ورزازات.. مدينة السينما والقلاع التي تستقبلك "دون ضجيج"
تمنحك منطقة ورزازات فرصة حقيقية لخوض تجارب فريدة من نوعها من خلال مناطقها الفسيحة التي تطل على أبواب الصحراء، ويكفي أن معنى اسمها نفسه يدعوك إلى الهدوء، فهي دمج لكلمتي "ور" و"زازات" الأمازيغيتين، أي "بدون ضجيج".
لكن ما هو مؤكد أن زيارة ورزازات سترتبط في ذهنك بعبارة واحدة وهي: هوليود إفريقيا.
مدينة ورزازات توصف بأنها أكبر استوديو سينمائي طبيعي، نظرا لما حباها الله به من مشاهد تأسر أنظار وقلوب المخرجين من مختلف أنحاء العالم.
ففي ورزازات، أنت وسط جبال يتجاوز ارتفاع بعضها ألف متر، وأمام كثبان رملية وصحراء قاحلة، تتوسطها واحات جميلة وينابيع ماء رقراقة صافية، ناهيك عن القصبات والقلاع التاريخية.
كل هذا، إضافة إلى استديوهاتها الضخمة الشهيرة، جعلَ منها قبلة للزوار والسياح، وللفنانين والممثلين والمخرجين الذين يقبلون عليها من أجل أعمالهم، أو حتى من أجل الاستمتاع بلحظات من الإلهام والصفاء الذهني.
تقع ورزازات في سلسلة جبال الأطلس الكبير، وكانت المدينة في الأصل مختزلة في قرية أمازيغية صغيرة معلقة على ارتفاع جبلي علوه 1105 متر، هي قرية تاوريرت، التي تعتبر أصل ورزازات جغرافيا، حيث يشهد على ذلك، ذاكرة قصبتها المعروفة، والتي ما تزال إلى اليوم تجذب العديد من الزوار نظرا لجمالها وأصالتها.
وقد ظلت ورزازات، لفترة غير قصيرة، نقطة عبور صغيرة للتجار الأفارقة في طريقهم إلى شمال المغرب وأوروبا، قبل أن يتم تأسيسها كمدينة سنة 1920، بعد أن كانت عبارة عن ثكنة عسكرية فرنسية خلال الفترة الإستعمارية الفرنسية للمغرب.
الوصول والإقامة
لكونها قبلة سينمائية، فإن مدينة ورزازت ترتبط عبر مطارها بعدد من المدن المغربية والأوروبية. فعلى الصعيد الوطني، يمكن القدوم إليها من مدينة طنجة أو الدار البيضاء، بينما ترتبط أوروبياً بكل من برشلونة ومارسيليا وباريس ولندن، وبرحلات طيران منخفضة التكلفة.
بَريًا، يمكن الوصول لورزازات عبر القطار مباشرة من مدينة مراكش ثم أخذ الحافلة نحو المدينة، بتسعيرة في حدود 100 درهم فقط (10 دولارات)، وهو نفسه سعر الانتقال بحافلات النقل العمومي أو التاكسي الكبير.
بالنسبة للإقامة، فإن مدينة ورزازات تتميز بوفرة في العرض، بين فنادق مصنفة ورياضات وإقامات خاصة، بأسعار تتراوح في المجمل بين 250 و1000 درهم، وفق رغبة السائح أو الزائر وطلباته. أما التنقل داخل ورزازات نفسها، فميسر بشكل كبير نظراً لصغر حجم المدينة، وتوافر مختلف وسائل النقل من سيارات أجرة صغيرة وحافلات نقل عمومي، وبأثمنة في المتناول تتراوح بين 5 و8 دراهم (70 درهما من وإلى المطار).
هوليود إفريقيا
من الطبيعي جدا أن تكون بداية زيارتك لورزازات من خلال الاطلاع على استوديوهاتها، التي تعد من بين أضخم التجمعات في العالم من حيث المساحة.
ولعل أحد أهم هذه المجمعات هي استوديوهات ضخمة تقع على بعد 3 كيلومترات غرب ورزازات، على مساحة 136 ألف مربع، وتضم معامل للمهن السينمائية بمختلف تخصصاتها، ومواقع للمتفجرات، وإسطبلات لمئات الخيول والجمال، ومكاتب لإدارة الإنتاج، و3 أستوديوهات مختلفة الأحجام للتصوير.
يمكنك زيارة هذه الاستوديوهات في أي يوم من أيام الأسبوع، ابتداءً من الساعة 10 صباحا إلى السادسة مساءً، مقابل 50 درهما فقط (5 دولارات)، وهناك لكَ أن تلتقط ما شئت من الصور الرائعة التي قد تجعلكَ نجماً "هوليوديا" ولو لثوانٍ.
كما أن هناك استوديوهات "كان زمان"، الواقعة على بعد 10 كيلومترات من قلب مدينة ورزازات، والتي تعد الأضخم بمساحة قدرها 252 ألف متر مربع، وتضم عددا من مكاتب إدارة الإنتاج، ومعامل وقاعات للمونتاج، ومخازن وقاعات لاستراحة الفنانين، إضافة لمعارض ومتاجر ومقاهي ومطاعم وملاعب ووحدة فندقية على النمط التقليدي، ومركز للتكوين السينمائي، يشمل 4 استوديوهات مختلفة الأحجام.
زيارة الاستديوهات ستمنحك فرصة لتذكر عدد من مشاهد الأفلام العالمية التي صورت هنا، كفيلم "The Gladiator" لراسل كرو، و"المومياء"، وعشرات الأفلام الشهيرة.
القصبات والقلاع
تشتهر ورزازات كثيرا بـقصباتها الجذابة المبنية من الطين، والتي تحتوي على العديد من الزخارف، والتصاميم الهندسية الخاصة بالحضارة المغربية، ومن الأفضل عدم تفويت زيارتها للاستمتاع بصدى التاريخ وعبقه.
أما أبرز القلاع التي تستحق الزيارة وتشتهر بها ورزازت، فهي قلعة "آيت بن حدو"، التي تم إدراجها كأحد مواقع التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1987، والتي تتميز هذه القلعة بموقعها المميز وببنائها الضخم، وهندستها الفريدة.
ويتربع قصر آيت بنحدو على أولى هضاب جنوب الأطلس الكبير، ويعتبر نموذجاً حيا وفريدا لجيل كامل من القصور التي بُنِيت ابتداء من القرن السادس عشر بوادي درعة، ووادي تودغى، ووادي دادس، ووادي مكون، ووادي زيز، ووادي سوس.
كما يمكنك بعدها أن تعرّج على قلعة "أمريديل" الشهيرة، والتي بُنيت في القرن الـ17، وتمّ تصوير العديد من الأفلام الشهيرة فيها، وكذا قلعة "تاوريرت"، التي تتميز بنقوشها القديمة على الجدران والأسقف.
أما قصبة تيفولتوت فتقع على بعد حوالي عشرة كيلومترات من مدينة ورزازات، وقد بنيت في القرن السابع عشر، وكانت في ملكية عائلة باشا مراكش المعروف، التهامي الكلاوي، وتعتبر بحق المكان المناسب للاستمتاع بإطلالة بانورامية وشاملة بزاوية 360 درجة لمدينة ورزازات التي تظهر أسفل المكان.
ترفيه ومطبخ وزرابي
تعدك ورزازات أيضا برحلات يومية منظمة في قلب الصحراء، تشمل الكثير من الأنشطة الترفيهية كالتزحلق على الرمال، أو ركوب الجمال، وطبعاً استغلال ما يهبه المكان من جمال لالتقاط صور للذكرى.
وفي وسط المدينة وعبر شوارع ورزازات، التي تمتد حول القصبة، ستشعر أنك قد عدت بالزمن قليلا إلى الوراء، حيث تتوزع المحلات الخاصة بالحرف التقليدية، وعدد من التعاونيات والمتاحف.
أما بالنسبة للمطبخ، فإن طعام "بركوكش" بشكليه، الحلو والمالح، يعد أحد أهم الأطباق الأمازيغية التقليدية التي يمكنك تذوقها بالمنطقة، ويتم تحضيره من حبوب الكسكس الكبيرة.
ويمكن تقديم "بركوكش" على شكل حساء مع الخضر، أو مع الدجاج أو القديد، وهو عبارة عن لحم الغنم المجفف والذي يتم مزجه بالملح والثوم والقزبروالكمون، كما يمكن دمج بركوكش أيضا مع العسل أوالحليب، أو مع جرعة من زيت "أملو" وزيت الأركان أو السمن مع الزعتر.
وحاول أن تحرص أيضا على تذوق أكلة "بداز"، وهي عبارة عن كسكس يتم إعداده من الذرة المفتولة باليد مرفوقة مع الخضر، وخصوصا مع القديد أو الكرداس التي تتشكل من قطع من لحم معدة الأغنام المحشية بشرائح من القلب والكبد والرئتين، حيث تطبخ كلها فوق البخار قبل وضعها في الشمس كي تصبح جافة مع مرور الوقت. والأكلتان معاً سيجعلانك تفخر فعلاً أنك تذوقتَ مطبخا خاصا جدا، بنكهة ومزيج لم يسبق لك التعرف عليه سابقا في الغالب.
وإذا صادفت زيارتك لمدينة ورزازات الفترة بين شهر أبريل ويونيو، فستكون على موعد مع المهرجان الوطني للزربية بتازناخت، التي تقع غرب ورزازات، حيث تعتبر صناعة الزرابي من أهم الأنشطة الحرفية في هذه المنطقة من جبال الأطلس الصغير.
وتشتهر زرابي تازناخت في جميع أنحاء المملكة بجودة صوفها القادم من منطقة سروا الجبلية، بالإضافة إلى الألوان المستخدمة في إعدادها والتي تستخرج من عدد من المواد الطبيعية، كالثمر والحناء وبطبيعة الحال، من الزعفران.
إلى اللقاء ورزازات
تمحنك ورزازات مزيجا عجيبا بين التاريخ والسينما والهدوء والصحراء، تاركةً في نفسك انطباعاً لا يوصف، ومتعةً قلما تتكرر.
لهذا فإن مغادرة ورزازات، وفي جعبتك مئات الصور، لا تكون إلا برغبة متجددة في العودة مراراً وتكراراً لاكتشاف المزيد والمزيد في مدينة لا تمنح كل أسرارها دفعة واحدة.