير في العلاقات الدولية بعد دراسات ومشاورات معمقة، سبقتها تصريحات وزيارات عالية المستوى للأقاليم الجنوبية، والتي وقفت على حجم التنمية والتطور الذي تعرفه الصحراء المغربية، وعلى هذا الأساس ستنخرط فرنسا لا محالة في تمويل وإنجاز مشاريع تنموية واقتصادية من خلال استثمارات ضخمة تهم الاقاليم الجنوبية، خاصة في ما يتعلق بالبنية التحتية.

ونبّه المتحدث، إلى صانع القرار الفرنسي اتخذ هذا الموقف القوي، بعدما اقتنع أن استعادة النفوذ الفرنسي لا يمكن إلا من خلال البوابة الحصرية التي يشكلها المغرب، وأن المدخل الاقتصادي لأفريقيا لا يمكن من دون ميناء الداخلة الأطلسي الاستراتيجي والواعد.

وطيلة الأشهر الماضية، بدا لافتاً توالي مؤشرات حدوث تحول وانفراجة في الموقف الفرنسي وانتقاله من التأييد المستمر منذ 2007 لمقترح الحكم الذاتي إلى الاعتراف الصريح وغير القابل للتأويل بمغربية الصحراء، خاصة بعد إحراز تقدم في طي صفحة أزمة عميقة وغير مسبوقة شهدتها العلاقات بين البلدين منذ عام 2021، كان من أبرز مظاهرها حالة فراغ دبلوماسي بعد تجميد زيارات مسؤولي البلدين المتبادَلة والبرود في العلاقات مع تأجيل أكثر من مرة الزيارة التي كانت مرتقبة لإيمانويل ماكرون إلى المغرب.

وفي فبراير الماضي، قال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني على هامش زيارة قام بها إلى المغرب، إن "المغرب يسعه الاعتماد على فرنسا للدفاع عن أولوياته اليوم وفي المستقبل"، مشدداً على أن "الصحراء رهان وجودي بالنسبة للمغرب وفرنسا تعرف ذلك، وهناك مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب منذ سنة 2007 ومنذ ذلك الوقت فإن المغرب يجب أن يعتمد على دعم فرنسا الواضح والدائم لهذا المخطط، وموقفنا البحث عن حل سياسي ومستدام وفق مقررات مجلس الأمن".

ورحب الملك محمد السادس في رسالة وجهها لنظيره الفرنسي: "بشكل خاص، بالموقف الواضح والقوي الذي تبنته فرنسا، في رسالتكم، بشأن موضوع الصحراء المغربية، وإنني أقدر عاليا الدعم الواضح الذي تقدمه بلادكم لسيادة المغرب على هذا الجزء من أراضيه، وثبات الدعم الفرنسي للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل لهذا النزاع الإقليمي، وبالتالي تكريس المخطط الذي تقدم به المغرب، منذ 2007، كأساس وحيد لتحقيق ذلك".

وأكد الملك محمد السادس أنه "من خلال الاعتراف للمغرب بأسانيده القانونية وحقوقه التاريخية، تساهم فرنسا في تعزيز الدينامية الدولية التي تدعمها، بالفعل، العديد من البلدان، من أجل وضع حد لنزاع موروث من حقبة أخرى".مشيرا إلى أنه "وبفضل التطور بالغ الدلالة الذي شهده الموقف الفرنسي، وعزمكم القوي على العمل، وفقا لذلك، على المستويين الداخلي والدولي، سيتمكن بلدانا من العمل معا من أجل التوصل إلى حل يحترم بالكامل، في إطار قرارات الأمم المتحدة، سيادة المغرب على صحرائه"".

وتابع الملك محمد السادس "يُدرك الشعب المغربي وقواه الحية أهمية هذا القرار، الذي صدر عن عضو دائم بمجلس الأمن، ومُطلع وثيق على ماضي شمال أفريقيا وحاضرها، وشاهد عن كثب على تطور هذا النزاع الإقليمي. وفي هذا السياق، وبفضل الدينامية الإيجابية التي تشهدها علاقاتنا الثنائية، تنفتح آفاق واعدة لبلدينا في العديد من القطاعات الاستراتيجية، مما سيساهم في تعزيز الشراكة الاستثنائية المبنية، منذ عقود، على الصداقة والثقة".

واختُتمت الرسالة الملكية بالإعلان عن زيارة مرتقبة لماكرون إلى المملكة، إذ جاء فيها "من هذا المنطلق، وكما أشرنا إلى ذلك خلال اتصالاتنا السابقة، سأكون سعيدا باستقبالكم في المغرب، في إطار زيارة دولة يتم تحديد تاريخها عبر القنوات الدبلوماسية".

غصّة بنكيران

لا يُفوت رئيس الحكومة الأسبق، والأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" الحالي، عبد الإله بنكيران، فرصة إلاّ ويرمي بكل التعب النفسي الذي مازال يحمله في دواخله منذ "البلوكاج الحكومي" الذي تلا ...

استطلاع رأي

من تُرشح ليكون أفضل لاعب مغاربي لسنة 2024؟

Loading...