مغاربة عالقون تحت القصف الإسرائيلي في بيروت يناشدون وزارة الخارجية عبر "الصحيفة" تنظيم عملية إجلاء لهم من لبنان
يعيش أفراد الجالية المغربية في لبنان، لحظات من الخوف والترقب، عالقين بين نيران الحرب المشتعلة بين "حزب الله" وإسرائيل، في ظل شح المعطيات من السفارة المغربية في بيروت عن مصيرهم، وإن كانت هناك رحلات إجلاء لهم ستقوم بها وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج في ظل الوضع الصعب في لبنان.
وتُظهر التصريحات التي استقتها "الصحيفة" من عدد من المغاربة المقيمين في لبنان، بحجم الرعب الذي يعصف بهم بسبب الوضع الأمني الهش في البلاد مع تصاعد الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" خلال الساعات الماضية. مواطنة مغربية تدعى (نعيمة.و)، وهي واحدة من المغاربة المقيمين في لبنان، وبالضبط في قرية "ياطر" اضطرت إلى النزوح إلى العاصمة بيروت خلال الأيام الماضية بعد أن تعرّضت لقصف إسرائيلي كثيف هذا الأسبوع أدى إلى سقوط عشرات من الضحايا.
تحكي نعيمة، المتزوجة منذ 13 عاما من لبناني والأم لطفلين يحملان الجنسية المغربية، بأسى كبير عن حجم ما قاسته منذ الثلاثاء الماضي، عندما اضطرتها الغارات الإسرائيلية هي وزوجها إلى ترك بيتهما في سبيل إنقاذ حياة الأسرة، موردة: "اتخذنا القرار بسرعة. لم يكن هناك مجال للتفكير أو التردد، فإما أن تعيش أو تموت. ببساطة الأمر مرعب جدا، ونحن مازلنا نُقاوم لنعيش وننقذ أسرتنا الصغيرة"، مضيفة بحشرجة صوت لـ "الصحيفة": "وصلنا بيروت بعد معاناة طويلة، وحاليا نحن ضيوف في بيت أحد أصدقاء زوجي ونقطن 23 فردا في بيت واحد. الأكيد أنه ليس المستقر الأخير لكن الإجار في بيروت مرتفع جدا في هذه الظروف، وارتفع أكثر بسبب هذه الأزمة خصوصا في المناطق المخصصة للمسيحيين على اعتبار أنها الأكثر أمانا حاليا".
وبحسب ما أكدته نعيمة لـ "الصحيفة"، لم تتواصل سفارة المملكة معها في أي وقت، بل هي شخصيا من بادر إلى الاتصال بالسفارة والتعبير عن رغبتها وأسرتها الصغيرة العودة إلى المغرب، مضيفة: "نحن في الحرب، وقد توقّفت حركة النقل الجوي بشكل شبه كلي من وإلى لبنان، وبات مصيرنا على كف عفريت. وبالفعل طالبنا ونُطالب السفارة بالتدخل لإجلائنا نحن رعايا المملكة، أنا وأبنائي من حاملي الجنسية المغربية فضلا عن زوجي، فقد أخبروني أنهم ينتظرون إشارة من الرباط، ونحن في حاجة ماسة لتعجيل هذه الإشارة فلسنا بمأمن أبدا".
ولا تختلف قصة نعيمة، في تفاصيلها عن عشرات من قصص مغاربة لبنان ممن تواصلت معهم "الصحيفة" خلال الأسبوع الجاري، فجميعهم متشدّقين في أمل التفاتة وتحرك عاجل من سفارة المملكة في بيروت يغير أقدارهم، بعدما باءت كل مُحاولتهم للخروج من لبنان بالفشل بما فيها مُحاولة النزوح إلى سوريا والأردن على غرار بعض اللبنانيين، وفق ما أوضحته (سناء.ا)، التي حاولت بمعية أصدقائها النزوج إلى الأردن، بيد أنها اصطدمت بعراقيل ضرورة استصدار التأشيرة الأمر الذي بات غير ممكنا حاليا. تقول في تصريحها لـ "الصحيفة"، إن فرض الدول المجاورة للتأشيرة على المغاربة خلافا للبنانيين فاقمت من مأساة البعض منهم ممن يحاولون النجاة بأية طريقة، وإن كان النزوح برا صوب دولة عربية أخرى سيما في ظل ارتفاع سمة الكراء في بيروت إلى مبالغ خيالية بسبب الأزمة، إذ تجاوزت في بعض المناطق ألفي دولار للشهر الواحد مع مطالب بضمانات على غرار دفع شهرين تسبيق، مضيفة: " كلما كانت المنطقة مسحية والأقل استهدافا، كلما كان سعر البيت الواحد أغلى إذ يترواح ما بين ألف وألفين دولار حتى الآن مع الضمانات، وهذا يعني أن موضوع السكن مُعقّد جدا. فحتى بعد نزوحنا لبيروت نواجه صعوبات أخرى في تحقيق الأمن".
أما مسلك النجاة الثاني، الذي يكون أمام النازحين بمن فيهم المغاربة، فهو البحر عبر سفينة متّجهة إلى قبرص، لكنه خيار في الحقيقة جد شاق وصعب تحقيقه بالنسبة لأفراد الطبقة المتوسطة، ذلك أنّ السعر المتوسط لرحلة الفرد الواحد تبلغ حوالي 1500 دولار على الأقل، وفي خضم الأزمة الاقتصادية وصراع الحرب الدائرة يبقى خيارا متاحا فقط للطبقة الغنية أو الثرية في البلد أو في صفوف الأجانب المقيمين في لبنان.
ووفق المعلومات التي تحصّلت عليها "الصحيفة" من مصادر غير رسمية في لبنان، فإنه من أصل 70.100 نازح مسجل بشكل رسمي لدى وزارة الخارجية اللبنانية، يوجد حوالي 1000 مغربي ومغربية نزحوا من الجنوب صوب بيروت مُعظمهم مغربيات متزوجات في البلد فيما العدد التقريبي للجالية المغربية المقيمة في لبنان وفق تقديرات المصادر ذاتها بحوالي 3500 مغربيا ومغربية، وهي المعطيات الرقمية التي لم يتسن لـ "الصحيفة" التحقق منها، حيث تم التواصل أكثر من مرة مع سفارة المغرب في بيروت دون أن نتلقى أي رد.
من جهة ثانية، فإن مصادر مسؤولة جيّدة الاطلاع فضّلت عدم الكشف عن هويّتها أكدت لـ "الصحيفة"، إنشاء سفارة المملكة لخلية أزمة منذ شهرين من أجل رصد أوضاع أفراد الجالية المغربية المتواجدين في المناطق المستهدفة، كما أنها تعبأت لمراقبة ومتابعة الوضع عن كثب، مشدّدة على أن مصالح السفارة استبقت الأوضاع الحالية بلائحة أولية تسجّل فيها منذ شهر حوالي 1500 مواطنا مغربيا حتى الآن، من خلال تقديم معلومات شخصية تهم أساسا أسماءهم وأسماء أطفالهم وأرقام التعريف المضمنة في الوثائق الثبوتية من بطائق وطنية أو جوازات سفر، سواء عن طريق الانتقال لمقر السفارة ببيروت حيث تستقبلهم مصلحة مختصة، أو إرسالها عبر البريد الإلكتروني أو رقم تطبيق الواتساب الخاص بالسفارة، وذلك من أجل تسهيل عملية الاجلاء في حالة استدعى الوضع ذلك.
وأوردت المصادر ذاتها، أن السفارة تتلقى يوميا عشرات الاتصالات من مواطنين مغاربة يُطالبون بتعجيل تنظيم رحلات جوية لإجلائهم إلى المغرب، أو إلى إحدى البلدان المجاورة الآمنة مثل قبرص أو تركيا، "بيد أن اتخاذ قرار من هذا الحجم، ليس في صلاحيات السفارة وإنما وجب أن يصدر قرار رسمي من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج".
ونبّهت المصادر ذاتها، إلى أن اللائحة الأولية التي تتوفّر عليها السفارة المغربية في بيروت طرأت عليها العديد من التغييرات وتُحاول المصالح المعنية تحيينها، ذلك أن العشرات من المغاربة سواء السيدات المتزوجات من لبنانيين وأبنائهم من حاملي الجنسية المغربية، أو المغاربة الموظفين غادروا البلاد في غضون الأسابيع الماضية التي سبقت شن القوات الإسرائيلية غاراتٍ مكثفة على مدن ومناطق عديدة بالأراضي اللبنانية، أي قبل اشتداد الأزمة، لافتة إلى أن سفارة المغرب في تنسيق مستمر مع وزارة الخارجية، للسهر على سلامة رعايا المملكة، فيما لا يوجد أي قرار يهم الإجلاء أو الترحيل حتى الآن.
وكان حزب التقدم والاشتراكية، قد طالب عبر رئيس فريقه النيابي رشيد حموني، في سؤال كتابي وجّهه الأربعاء الماضي إلى وزير الخارجية ناصر بوريطة، باطلاع المؤسسة التشريعية على التدابير المتخذة من طرف وزارته لأجل برمجة وتنظيم عمليات لضمان عودة المواطنات والمواطنين المغاربة من لبنان إلى أرض الوطن، بغاية وضع حد لمعاناتهم وهلعهم في ظل هذه الأوضاع الصعبة التي يعيشها لبنان، لافتا إلى أن الوضع في لبنان دفع العديد من المغاربة إلى توجيه نداءات ومناشدات إلى السلطات المغربية المختصة من أجل مساعدتهم على العودة الآمنة إلى أرض وطنهم المغرب، سواء من خلال برمجة رحلات جوية استثنائية أو عبر أية طريقة أخرى ممكنة وآمنة، سيما وأن بعض المغاربة في لبنان أبدوا عدم قدرتهم على تحمل تكاليف الرحلات الجوية في ظل إلغاء العديد من شركات الطيران العالمية رحلاتها من لبنان وإليه بسبب الوضع الأمني المتدهور.