بعد تصدي الجيش المغربي لميليشيات البوليساريو قرب المحبس.. هل بدأ العد العكسي لمساعي الجزائر إشعال حربٍ في الصحراء؟
لم تمر سوى 24 ساعة على حديث ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، يوم الجمعة الماضي أمام أعضاء مجلس النواب، عن وجود مساعي جزائرية لجر المنطقة إلى الحرب، حتى نفَّذت ميليشيات جبهة "البوليساريو" الانفصالية محاولة جديدة لاختراق الجدار الأمني، انتهت بمصرع المنفذين.
وسعت "البوليساريو" إلى تنفيذ عملية "نوعية" شرق الجدار الأمني، حيث انطلق عناصرها من داخل التراب الجزائري المجاور لمنطقة المحبس، في محاولة لاستهداف مواقع القوات المسلحة الملكية، قبل أن يتم رصدهم وقصفهم بواسطة طائرة مغربية مُسيرة، الأمر الذي أفضى إلى مقتل 5 أشخاص على الأقل، أحدهم قضى وهو يحاول توثيق "الهجوم".
والظاهر، أن الجيش المغربي كان مُستعدا لتحرك كهذا، إذ جرى استهداف المجموعة المسلحة داخل المنطقة العازلة في الوقت الذي كانت لا تزال تحاول فيه تصوير اللحظات الأولى من العملية، في إطار الدعاية التي تروجها جبهة "البوليساريو" الانفصالية، وتزامن ذلك مع تصريح وزير الخارجية الذي تحدث، دون مواربة، عن مسعى جزائري لإشغال فتيل الصراع العسكري في المنطقة.
بوريطة، وخلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارته أمام لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين بالخارج، تحدث عن أن هناك "من يريد جر المنطقة إلى الحرب"، مبرزا وجود مؤشرات على رغبة الجزائر في أن تتطور الأمور إلى نزاع عسكري، وذلك في خضم المكتسبات الدبلوماسية التي حققها المغرب في قضية الصحراء.
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي محمد شقير، إن تحركات جبهة "البوليساريو" ليست جديدة، إذ قامت بقصف مدينة السمارة مرتين، إلا أن المغرب اختار عدم التحرك للرد عسكريا، مبرزا أن قيام ميليشياتها بـ"إطلاق مقذوفات" تزامنا مع مهرجان يحتفل بذكرى المسيرة الخضراء يحمل رسالة سياسية، تريدها أن تكون بمثابة "رد على ما جاء في الخطاب الملكي الأخير".
وأورد الأستاذ الباحث في العلوم السياسية، في حديثه لـ"الصحيفة"، أن خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء "أكد حسم المغرب لهذا الملف على أرض الواقع، وعدم قبول المملكة بأي حل لا يتماشى مع مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية"، مشيرا إلى أن هذا الخطاب أتى إثر القرار الجديد لمجلس الأمن.
ومن هذا المنطلق، يرى شقير أن تحرك "البوليساريو" الأخير "رمزي أكثر منه عسكري"، مضيفا أن الجزائر هي التي تقف وراء مثل هذه التحركات، للتعبير عن "التشبث بالطرح الانفصالي رغم العزلة الدبلوماسية الدولية، خصوصا بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة وتجديد تأكيد اعتراف باريس بالسيادة المغربية على الصحراء".
ومع ذلك فإن شقير يتوقع استمرار الجيش المغربي في ضبط النفس وعدم الانجرار وراء أي استفزاز، قد يقود إلى الحرب مع الجزائر"، لكن الرباط في المقابل، حسب المحدث نفسه، ترد على أي تحركات للبوليساريو من خلال "استهداف أي اختراق للمنطقة العازلة، مع مطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته بهذا الصدد، وهو أمر تطرق إليه الخطاب الملكي الأخير".
وحسب الخبير في العلاقات الدولية والقضايا العسكرية والأمنية، فإن بصمة لجزائر ظاهرة في هذا التحرك الميداني، إذ تريد إبلاغ المغرب والمنتظم الدولي بأنها "حاضرة في النزاع"، وأن "أي حل لا يمكن أن يكون إلا بموافقتها، خاصة بعد رفض مجلس الأمن مقترح التقسيم الذي نقله عنها ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة".
وأورد شقير أن الجزائر تعاني حاليا من "عُزلة دبلوماسية"، إلا أنها تريد البرهنة على أن ذلك "لن يؤثر على موقفها، وأنها مستعدة، كقوة إقليمية في المنطقة، لكل الاحتمالات بما في ذلك الحرب"، محيلا إلى الاستعراض العسكري الذي أقامته بمناسبة ذكرى الاستقلال، والذي اعتبر أنه يحمل رسائل سياسية بخصوص ملف الصحراء.