هل انتهى التعاقد في قطاع التعليم؟
بعد الحراك التعليمي الذي خاضه رجال ونساء التعليم وصدور النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية، أثير النقاش من جديد حول نهاية التعاقد في قطاع التربية الوطنية بين مؤيد ومعارض، وبين الرواية الحكومية التي أكدت طي هذا الملف، وبين رواية المعنيين بالأمر التي ترى أن التعاقد انتهى بشكل صوري فقط. فهل انتهى فعلاً نمط التوظيف بالعقدة أم لا؟ هذا السؤال هو ما سنحاول الإجابة عنه من خلال تحليل بعض المعطيات والمحطات التاريخية لبروز هذا النموذج من التوظيف.
بدأ الحديث عن التوظيف بالتعاقد مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999، من خلال البند 135 الذي نص على "تنويع أوضاع المدرسين الجدد من الآن فصاعداً، بما في ذلك اللجوء إلى التعاقد على مدد زمنية تدريجية قابلة للتجديد، على صعيد المؤسسات والأقاليم والجهات، وفق القوانين الجاري بها العمل". كما تم اعتماده في المخطط الاستعجالي سنة 2009، وأشير إليه في القانون المنظم للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ومروراً بالرؤية الاستراتيجية 2015/2030 والقانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.
في أكتوبر 2016، تم التوقيع على المقرر المشترك رقم 7259 بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ووزارة الاقتصاد والمالية، بشأن توظيف الأساتذة بموجب عقود مع الأكاديميات الجهوية.
خلال هذه المرحلة، اعتبرت الحكومة أن التوظيف بالتعاقد خيار استراتيجي لا تراجع عنه، وهو المخرج الأساسي لسد الخصاص المهول في الموارد البشرية بالقطاع، بالإضافة إلى الانسجام مع ورش الجهوية المتقدمة وتعزيز دور الوحدات الجهوية، وتخفيف العبء على المركز سواء على مستوى التدبير الإداري أو المالي.
من الجدير بالذكر أن الأساتذة الجدد كانوا في البداية يوقعون عقوداً مكتوبة مع الأكاديميات الجهوية، مع غياب الضمانات وضعف المركز القانوني للأساتذة وضبابية العلاقة الشغلية على مستوى الحقوق والواجبات. لكن بعد تنامي الاحتجاجات والإضرابات التي خاضها المعنيون بالأمر، خضع هذا النظام للتجديد أكثر من مرة، حيث تعاقب خمسة وزراء على تدبير هذا الملف، مما أدى إلى تقوية الموقع القانوني للأساتذة وتعزيز الضمانات والمماثلة مقارنة بالسنة الأولى لبداية هذا النظام.
وقد شكلت أبرز معالم هذا التحول التخلي عن توقيع العقد كما كان في السنة الأولى، وخضوع الأساتذة للأنظمة الأساسية الاثني عشر للأكاديميات، ثم إلغاء هذه الأنظمة فيما بعد، مروراً بالإلحاق بالصندوق المغربي للتقاعد، والتمكين من الاستفادة من الحركة الانتقالية الوطنية والالتحاق بالأزواج، بعد أن كانت الحركة والالتحاق داخل الجهة فقط. وفي هذا السياق، كان كل وزير وكل حكومة تصرح بنهاية التعاقد، رغم أن الحكومة التي سبقتها قد صرحت بنفس الأمر. ولعل آخرها ما صرحت به الحكومة الحالية بعد الحراك التعليمي وإدماج الأساتذة المتعاقدين رفقة النظاميين في نظام أساسي واحد، مما جعل قضية إنهاء هذا النمط من التوظيف تفقد معناها ودلالتها القانونية.
صحيح أن النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية قد نص على إدماج الأساتذة سواء الذين وظفوا قبل 2016 أو بعده في نظام واحد، لكن ذلك في النهاية لا يعني الإدماج في إطار الوظيفة العمومية، على اعتبار أن المادة 02 من النظام الأساسي قد ميزت بين فئتين: الأولى منبثقة عن النظام الأساسي السابق، وهم موظفو وزارة التربية الوطنية، والثانية تتعلق بالأساتذة الذين وظفوا طبقاً للقانون 07.00 المحدث للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. إذ عدلت المادة 11 منه بالقانون رقم 03.24، الذي جاء في إطار الملاءمة مع النظام الأساسي الجديد. هذه المادة تحدثت عن ما يسمى "بموظفي الأكاديميات" الذين يوجدون في وضعية قانونية ونظامية إزاء الأكاديميات، مما يجعلنا أمام فئتين من الأساتذة يشملهم النظام الأساسي، وهم موظفو الوزارة وموظفو الأكاديميات طبقاً للمادة 02 منه.
فيما يخص إطلاق لفظ "المتعاقدين" على الأساتذة، رغم عدم وجود عقد مكتوب، يمكن القول إنه من القواعد المعروفة في القانون الاجتماعي، أن العلاقة بين المشغل والأجير لا يشترط فيها وجود عقد مكتوب لإثبات العلاقة الشغلية، بل يكفي الاحتجاج بكل وسائل الإثبات. وبالتالي، فإن إطلاق مصطلح "أستاذ متعاقد" لا يشترط وجود عقد ليصح اللفظ، بل هو مصطلح دارج للدلالة على العلاقة الشغلية الهشة وغياب الإدماج في إطار الوظيفة العمومية. فرُوح وفلسفة التعاقد حاضرة على أساس نمط التوظيف بغض النظر عن المسميات (أطر الأكاديمية/متعاقدين/توظيف جهوي...).
ومن الشواهد الدالة على الارتباك في تدبير هذا الملف، واستمرار بعض تبعات التعاقد (كفكرة ونمط) ما يتعلق بكتلة الأجور، فبالرجوع إلى قانون المالية، الذي يتضمن الميزانية المتعلقة بكتلة الأجور لمختلف القطاعات الوزارية في إطار الوظيفة العمومية، نجد أن المناصب المخصصة لتوظيف الأساتذة الجدد غير مدرجة في إطار القانون المالي، بينما نجدها في إطار ميزانية الأكاديميات الجهوية. ناهيك عن الإشكالات المرتبطة بصرف الأجور، مثل التأخير الحاصل في أدائها والتباين والاختلاف بين الأكاديميات الجهوية. وهو ما حاولت الوزارة تجاوزه من خلال اتفاق بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الاقتصاد والمالية، بمقتضاه سيتم تحديد الكيفيات التقنية والمالية والميزانياتية والمحاسباتية لمعالجة وتسوية أجور الموارد البشرية، على غرار ما هو معمول به في تسوية أجور موظفي الدولة.
يضاف إلى ذلك إشكال آخر مرتبط بانتقال الأساتذة من أكاديمية إلى أخرى، والقطيعة المحدثة في المسار الإداري والمالي للأساتذة المنتقلين، حيث تبقى المستحقات المالية مرتبطة بالأكاديمية السابقة ولا تخضع لمعالجة الأكاديمية الجديدة. نفس الأمر على مستوى الوثائق الإدارية التي تظل رهينة الأكاديمية السابقة، مما يعني أن المنتقل للأكاديمية الجديدة يبدأ مساراً مهنياً جديداً رفقة الأكاديمية المستقبلة.
صحيح أن هناك تقدماً ملموساً على مستوى تعزيز المكانة القانونية للأساتذة وضمان مختلف الحقوق المتاحة للجميع، من خلال تراكم إصلاحي استمر لسنوات منذ 2016، كلف المنظومة الكثير، في الوقت الذي كان من الممكن معالجته بقرار سياسي واضح يغني عن كل ما سبق من نضالات وتضحيات وانتهاكات، واحتقان مستمر داخل المنظومة.
لكن بالرغم من ذلك، هل يمكن القول أن الأستاذ ما بعد 2016 أصبح موظفاً عمومياً؟ لا أعتقد ذلك، على الأقل وفق ما تحمله كلمة "موظف عمومي" من حمولة قانونية وإدارية وسوسيولوجية. فإن كانت الملاءمة والمماثلة حاصلة على المستوى العملي، فالتعاقد كفكرة ونمط لا يزال قائماً على المستوى الإداري والقانوني.