سفير المغرب لدى الباراغواي في حوار مع "الصحيفة": قرار مجلس الشيوخ الباراغوياني الداعم لمغربية الصحراء "تاريخي" ومن المرجح أن تتخذ الحكومة موقفا مماثلا
أصدر مجلس الشيوخ في دولة الباراغواي (أمريكا اللاتينية) الأسبوع الماضي، قرارا يُعلن فيه بشكل صريح دعمه لسيادة المغرب على الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي، مع توجيه الدعوة للحكومة إلى تبني نفس الموقف، في خطوة تنضاف إلى الاختراقات الدبلوماسية المهمة التي حققها المغرب – ولازال – في قارة كانت تُوصف منذ سنوات قليلة بأنها "القلعة الحصينة" لجبهة البوليساريو الانفصالية.
ويجسد هذا الموقف من مجلس الشيوخ الباراغوياني التطور الإيجابي الذي حدث في العلاقات بين المغرب وهذا البلد اللاتيني في السنوات الأخيرة، خاصة بعد افتتاح المغرب لسفارته في العاصمة أسونسيون سنة 2016، والتي يوجد على رأسها حاليا السفير بدر الدين عبد المومني.
وفي هذ السياق أجرت "الصحيفة" حوارا خاصا مع السفير المغربي لدى أسونسيون لتسليط الضوء على القرار التاريخي الصادر مؤخرا عن مجلس الشيوخ الباراغوياني بشأن قضية الصحراء المغربية، واستعراض تطورات العلاقات الثنائية بين البلدين في الوقت الراهن، بالإضافة إلى الاختراقات الدبلوماسية التي يحققها المغرب مؤخرا في أمريكا اللاتينية.
وفيما يلي نص الحوار:
1- في الأيام القليلة الماضية اعتمد مجلس الشيوخ في الباراغواي قرارا يدعم الوحدة الترابية الكاملة للمملكة المغربية، ودعا من خلاله الحكومة الباراغويانية لتبني نفس القرار، فما الذي تعنيه هذه الخطوة بالنسبة للمغرب ولقضية الصحراء؟
فعلا اعتمد مجلس الشيوخ الباراغوياني الأسبوع الماضي قرارا تاريخيا بشأن قضيتنا الوطنية. يتميز هذا القرار بكونه يتجاوز التعبير عن الدعم الواضح لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل وحيد في إطار السيادة الوطنية، ليدعو بشكل صريح الحكومة الباراغويانية إلى تبني نفس الموقف. كما يحثها على مساندة مغربية الصحراء بقوة من خلال إصدار بيانات وتصريحات رسمية، وترجمة هذا الدعم بشكل ملموس في مختلف المحافل الدولية.
لا شك أن هذا الموقف القوي، الصادر عن مؤسسة تشريعية لبلد صديق، يمثل إضافة نوعية إلى سلسلة المكتسبات التي راكمتها الدبلوماسية المغربية في هذا الملف، مما يعزز من موقف المغرب ومشروعيته على الساحة الدولية.
2-هل يُمكن اعتبار هذا الموقف من مجلس الشيوخ الباراغواياني، مؤشرا إيجابيا يُوحي بقرب اتخاذ أسونسيون موقفا رسميا يدعم سيادة المغرب على الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي لحل النزاع؟
أولاً، لابد من الإشارة إلى أن الحكومة الباراغويانية، منذ قرارها سنة 2014 بسحب الاعتراف بالجمهورية الوهمية، سبق و ان عبّرت عن موقفها الداعم للمغرب عبر قنوات متعددة، بما في ذلك البيان المشترك الصادر عقب الاجتماع الأول للمشاورات السياسية الذي انعقد في العاصمة أسونسيون سنة 2018.
ثانيا يجب التذكير بان الدبلوماسية المغربية تشتغل على أصعدة عديدة ومستويات مختلفة بهدف حشد دعم الدول. وتشمل هذه الجهود إقناع الحكومات باتخاذ مواقف صريحة ومباشرة، بما يتماشى مع التوجيهات الواردة في الخطاب الملكي السامي الذي أكد على أن قضية الصحراء المغربية تمثل المعيار الأساسي لقياس مدى صدق الشراكات الدولية، داعياً الدول إلى اتخاذ مواقف واضحة دون غموض أو ازدواجية. هذا التوجه يشكل جوهر عمل الدبلوماسية المغربية
في هذا السياق، يأتي القرار الأخير لمجلس الشيوخ الباراغوياني كجزء من هذه الدينامية. ومن المرجح أن تتجاوب الحكومة الباراغويانية مع هذا القرار بخطوات أكثر جرأة. وذلك نظرا أولاً، لأن مجلس الشيوخ يتمتع بصلاحيات تشمل السياسة الخارجية، رغم أن هذه الاخيرة من اختصاص رئيس الدولة. وثانياً، لأن أغلبية أعضاء المجلس ينتمون إلى الحزب الحاكم، مما يعزز فرص ترجمة هذا القرار إلى خطوات عملية.
3- كيف تُقيّم العلاقات بين المغرب والباراغواي على المستويين السياسي والاقتصادي. هل يُمكن الحديث عن وجود تقارب متنامي بين الطرفين منذ افتتاح السفارة المغربية في أسونسيون سنة 2016؟
بعد فترة اتسمت بالبرود في العلاقات بين البلدين نتيجة اعتراف الباراغواي عام 2011 بالجمهورية الوهمية، قررت الباراغواي تصحيح هذا الخطأ وسحب الاعتراف عام 2014، مما فتح الباب أمام دفعة جديدة لتعزيز روابط الصداقة والتعاون بين الجانبين.
وقد شهدت العلاقات بين المغرب والباراغواي نقلة نوعيًة مع افتتاح سفارة المملكة المغربية في أسونسيون أواخر سنة 2016، حيث ساهمت هذه البعثة في إرساء دينامية إيجابية قائمة على حوار مستمر مع مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين، إلى جانب مؤسسات ووسائل الإعلام الباراغويانية
امتدت هذه الدينامية أيضًا لتشمل المجتمع المدني، حيث عملت السفارة على تأسيس نادي أصدقاء المغرب الذي يضم نخبة تمثل جل الفعاليات. كما أقامت السفارة علاقات قوية مع وسائل الإعلام بهذا البلد، مما ساهم بشكل كبير في التعريف بالمغرب وقضيته الوطنية. وفي هذا السياق، قام عدد من الصحفيين، بالتنسيق مع زملائهم في المغرب، بتأسيس جمعية الصحافيين اللاتينيين أصدقاء المغرب، وهي مبادرة انضم إليها صحافيون من دول أخرى في المنطقة، مما عزز حضور المغرب إعلاميًا.
من جهتها، أظهرت السلطات الباراغويانية تعاونًا ملموسًا، تُرجم إلى نتائج عملية، بما في ذلك تصريحات وقرارات وبيانات داعمة للمغرب، فضلاً عن تغطيات إعلامية إيجابية، وذلك بفضل الجهود الاستباقية والمتعددة الأبعاد التي بذلتها السفارة المغربية في أسونسيون بتنسيق مع الوزارة
4-يتزامن قرار مجلس الشيوخ الباراغواياني مع مجموعة من القرارات الصادرة عن دول أمريكا اللاتينية في الفترة الأخيرة لصالح المغرب في قضية الصحراء، مثل سحب الإكوادور اعترافها بما يُسمى "الجمهورية الصحراوية" الوهمية، وإعلان جمهورية الدومينكان في غشت الماضي دعمها لسيادة المغرب على الصحراء. في رأيك ما هي العوامل التي تقف وراء هذه الاختراقات الدبلوماسية الناجحة للمغرب في قارة كانت داعمة بشكل كبير لجبهة البوليساريو في العقود الماضية؟
تحققت الاختراقات الدبلوماسية المغربية في قضية الصحراء بفضل مجموعة من العوامل الاستراتيجية التي تميز السياسة الخارجية للمغرب، أبرزها الرؤية الملكية الحكيمة والطموحة سواء على مستوى التوجهات الداخلية أو فيما يخص السياسة الخارجية عبر حضور وازن في ملفات ذات اولوية على الصعيد العالمي، والتي منحت المغرب سمعة كفاعل موثوق وذو مصداقية على الساحة الدولية، مما عزز شرعية الموقف المغربي تجاه قضية الصحراء، وجعله محط احترام وتقدير من قبل العديد من الدول
بالنسبة لأمريكا اللاتينية، يمكن القول ان الدبلوماسية المغربية تميزت بنهج نشط يعتمد على العمل الاستباقي متعدد الأبعاد، متخذة الحوار المستمر كأداة رئيسية في إقناع الشركاء اللاتينيين بوجاهة الموقف المغربي. كما يهدف هذا الحوار إلى بناء علاقات شراكة متينة ترتكز على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة. وبفضل هذه السياسة الفعّالة، تمكن المغرب من كسب دعم واسع لقضية الصحراء في هذه المنطقة من العالم، مما يعزز موقفه الشرعي في هذا الملف الحساس.