في اليوم الأول من امتحانات كليات الطب.. مقاطعة واسعة بعد فشل كل محاولات الوساطة
في مشهد يعكس تفاقم أزمة طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان في المغرب ودخولها النفق المسدود مع فشل كل محاولات الوساطة، شهدت امتحانات الدورة الاستدراكية الاستثنائية، التي انطلقت اليوم الجمعة، بقرار من وزارة التعليم العالي، مقاطعة شبه كاملة تزامنا والمحاكمات التي طالت 28 طالبًا من كليات الطب، والتي زادت من التعقيد على أزمة لم تعرف طريقها للحل منذ تسعة أشهر.
وفيما يشبه حلقة مفرغة، لا تذهب المؤشرات الحالية حول انتهاء هذه الأزمة التي تُشارف على إطفاء شمعتها السنوية الأولى سيّما في ظل تمسّك طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان، بخيار مواصلة مقاطعة الامتحانات التي تدعو إليها الوزارة الوصية بين الفينة والثانية، وذلك في سياق البرنامج النضالي التصعيدي الذي سطّرته اللجنة الوطنية لطلبة الطب وهي تؤكد أن نضالهم "لن يسقط إلا بجلوس الحكومة على طاولة الحوار والكف عن مُحاولاتها لعرقلة محاولات الوساطة التي تقودها مؤسسات الدولة بما فيها البرلمان ومؤسسة وسيط المملكة".
ووفق المعطيات الأولية التي قدّمتها مصادر من اللجنة الوطنية لطلبة الطب لـ "الصحيفة"، فإن الامتحانات التي دعت إليها وزارة الميراوي بصفة أحادية وانطلقت اليوم الجمعة، تمت مقاطعتها بنسبة تجاوزت 93 في المائة من مختلف مؤسسات المملكة، فيما مُعظم من حضروا لاجتياز الامتحانات هم من الطلبة الأجانب، والمكررين وفق تأكيد المصادر ذاتها.
وأبرزت المصادر ذاتها، أن 98 في المائة من طلبة الطب في العامة الرباط قاطعوا هذه الامتحانات، فيما بلغت نسبة المقاطعة 94 في المائة بالنسبة لطلبة فاس، و99 في المائة بمراكش، و98 في المائة بالنسبة لطنجة، وفي أكادير حوالي 95 في المائة فقط، كما تم تسجيل مقاطعة كلية أي بنسبة 100 في المائة بالعيون، وفق المعطيات التي قدّمتها مصادر من اللجنة الوطنية لطلبة الطب لـ "الصحيفة".
وكان الطلبة قد أعلنوا، عن تنظيم إنزال وطني يوم السبت المقبل، تحت شعار "شباب المغرب وأطره من أجل حقوق صحية وتعليمية أفضل"، في خطوة تصعيدية جديدة تأتي لتضيف مزيداً من الوقود إلى نيران الأزمة التي طال أمدها، فيما تتعالى المخاوف من شبح "السنة البيضاء" الذي بات يهدد المسار الأكاديمي لأزيد من 15 ألف طالبا بعدما فشلت جهود الوساطة بين الطرفين، وسط استمرار تبادل الاتهامات بين الطلبة والحكومة.
واتهمت اللجنة الوطنية لطلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان، وزارة التعليم العالي بمحاولة عرقلة جهود الوساطة التي تقودها مؤسسة "وسيط المملكة"، من خلال فرض جدولة امتحانات بشكل أحادي الجانب، يرى فيها الطلبة خطوة محكومة بالفشل، على غرار كل المحاولات السابقة لإجراء الامتحانات، التي عمدت إليها الوزارة الوصية وتعتبرها "عربون" حُسن النية لحلحلة الأزمة.
وإلى جانب هذه التوترات، أعرب الطلبة عن سخطهم إزاء التدخلات الأمنية العنيفة التي ووجهوا بها خلال احتجاجاتهم السلمية في "الأربعاء الأسود" الذي شهدته الرباط الأسبوع الماضي، عندما تدخلت قوات الأمن بعنف لتفريق الاعتصام أمام كليات الطب، مما أدى إلى إصابات وإغماءات في صفوف المحتجين وأسرهم، فيما اتسعت دائرة الغضب بعدما تم اعتقال عدد من الأطباء الداخليين والمقيمين الذين انضموا إلى زملائهم تضامنًا، وهو ما زاد من استنكار النقابات والهيئات الحقوقية.
ومازاد "الطين بلة"، وفق الطلبة أن التدخلات الأمنية لم تقتصر على العاصمة الرباط، وإنما امتدت لتشمل مدن أخرى مثل طنجة والدار البيضاء ومراكش وأكادير، حيث تم قمع اعتصامات مشابهة، كما منعت السلطات تنظيم وقفات احتجاجية في مدن أخرى مثل كلميم وفاس.
وفي الوقت نفسه، استنكر الطلبة في بلاغ لهم توصّلت به "الصحيفة" استدعاء عدد من زملائهم للتحقيق، واصفين هذه الملاحقات القضائية بأنها "تصعيد خطير" يستهدف تكميم أفواههم ومعاقبتهم على تضامنهم السلمي، مستغربين باتهامات متعلقة "جرائم التضامن"، في حين أنهم كانوا يعبرون عن رأيهم بشكل سلمي، الأمر الذي يبقى مستقبل طلبة الطب في المغرب معلقًا وسط تعنت الحكومة واستمرار حالة الجمود، الذي يهدد بضياع عام دراسي كامل قد يُعمق أزمة القطاع الصحي والتعليمي في البلاد.
وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار قد أعلنت مساء الإثنين الماضي، أن كليات الطب والصيدلة ستتخذ عدة إجراءات على مستوى شعبة الطب، “في الوقت الذي لم يتوصل فيه بعد وسيط المملكة إلى تسوية مع ممثلي بعض الطلبة المنقطعين عن الدراسة”.
وأكدت الوزارة الوصية، أنه تقرر تمكين الطلبة الذين اجتازوا امتحانات الفصل الأول في دورة 5 شتنبر 2024، من استكمال امتحانات الفصل الثاني خلال دورة استثنائية خاصة ابتداء من الجمعة 4 أكتوبر 2024، إضافة إلى إجراءات أخرى، وهو ما يرفضه الطلبة من جانبهم مبديين تشبّثهم بالمقاطعة مع تنظيمهم اعتصامات إنذارية تعرضت لتدخلات أمنية لفضها كان أعنفها في العاصمة الرباط الأربعاء الماضي، في الوقت الذي تتابع فيه النيابة العامة بالرباط عدداً من طلبة الطب بتهم “العصيان والتجمهر غير المسلح” على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة الأربعاء الماضي.