فوز ستاليني محرج
أن يتم " إنتخاب " الرؤساء العرب بالغالبية المطلقة من الأصوات وأن تحسم نتائج الإنتخابات من دورها الأول دون الحاجة الى تضييع الوقت وإثارة الجدل والترقب، فتلك هي طقوس " الديمقراطية " في جمهوريات البلاد العربية التي تتحكم لمبدأ " الأقلية تحكم الأغلبية الصامتة "، ولا غرابة أيضا في أن يتم تطبيق نظرية الوفاء الجماهيري للزعيم عادل إمام بتمكين المتوفين من الإدلاء بأصواتهم في الإنتخابات لصالح القائد " الروحي "، أو أن يتم تزويد مراكز التصويت بتكنولوجيا ذكية توفر على الناخب العربي عناء التنقل وكلفة المواصلات، لكن أن تتضارب أرقام نسب المشاركة و نتائج الإنتخابات وأن يبدي الفائز إمتعاضه عن ذلك فهذه سابقة لم تحدث في أعتى ديمقراطيات العالم ! .
نتائج الهيئة الوطنية للانتخابات فقزت قفزة صاروخية في ظرف آخر ثلاث ساعات من العملية وانتقلت من نسبة 26.45% إلى 03,48 % وكشفت عن شرخ كبير ما بين النسب التي حققها كل ناخب والنسبة الإجمالية المشاركة وهو ما دفع الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبون ورغم فوزه الكاسح بنسبة 94.65% الى انتقاذ بيان الهيئة وأرقامها " الضبابية " التي تسيئ الى فوزه والى شفافية العملية، وذلك في بيان مشترك حمل توقيع مديريات الحملة الانتخابية للمرشحين الثلاثة.
مشاركة الفائز تبون في بيان الإمتعاض يمكن وصفها على أنها تنصل من أخطاء هيئة الأنتخابات الكارثية من باب إبعاد الشبهة في مسألة تضخيم النتائج وفيها من الرسائل المبطنة ما يشير إلى أن النتائج المعلنة لم تكن مبرمجة بدليل حدوث خطأ جسيم فيها لا يقع فيه تلاميذ الطور الإعدادي، حتى مشاركة المنافسين في هذا البيان لا يمكنها تغيير واقع ونتيجة الانتخابات النهائية وهي أو مطالبة بإعادة عملية فرز الأصوات أو العملية من أصلها ولكنها على الأقل تبعد شبهة المترشح " الكومبارس " أو " الأرنب " .
لحسن حظ تبون أن المنافسين الإثنين يرفضان النسبة ولا يرفضان النتيجة النهائية وينددان بالخسارة المذلة دون التشكيك في نزاهة الإنتخابات وأحقية تبون في لقب " الفائز " ولحسن حظه أيضا أن الأغلبية الصامتة قد ساهمت في فوزه الكاسح و أن المعارضة التي أفرغت من محتواها لا تملك مشروعا ولا زعيما سياسيا قادرا على منافسة السلطة على كرسي الرئاسة ولحسن الحظ أيضا أن الجزائريين شأنهم شأن الشعوب العربية الأخرى قد طلقو السياسة وأداروا ظهرهم للسياسيين وإختارو الصمت كممارسة سياسية وكأسلوب رد على السلطة الحاكمة.
داخل الجزائر لاوجود لإعلام مستقل يمكنه تسليط الضوء على تفاصيل العملية الإنتخابية وتضارب النتائج المعلنة وانتقاد ما حدث ولو بمهنية إعلامية بعيدة عن التحيز، لهذا ليس غريبا أن يتجاوز الإعلام سقطة الأرقام في انتخابات الرئاسة في صمت وأن يتم التعقيب عن " المهزلة " باقتضاب شديد وفي حدود ما يسمح به مقص الرقيب، لم تعد الصحافة تتمتع بالسقف العالي من الحريات التي وفرها نظام بوتفليقة عندما كان يسمح بنشر الكاريكاتير الساخر والمقال الناقد والناقم على الأحوال الاقتصادية والإجتماعية، حتى أن الماكينات الإعلامية التي عارضت النظام في فترة أدخلت بيت الطاعة طوعا وكراهية وتحولت الى بوق ينشر البروباغندا بعد أن وضعت أقلامها في خدمة من يمولها ووافقت على مضض على الحدود الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها حتى يسمح لها بمزاولة عملها، لذلك لا تستغرب تشابه عناوين ومواضيع افتتاحيات الجرائد والمواقع الإلكترونية ومزاولتها التطبيل والتمجيد والمباركة بفوز تبون الكاسح رغم كل ما حصل.
ولأنه لا وجود لمشهد سياسي حقيقي في الجزائر ولا لعمل حزبي باستثناء عمل " أحزاب الموالاة "، ولامعارضة سياسية حقيقية سواء في الداخل أو الخارج يمكنها أن تنافس السلطة وتوقف عجلة قطار تبون نحو الولاية الثانية فإن القطار وصل إلى الوجهة الأخيرة دون عقبات وبقليل من الجهد، ولكي نكون منصفين فإن نجاح تبون الكاسح لا يحتاج الى تزوير لأنه يأتي كنتيجة منطقية وحتمية لممارسات أفرزت تصحرا سياسيا ومع الفشل الإقتصادي الذي ألقى بظلاله على جميع مناحي الحياة في الجزائر كان العزوف الشعبي الواسع حاضرا و مكن الأقلية من فرض منطقها على الأغلبية الصامتة.