الإبهار كمنهجية بيداغوجية وتربوية

 الإبهار كمنهجية بيداغوجية وتربوية
إسماعيل الحمراوي
الأحد 6 أكتوبر 2024 - 14:15

رغم الجدل الذي أثارته مشاركة الفنان الكوميدي حسن الفذ في المنتدى الوطني للمدرس، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تركزت الانتقادات على عدم وجود علاقة واضحة بين مسار الفذ الفني وبين قطاع التعليم، إلا أنه استطاع أن يبهر الجميع بحضوره المميز وتحليلاته العميقة حول دور المعلمين في تجربته الشخصية والمهنية. لم يكن الفذ مجرد ضيف شرف في هذا الحدث، بل قدم مساهمات جدية وقيمة حول كيفية تأثير المعلمين على مساره الدراسي وعلى اختياراته الحياتية والمهنية.

في حوار مع الصحفي عبدالله الترابي خلال المنتدى، طُرح سؤال على حسن الفذ حول الكلمة التي يختصر بها مسيرته كتلميذ، وأستاذ، وفنان. فأجاب الفذ بشكل بسيط لكنه معبر للغاية: "الإبهار". هذه الكلمة، رغم قصرها، تحمل في طياتها الكثير من المعاني العميقة التي تلخص تجربته الشخصية والتعليمية. فقد تحدث الفذ عن مدى تأثير المعلمين في تشكيل شخصيته الفنية من خلال أساليبهم الإبداعية والمميزة، التي كانت بمثابة نافذة على عوالم جديدة من المعرفة والإبداع. 

الإبهار، في سياق التعليم، لا يعني فقط القدرة على جذب انتباه التلاميذ لفترة قصيرة. إنه يعني القدرة على إحداث تأثير طويل الأمد في نفوس التلاميذ، من خلال استثارة فضولهم، وتحفيزهم على التفكير النقدي والإبداعي. هذه القدرة على الإبهار تفتح أبوابًا جديدة أمام التلاميذ، تدفعهم إلى استكشاف عوالم جديدة خارج نطاق المناهج الدراسية التقليدية. بالنسبة للفذ، كانت تلك اللحظات المبهرة في فصول الدراسة هي ما قاده في النهاية إلى عالم الفنون، وجعلته يكتشف شغفه الحقيقي.

أسلوب الإبهار في التعليم يتجاوز المفهوم البسيط للتعليم التلقيني، حيث يركز على جعل العملية التعليمية تجربة فريدة من نوعها. عندما يستطيع المعلم استخدام أدوات ووسائل تجعل الدرس تجربة لا تُنسى، يصبح التلميذ أكثر انخراطًا وأكثر استعدادًا للتعلم. أساليب الإبهار قد تشمل استخدام السرد القصصي، وربط الدروس بحياة التلاميذ اليومية، أو تقديم المفاهيم بطرق بصرية وحسية، تجعل المعلومات أكثر وضوحًا وأكثر ارتباطًا بعالمهم. هذه الطرق لا تجعل التعليم أكثر جاذبية فحسب، بل تسهم في ترسيخ المفاهيم في أذهان التلاميذ بطرق تتجاوز الحفظ السطحي.

ما يجعل تجربة حسن الفذ مع الإبهار مميزة هو أنها لم تكن تجربة عابرة، بل كانت تجربة تركت أثرًا عميقًا في مساره المهني والشخصي. فقد تحدث عن كيف أن معلميه لم يكونوا مجرد ناقلين للمعلومات، بل كانوا أشخاصًا ملهمين، زرعوا فيه حب الاستكشاف والابتكار. تلك الدروس التي تعلمها في المدرسة كانت بمثابة الأساس الذي انطلق منه ليصبح واحدًا من أبرز الفنانين في المغرب. الفذ لم يتوقف عند استلهام تلك التجربة، بل استمر في تطبيق نفس مبدأ الإبهار في حياته المهنية، حيث جعل من أعماله الفنية أعمالًا تحمل دائمًا عنصر الإبداع والتجديد.

الإبهار في التعليم لا يحتاج بالضرورة إلى تقنيات حديثة أو أدوات متطورة. بل يمكن تحقيقه بأساليب بسيطة لكنها فعالة، تعتمد على القدرة على تقديم المادة بطرق مختلفة تجعل التلميذ شريكًا فعليًا في العملية التعليمية، وليس مجرد متلقٍ سلبي للمعلومات. فعلى سبيل المثال، يمكن للمعلم في مادة العلوم أن يستخدم التجارب العملية التي تثير فضول التلاميذ وتجعلهم يرغبون في اكتشاف المزيد. أما في مادة الأدب، فيمكن استخدام أسلوب السرد القصصي الذي يجعل النصوص الأدبية حية وذات معنى بالنسبة للتلاميذ. وفي الرياضيات، يمكن للمعلم ربط المفاهيم المجردة بحياة التلاميذ اليومية، ليجعلهم يشعرون بأهمية ما يتعلمونه.

الإبهار ليس فقط وسيلة لجعل الدروس أكثر متعة، بل هو أداة تعزز من فهم التلاميذ للمادة وتجعلهم أكثر تحفيزًا للتعلم. فعندما يشعر التلميذ بأن المعلم يقدم المادة بطريقة مبتكرة وجذابة، يكون أكثر استعدادًا للمشاركة الفعالة، وأكثر حماسًا لاستيعاب المعلومات. هذه المشاركة الفعالة تجعل عملية التعلم تجربة تفاعلية، حيث يكون التلميذ جزءًا نشطًا من العملية، وليس مجرد متلقٍ للمعلومات. هذا الأسلوب يرفع من مستوى التحصيل الدراسي لدى التلاميذ، ويجعلهم أكثر قدرة على تطبيق ما يتعلمونه في حياتهم العملية.

إلى جانب تحسين مستوى التحصيل الدراسي، يساهم الإبهار في بناء علاقة إيجابية بين المعلم والتلميذ. فعندما يشعر التلميذ بأن المعلم يسعى لتقديم تجربة تعليمية مميزة، يتولد لديه شعور بالاحترام والتقدير تجاه المعلم. هذه العلاقة الإيجابية تعزز من ثقة التلميذ في معلمه، وتجعل العملية التعليمية أكثر سلاسة وتفاعلية. 

في نهاية المطاف، الإبهار كمنهجية بيداغوجية ليس مجرد أداة لجعل الدروس ممتعة، بل هو أسلوب تعليمي شامل يعزز من تفاعل التلاميذ مع المادة ويحفزهم على استكشاف مواهبهم وإبداعاتهم. تجربة حسن الفذ هي مثال حي على كيف يمكن لأسلوب الإبهار أن يترك أثرًا دائمًا في حياة التلاميذ، ويحفزهم على تحقيق طموحاتهم الأكاديمية والمهنية. الإبهار، عندما يُستخدم بشكل صحيح، يمكن أن يكون مفتاحًا لفتح آفاق جديدة للتلاميذ، تجعل من الفصول الدراسية بيئات محفزة للإبداع والاكتشاف.

النظام الجزائري.. ووهم القوة !

صَرَف النظام الجزائري ما يزيد عن 350 مليون دولار عن استعراض عسكري دام ساعتين بمناسية الذكرى 70 لـ"الثورة الجزائرية". كل هذا المبلغ الضخم صُرف من خزينة الدولة، فقط، ليرسخ صورة ...

استطلاع رأي

كمغربي أو مقيم في المغرب، هل تشعر أن ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم أثرت على:

Loading...