الفقيه الريسوني من إدانة جرائم إيران إلى الإشادة بها
قد يتساءل المرء عن أسباب النزول وكذا خلفيات المقالة التي نشرها الدكتور الريسوني تحت عنوان: "وأقيموا الشهادة". وهي المقالة التي أشاد فيها ظاهريا وحصريا بالشيعة وضمنيا بإيران. وأراد الدكتور الريسوني، من خلال المقالة/الإشادة تزكية تدوينة المرشد الإيراني خامنئي التي أعلن فيها أن " المعركة بين الجبهة الحسينية (يقصد الشيعة) والجبهة اليزيدية (يقصد أهل السنة) مستمرة ولا نهاية لها". فالتدوينة هي بمثابة إعلان حرب طائفية شاملة على كافة المسلمين من أهل السنة. وأراد الريسوني بمقالته تقديم خدمة لإيران من خلال:
1 ـ تزكية الحرب الطائفية المعلنة من طرف خامنئي وشرعنتها. فلم يجد من مدخل لهذه التزكية سوى قضية غزة/ فلسطين ليلمّع وجه ملالي إيران ويغسل أيديهم من دماء الشعوب العربية في سوريا والعراق واليمن. لقد تغاضى الريسوني عن كل تلك الجرائم المتمثلة في القتل والتهجير ونهب الثروات، ليخرج على أهل السنة بهذا الموقف الشاذ الذي لفّه/هرّبه في صيغة شهادة: "والشهادة التي أريدُ الآن أداءها، وأدعو إلى أدائها، إثباتا للحق وإقامة للقسط، وإزهاقا للباطل والجحود، هي أن المسلمين الشيعة قد أيدوا ونصروا إخوانهم المجاهدين في أرض فلسطين، وأبلَوْا في نصرتهم بلاء حسنا، وبذلوا في ذلك أرواحا وأموالا وأسلحة، وتضحياتٍ جساما، لم يقدم أهل السنة شيئا منها".
2 ـ الرد على الانتقادات الواسعة لمخططات إيران وأهدافها التخريبية في المنطقة العربية بقوله: "وهذه الشهادة إنما وجب أداؤها وإعلانها، لمواجهة الحملات الجاحدة والمشككة الظالمة، في شأن نصرة الشيعة للقضية الفلسطينية ولجهاد الشعب الفلسطيني". وهذا تزوير للواقع وتستر على المخطط الإجرامي التخريبي لملالي إيران الذي يستهدف الدول والمجتمعات السنية. فمنذ السيطرة على الحكم سنة 1979، أعلن الخميني أن الطريق إلى القدس تمر عبر بغداد؛ ليواصل خليفته تدمير بقية الدول (لبنان، سوريا، العراق، اليمن بعد أن كانت أطماعه في السعودية والبحرين لولا تكتل دول الخليج فأفشلت المخطط الإيراني. واليوم يسعى ملالي إيران لزعزعة استقرار الأردن ليشمله، لا قدر الله، المشروع التدميري).
3 ـ الرد على بيان رابطة علماء المسلمين بخصوص تدوينة خامنئي. إذ انتدب الريسوني نفسه، وهو الرئيس السابق لهذه الرابطة التي اضطر للاستقالة من رئاستها بسبب تصريحاته المسيئة للعلاقة بين المغرب وموريتانيا، لمواجهة البيان دفاعا عن إيران وتزكية لمخططاتها التخريبية. وجاء رد الرابطة قويا وفاضحا لتلك المخططات وكاشفا عن خدمتها للمشروع الإسرائيلي وخيانتها لإسماعيل هنية كالتالي: "أما بعد: ففي الوقت الذي خيَّب فيه النظام الإيراني الحالي، ما كان ينتظره (بعضهم) من نصرة حقيقية لأهل غزة، بعد أن خذلها القريب والبعيد، ولو مجرد ردٍّ شكليّ لحفظ ماء الوجه بعد استهداف القائد المجاهد (إسماعيل هنية) رئيس المكتب السياسي لحركة حماس -رحمه اللّه-، الذي طالته يد الغدر والخيانة على أراضيها، وبتخاذل ظاهر في حمايته وتأمينه؛ فإذا مرشد النظام الإيراني (علي خامنئي) يطلق جملة من التغريدات العجيبة، معلنًا فيها ميدانَ معركته الحقيقية التي يقاتل فيها، وعدوَّه اللدود الذي يواجهه، وأبدية الصراع مع من أسماهم اليزيديّة، وهو المصطلح التاريخي الذي يقصد به هو وغيره (أهل السنّة والجماعة)!.). لم يجد الريسوني من معطيات واقعية وإحصائيات ميدانية يرد بها على بيان الرابطة سوى شهادة الزور التي أشاد فيها بالشيعة وبإيران. وهو بهذا تنكّر لكل ما قدمته الدول العربية وشعوبها من تضحيات بالمال والنفس من أجل القضية الفلسطينية. بل تنكّر لجهود وطنه المغرب الذي يرأس لجنة القدس ويمول وكالة مال بيت القدس، الذراع الميداني للجنة القدس المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي، بنسبة 87% من مساهمات الدول، فيما تمتنع إيران عن المساهمة المالية بشهادة الراحل عبد الكبير العلوي المدغري في الكلمة التي ألقاها في الندوة التي نظمتها وكالة بيت مال القدس يوم 23 أبريل 2013، “هناك إحدى الجمهوريات الإسلامية (يقصد إيران) التي أصبحت تتحدى العالم بجيشها، وصواريخها، وبرنامجها النووي، وتخلّد كل سنة يوم القدس بمظاهرات حاشدة، لا تموّل مشروعا واحدا في القدس”. هذا فضلا عن بناء المغرب لمستشفى بغزة وإقامة مستشفيات ميدانية متعددة التخصصات، ومطارا وجامعة، بالإضافة إلى تخصيص المنح الدراسية للطلبة الفلسطينيين بالجامعات والمعاهد المغربية وتنظيم الرحلات الصيفية لفائدة أطفال فسطين. كل هذه الجهود المغربية وتلك التي قدمتها وتقدمها الدول العربية لفائدة الفلسطينيين تنكر لها الريسوني إرضاء لإيران ونكاية في رابطة علماء المسلمين وردا على الانتقادات الرسمية والشعبية لإيران التي تضحي بغزة، وبعدها الضفة الغربية، من أجل تنفيذ مخططاتها التخريبية في المنطقة. وهي المخططات التي تخدم أهداف إسرائيل وتيسر لها تنفيذها. وقد فضحها بيان رابطة علماء المسلمين كالتالي: " وتأتي هذه العبارات التي أطلقها (خامنئي) بما تحمله من حقد دفين على السواد الأعظم من المسلمين (السّنّة)؛ لتحمل في الوقت نفسه رسائل طمأنة للصهاينة ومن خلفهم، ليطلقوا أيديهم الملطخة بدماء الشعب الفلسطيني دون خوف من ثأر أو ردّة فعل!. ومع ما تحمله هذه الرسائل من حقد وبغضٍ؛ فإنها كذلك تكشف زيف الشعارات التي طالما أطلقها هذا النظام ورموزه؛ من شعارات نصرة (فلسطين والقدس والأقصى إلخ)! وهي الشعارات التي انخدع بها من لا يدرك ما يحمله هؤلاء من بغضاء لهذه الأمّة الماجدة، ولصحابة الصادق الأمينﷺ، رضي اللّه عنهم أجمعين!. إنّ هذه الكلمات التي أطلقها خامنئي والحقّ يقال: هي بيان واضح لا لبس فيه عن حقيقة موقفهم المخزي من القضية الفلسطينية والمتاجرة فيها، عن طريق شعارات يروّجون بها لثورتهم المزعومة، ويخدعون به أقوامًا غافلين!".
4 ـ لعب دول "الوكيل التجاري" لإيران وخدمة إستراتيجية التشيع التي تنهجها لغزو المجتمعات السنية. ومن أوجه الخدمة التي يقدمها الريسوني: تشجيع تنظيمات الإسلام السياسي على التطبيع مع التشيع مذهبا وإستراتيجية على النحو الذي تفعله حماس بارتمائها في أحضان الملالي والائتمار بأوامرهم، الأمر الذي جرّ الدمار والقتل والتهجير على سكان غزة. فالريسوني بات يدرك أن منزلته داخل رابطة علماء المسلمين مهزوزة منذ استقالته، مضطرا، من رئاستها، ولا حظ لها في تقلدها ثانية. لهذا اختار تجميل وجه إيران وتلميع صورتها التي لطختها بدماء المسلمين من أهل السنّة.
نفاق الريسوني وتناقضاته.
كان الريسوني مناصرا لمذهب أهل السنة وذائدا عن الراحل الشيخ القرضاوي ضد ما يلحقه من أذى الشيعة. فقد أقر بنفسه عبر مقالة بتاريخ 13/10/2008 تحت عنوان "أهل السنة يدافعون عن الشيعة
والشيعة يشتمون إمام أهل السنة !!" جاء فيها إقراره التالي: "ومن المعلوم أن قاعدة السب والشتم والقذف، لفضلاء الأمة وأعيانها، هي أحد مواطن الخلاف والتوتر بين السنة والشيعة على مر التاريخ. ومعلوم أيضا أن بعض علماء الشيعة يحاولون تخليص طائفتهم من هذه القاعدة الشنيعة التي تلازمهم … فلعلهم لا يبقون ساكتين على الشتائم والسفالات الصادرة من صفوف طائفتهم". أمام وضعية تهميشه داخل رابطة علماء المسلمين، وأفول صوته وتخلفه من مجاراة مبادرة تحديث مدونة الأسرة في المغرب لشذوذ آرائه وتطرف مواقفه، قرر الريسوني ركوب موجة المظاهرات المناصرة لغزة في البلدان العربية باستثناء إيران (لعلم الريسوني أنه تم تسجيل أكثر من 5000 مظاهرة بالمغرب منذ 7 أكتوبر 2023 إلى نهاية غشت 2024)، كما قرر الإشادة بالشيعة وبإيران خدمة لمخططاتها ولأجندات التنظيمات الإسلاموية التي فقدت شعبيتها وتحاول استرجاعها باستغلال مأساة غزة واتهام الأنظمة العربية بالتخاذل والعمالة مقابل الإشادة بإيران التي تسببت في جرْف غزة بالطوفان الذي أطلقته.
ولاء بعد عداء، وإشادة بعد إدانة.
يحق للمتتبع أن يتساءل: ألم يحضر الريسوني، بصفته عضوا، في مؤتمر علماء المسلمين الذي حضره ممثلو 76 رابطة ومنظمة إسلامية بالقاهرة يوم 13/6/2013، والذي دعا المسلمين إلى الوقوف "ضد النظام الطائفي المجرم"؟ ألم يشارك في صياغة بيان المؤتمر المندد بجرائم إيران؟ إن نسي الريسوني البيان الصادر عن المؤتمر إياه فلا بأس من تذكيره ببعض ما جاء فيه بخصوص إيران وحزب الله؛ بحيث اعتبر أن "ما يجري في أرض الشام من عدوان سافر من النظام الإيراني وحزب الله وحلفائهم الطائفيين على أهلنا في سوريا، يُعد حربا معلنة على الإسلام والمسلمين عامة". بل إن بيان العلماء دعا "شعوب الأمة الإسلامية إلى مقاطعة البضائع والشركات والمصالح الإيرانية".
فما الذي تغير لدى الريسوني؟ أهي قناعاته أم حساباته؟
إن هؤلاء الذين سبق واعتبرهم الريسوني ومعه علماء المسلمين أنهم "نظام طائفي مجرم" وأنهم يشنون حربا معلنة على الإسلام والمسلمين عامة"؛ ووقّع البيان بيده وبصفته نائب رئيس رابطة علماء المسلمين، صاروا، بين عشية وضحاها هم "المسلمين الشيعة قد أيدوا ونصروا إخوانهم المجاهدين في أرض فلسطين، وأبلَوْا في نصرتهم بلاء حسنا، وبذلوا في ذلك أرواحا وأموالا وأسلحة، وتضحياتٍ جساما، لم يقدم أهل السنة شيئا منها".
قد يظهر للوهلة الأولى أن الريسوني أراد بهذه الإشادة/"الشهادة" أن يكفّر عن تزكيته ومشاركته في كتابة بيان علماء المسلمين الذي صنف إيران وحزب الله "أعداء الإسلام والمسلمين". لكن هذا أبعد ما يكون عن وخز الضمير أو مراجعة الموقف. فالريسوني في "شهادته" لم ينصف أهل السنة ولا أقر لهم بأدنى فضل على المقاومة والصمود الفلسطيني. بل ظلمهم وأجحف في حقهم عن قصد وإصرار خصوصا وأنه كان يتوقع ردود فعل قوية على "شهادته" بقوله: "وأنا أعلم يقينا أن شهادتي هذه ستُغضب هؤلاء المشككين الجاحدين، وسيكررون علينا أساطيرهم المعلومة.. ولكني أقول لهم: أنا أُعول على الوقائع والأخبار المستفيضة المتواترة، ولا أبالي بالأقوال والظنون الخيالية المتهاترة". لقد اختار الريسوني خندقه الشيعي وأعلن ولاءه للملالي وتأييده لجرائهم، ولم يبق له سوى حفل الزّفة بحضرة المرشد خامنئي. فطوبى له بسوء الخاتمة على مائدة شاتمي الصحابة وقتلة الشعوب السّنية.