دعوة جميع الأطراف إلى المفاوضات وإصرار على الواقعية.. أحلام الجزائر داخل مجلس الأمن تتبخر مع أول قرار حول الصحراء
لم تُخفِ الجزائر، عند بداية ولايتها كعضو غير دائم في مجلس الأمن، التي انطلقت مع بداية سنة 2024 والتي أشرفت الآن على منتصفها، أن ملف الصحراء سيكون ضمن أولوياتها، إلا أن ما جرى في جلسة يوم الخميس، قدم دلائل جديدة على "انهيار" دبلوماسيتها أمام الدعم الدولي للطرح المغربي المستند إلى الحكم الذاتي والمفاوضات المباشرة مع الجزائريين.
وبعد أسابيع من المفاوضات والجلسات المطولة، لم يُفلح مندوب الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك، عمار بن جامع، في إدخال أي تعديل على القرار النهائي لمجلس الأمن، الذي صاغت الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها حاملة القلم، لتصدر الوثيقة التي قوبلت بترحيب علني من الرباط، مقابل غضب جزائري واضح.
ممثل الجزائر قدم، أول أمس، مقترحين تعديليَيْن على مشروع القرار، الأول يتعلق بالفقرة الـ72 من مرجعية التقرير الصادر عن الأمين العام أنطونيو غوتيريش، بخصوص زيارة مفوضية حقوق الإنسان إلى المنطقة التي لم تتم على مدار 9 سنوات، والثاني يرتبط بضم مهام "مراقبة حقوق الإنسان" إلى صلاحيات البعثة الأممية "المينورسو".
المفاجأة بالنسبة للجزائر، كانت هي أن المقترح الأول لم ينل سوى 6 أصوات داخل مجلس الأمن، والثاني نال 5 أصوات من أصل 15، ما يعني إسقاطهما معا بشكل أوتوماتيكي، في حين جرى تبني الصيغة الأمريكية للتقرير المدعومة من فرنسا، وهو الأمر الذي دفع بن جامع إلى الانسحاب، في ظاهرة نادرة الحدوث خلال اجتماع مجلس الأمن.
وما جعل وقع القرار أقرب إلى "الصدمة" بالنسبة للجزائر، كان هو أن الصيغة النهائية للقرار، نص بصريح العبارة، في التوصية الثانية على "ضرورة التوصل إلى حل سياسي وواقعي وعملي ودائم ومقبول"، في حين نصت التوصية الثالثة بصراحة على أن المجلس "يشجع بقوة المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا، على التعاون مع المبعوث الشخصي طوال مدة هذه العملية، بروح الواقعية والتسوية، للوصول إلى نتيجة فعالة".
وفي إشارة إلى الموائد المستديرة، دعا مجلس الأمن في التوصية الرابعة، "جميع الأطراف، إلى استئناف المفاوضات تحت رعاية الأمين العام دون شروط مسبقة وبحسن نية، مع الأخذ في الاعتبار الجهود المبذولة منذ عام 2006 والتطورات اللاحقة بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، والذي من شأنه أن يوفر تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية في سياق الترتيبات المتسقة مع مبادئ وأغراض ميثاق الأمم المتحدة، مع الإشارة إلى دور ومسؤوليات الأطراف في هذا الصدد".
وعلى عكس ما تروجه الجزائر، من كونها ليست طرفا في الصراع، وتشبثها بـ"تقرير المصير" كحل وحيد، فإن التوصية لتاسعة أكدت "أهمية الالتزام المتجدد من جانب الأطراف بدفع العملية السياسية إلى الأمام استعداداً لمزيد من المفاوضات"، مع التعبير عن "تأييد" التوصية الواردة في التقرير المؤرخ 14 أبريل 2008 بأن "الواقعية وروح التسوية من جانب الأطراف أمران أساسيان لتحقيق تقدم في المفاوضات"، كما "يشجع البلدان المجاورة على تقديم مساهمات مهمة وفعالة في هذه العملية، ويشدد على أهمية قيام جميع الأطراف المعنية بتوسيع نطاق مواقفها من أجل المضي قدماً في التوصل إلى حل".
هذه الصيغة، لقيت قبولا واسعا في مجلس الأمن، حيث حازت 12 صوتا، منها أصوات الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بريطانيا والصين، إلى جانب اليابان وكوريا الجنوبية وسلوفينيا وسويسرا ومالطا وسيراليون وغيانا والإكوادور، بينما اختارت روسيا الامتناع، شأنها شأن موزمبيق الداعمة لـ"البوليساريو"، أما الجزائر فغابت عن التصويت لتُعتبر مُنسحبة.