الجزائر تعاود طرق أبواب ولد الغزواني لإقناعه بضرورة إنشاء تحالف مغاربي جديد يستثني المغرب، والأخير يجدد رفضه
يبدو أن الجزائر لم تفقد الأمل بعد في نسج خيوط تكتل مغاربي يُقصي الرباط ويعزلها عن محيطها الإقليمي، فبينما تتعثر جهود التكامل المغاربي على وقع الخلافات الإقليمية والسياسية، عادت الجزائر لطرق باب الفرصة الثانية عبر بوابة نواكشوط، موجّهة لها دعوة جديدة للانضمام إلى محور مشترك يجمعها بليبيا وتونس، وذلك في لحظة مفصلية تتسم ببوادر تقارب واضح بين المغرب وموريتانيا.
ووفق ما نقله موقع "أنباء انفو" الموريتاني عن مصدره في القصر الرئاسي بنواكشوط، فإن الرسالة التي حملها الجنرال سعيد شنقريحة إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الثلاثاء الماضي، تضمنت تجديد دعوة الجزائر لموريتانيا للانضمام إلى تحالف مغاربي جديد يجمع الجزائر، ليبيا، وتونس، مستثنيًا المملكة المغربية، وذلك في إطار مساعي الجزائر إلى تأسيس إطار مغاربي بديل عن اتحاد المغرب العربي، الذي تعثرت جهوده نتيجة الخلافات الإقليمية، لا سيما بين الرباط والجزائر بسبب ملف الصحراء المغربية.
ورغم الضغوط الجزائرية، أكّد المصدر ذاته للصحيفة الموريتانية، أن الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني يرفض الانضمام إلى أي تحالف إقليمي لا يشمل المغرب، متمسكًا بموقف بلاده الداعم لفكرة الوحدة المغاربية الشاملة التي تقوم على إشراك كافة دول المنطقة دون استثناء.
وفي سياق متصل، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عن قرب انعقاد الإطار التشاوري المغاربي الجديد، بمشاركة الجزائر، ليبيا، وتونس، مشيرًا إلى أن التحضير لهذا الاجتماع يجري على قدم وساق، وتم الإعلان جاء عقب استقباله رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، الذي وصل إلى الجزائر في زيارة رسمية غير محددة المدة، تهدف إلى تعزيز المشاورات السياسية بين البلدين، وفق ما أفادت به الإذاعة الجزائرية الرسمية.
وتتوجّس الجزائر تنظر من التحركات المغربية إقليميا خصوصا بعد إطلاقه لمجموعة من المبادرات التي تشمل استراتيجية جنوب جنوب واهتمامه منقطع النظير بالبعد الافريقي، مثل انضمامه إلى منظمة التكتل الاقتصادي في غرب إفريقيا "إيكواس"، والمبادرة الأطلسية التي تقدمها الرباط لدول الساحل، وسابقا انضمامه إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي ترغب في انشاء تكتل ينافس "التكتلات" المغربية، خاصة أن الرئيس الجزائري لم يخف هذا الأمر، وصرح بأن المغرب لم يستشر أحدا في قيامه بتلك المبادرات.
واحتضنت العاصمة التونسية أبريل الماضي "الاجتماع التشاوري الأول" لمناقشة إنشاء "تكتل مغاربي" جديد، يضم الجزائر وتونس وليبيا، بيد أنه وبعد مُضي أقل من 24 ساعة، على عقده سارعت طرابلس إلى بعث رسالة خطية للملك محمد السادس، نقلها سامي المنفي، مبعوث رئيس المجلس الرئاسي في ليبيا، معربا عن تشبُّث بلاده بإحياء تكتل اتحاد المغرب العربي باعتباره الإطار الوحيد للدول المغاربية الساعية نحو التكامل وتحقيق طموحات الشعوب في الاستقرار والرفاهية.
واستقبل المبعوث الشخصي لرئيس المجلس الرئاسي في ليبيا، سامي المنفي بالرباط حينها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، وتسلّم منه رسالة خطية بعث بها شقيقه محمد المنفي للملك محمد السادس ولم يُكشف عن فحواها، بيد أنه كلّف سفير بلاده بتقديم كلمة للصحافة، شكر فيها باسم بلده المغرب في شخص الملك محمد السادس والدبلوماسية المغربية في شخص ناصر بوريطة، على دعمهم اللوجيستيكي وأيضا الدعم المعنوي للوصول إلى كل الاتفاقات التي تمت بين البلدين، وأهمها الاتفاق السياسي الذي أجري في الصخيرات ووقعه وفد المهمة لدعم العملية السياسية في ليبيا، موردا: "ممنونون دائما على دعم المغرب للقضية الليبية ابتداء من الصخيرات ومرورا ببوزنيقة ووصولا إلى طنجة ثم بوزنيقة مرة أخرى وكل ما قدمته المملكة لنا للوصول إلى هذا الكيان السياسي الحالي".
وأوضح أبو بكر الطويل، بأن زيارة مبعوث الرئيس الليبي وشقيقه سامي المنفي، إلى المغرب تأتي في إطار تعزيز ودعم اتحاد المغرب العربي، كإطار وحيد للدول المغاربية الساعية لتحقيق طموحات شعوب الدول الخمسة الأعضاء في التنمية والاستقرار والرفاهية.
ونقل الدبلوماسي الليبي، على لسان رئيس بلده محمد المنفي قوله وتأكيده على دور المملكة المغربية، كدولة فاعلة ومؤثرة في الاتحاد المغاربي، الساعي للوصول إلى تنزيل وتحقيق هذا التكتل والكيان السياسي المترجم لطموحات الشعوب المغاربية ككل.
وكانت مخرجات القمة التي جمعت ليبيا بتونس والجزائر، قد أكدت من خلالها "على الأهمية البالغة لتنظيم هذا اللقاء والحفاظ على دورية انعقاده بالتناوب بين الدول الثلاث للإرتقاء بالعلاقات الثنائية المتميزة التي تربط كل بلد بالآخر إلى مرحلة نوعية جديدة تتعدى الإطار الثنائي إلى التفكير والعمل الجماعي".
وشدّدت الدول المغاربية المجتمعة بغياب كل من موريتانيا والمغرب على أهمية الإدراك المشترك بضرورة توحيد المواقف وتكثيف التشاور والتنسيق لتدعيم مقومات الأمن والاستقرار والنماء بالمنطقة كلها، وتعزيز مناعتها لا سيما مع بروز متغيرات ومستجدات إقليمية وأزمات دولية متلاحقة وفارقة، لم يعد بإمكان أي دولة مواجهة تداعياتها بمفردها، مؤكدين أن هناك حاجة ملحة لأن يكون للدول الثلاث صوت مسموع وموحد وحضور مؤثر وفاعل في مختلف فضاءات الانتماء الإقليمية والدولية.
وأعربت الدول الثلاثة، عن استعدادها التام للانفتاح على كل إرادة سياسية صادقة ومخلصة تتقاسم ذات الأولويات المشتركة البناءة في دفع هذا العمل الجماعي المشترك خدمة للأمن والاستقرار بالمنطقة والنأي بها عن التدخلات الخارجية، مشيرة إلى أنها تمسكت باستقرار القرار الوطني والحرص على إقامة علاقات مع الدول الأخرى في إطار الاحترام المتبادل، وتمسكها بنظام دولي متعدد الأطراف والأقطاب، وألا يقتصر هذا التشاور على الملفات السياسية فحسب بل يشمل كل مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق تطلعاتها في الاستقرار والتكامل.
كما شدد المجتمعون على الرفض التام للتدخلات الخارجية في الشأن الليبي ودعم الجهود الرامية إلى التوصل إلى تنظيم الانتخابات بما يحفظ وحدة الدولة الليبية وسلامتها الترابية ويضمن أمنها واستقرارها مع التأكيد على الدور المحوري للدول المجاورة لليبيا في دعم السلطات في دعم مسار عودة الاستقرار، محذرين من خطورة التدخلات الخارجية في منطقة الساحل والصحراء وتبعاتها على السلم في دول المنطقة والعالم، مشددين على ضرورة دعم أمن واستقرار دول المنطقة.
هذا، وتم الاتفاق على "تكوين فرق مشتركة من أجل تنسيق الجهود لتأمين الحدود المشتركة من مخاطر وتبعات الهجرة غير النظامية"، و"وضع مقاربة تنموية لتنمية المناطق مع العمل على توحيد المواقف والخطاب في التعاطي مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة المعنية بظاهرة الهجرة"، و"تكوين فريق عمل مشترك لصياغة آليات إقامة مشاريع واستثمارات كبرى مشتركة في مجالات وقطاعات ذات أولوية (الحبوب والعلف وتحلية مياه البحر)، و"التعجيل بتفعيل مشروع الربط الكهربائي بين الدول الثلاث".
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :