الدبلوماسي الإيراني سيد هادي أفقهي لـ "الصحيفة": طهران قدمت مبادئ حوار للمغرب من أجل "تطبيع العلاقات".. ودعم جبهة "البوليساريو" انتهى
في ظل الحديث المتناثر حول وجود قنوات ديبلوماسية خلفية بين طهران والرباط لإعادة العلاقات بين البلدين بعد قطيعة استمرت منذ سنة 2018، قال الدبلوماسي الإيراني السابق، سيد هادي أفقهي، إن إيران والمغرب باتت تحذوهما رغبة "قوية وجامحة" أكثر من أي وقت مضى لإعادة العلاقات الدبلوماسية، انسجامًا مع النهج الجديد للسياسة الخارجية الإيرانية التي شهدت تحوّلًا استراتيجيًا في عقيدتها الدبلوماسية، مؤكدا أن طهران تخلّت بشكل حاسم عن دعم جبهة "البوليساريو" الانفصالية، التي كانت حجر العثرة الأكبر أمام تقريب وجهات النظر وإعادة الدفء للعلاقات بين البلدين.
وكانت تقارير إعلامية، قد تحدّثت عن محاولات لطي صفحة القطيعة الدبلوماسية بين المغرب وإيران، مستلهمةً النموذج السعودي الإيراني في التقارب، لإنهاء سنوات من التوتر التي اندلعت إثر اتهام الرباط لطهران بدعم ميليشيا البوليساريو الانفصالية عسكريًا عبر ذراعها اللبناني "حزب الله"، فيما كان وزير الخارجية الإيراني الأسبق، حسين أمير عبد اللهيان، الذي لقي حتفه في حادثة "طائرة رئيسي"، قد أعرب في وقت سابق عن رغبة بلاده في تطبيع العلاقات مع المغرب، وهي التطورات التي تفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول مدى جدية هذا التقارب المحتمل، وشروطه السياسية، وأبعاده الاستراتيجية في سياق التوازنات الإقليمية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وفي هذا الإطار، أكد الدبلوماسي الإيراني السابق سيد هادي أفقهي، المعروف بقربه من دوائر القرار في طهران لـ "الصحيفة"، أن احتمالية تطبيع العلاقات بين بلده والرباط باتت "شبه أكيدة"، في ظل وجود ما وصفها بـ "الرغبة الجامحة والقوية" التي عبّر عنها البلدان بشكل غير مسبوق، مشدّدا على أن هذه الخطوة تستند بالأساس لتاريخ العلاقات الثنائية بالغة القدم، فضلا عن سياسة الانفتاح الدبلوماسي التي باتت عقيدة طهران في تعاملها مع الدول سيّما دول الجوار والدول العربية والاسلامية عموما.
أفقهي، وفي التصريح ذاته الذي خصّ به "الصحيفة"، أشار إلى أن طهران قدمت مشاريع لعقد طاولة حوار مع العديد من دول الجوار والدول العربية والإسلامية بما فيها المغرب وهي المبادرة التي "بدأت تؤتي أكلها" لإزالة ما وصفها بـ "الغمامة السوداء" التي تطفو فوق سماء العلاقات وتُعكر أجواء وحدة الصف.
واعتبر الدبلوماسي الإيراني أن هذه المبادرة ليست سوى انعكاس للسياسة الجديدة والعقيدة الدبلوماسية المحدثة التي تبنتها طهران مؤخرًا، والقائمة على نهج الانفتاح وتشجيع الحوار مع مختلف الأطراف، وهو النهج الذي حظي بدعم العديد من الدول العربية، لافتا إلى أن المغرب يحتل مكانة مميزة في أجندة الدبلوماسية الإيرانية، إذ يُنظر إليه كأحد الشركاء الرئيسيين الذين تسعى طهران لإعادة بناء العلاقات معهم، رغم أن قطع العلاقات لم يكن بمبادرة منها، كما شدد الدبلوماسي السابق على أن المغرب، بما يمتلكه من ثقل إقليمي ومكانة اقتصادية وسياسية بارزة، يستحق أن يكون في صدارة أولويات السياسة الخارجية الإيرانية، مما يجعل إعادة الدفء للعلاقات الثنائية ضرورة استراتيجية.
وأكد المسؤول الإيراني أن وزير الخارجية عباس عراقجي، من خلال تبنيه سياسة الانفتاح وتأسيسه لمبدأ التطلع إلى المستقبل، أسهم في إحداث تحول جوهري في العقيدة الدبلوماسية لإيران، مما جعلها أكثر ملاءمة للمرحلة الراهنة. وأوضح أن هذا التحول لا يقتصر على تعزيز العلاقات مع الدول العربية والإسلامية ودول الجوار، بل يشمل أيضًا انفتاحًا على الدول الغربية، رغم ما تواجهه هذه الأخيرة من ضغوط مستمرة تمارسها الإدارة الأمريكية واللوبي الصهيوني.
واستحضر الدبلوماسي الإيراني، أشغال القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية التي شارك فيها الوفد الإيراني برئاسة نائب الرئيس محمد عارف، مؤكدا أنها شكلت فرصة سانحة للقاء مسؤولين من مختلف الدول العربية، ومحاولة تمهيد الطريق لاستعادة الدفء في العلاقات مع أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية حضرت المؤتمر بما فيها المغرب، وأبرز أن القمّة شهدت دعمًا واضحًا لطهران في مواجهة الهجمات التي تعرضت لها، كما تضمنت دعوات إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، واتخاذ موقف موحد وحازم إزاء تلك الأوضاع.
وفيما يتعلق بإمكانية وجود وساطة سعودية أو إماراتية لتطبيع العلاقات بين المغرب وإيران، أشار الدبلوماسي الإيراني إلى أن الرغبة في تحقيق هذا الهدف مؤكدة، مستدلًا بتجارب سابقة للسعودية في الوساطة بين إيران ودول أخرى، أبرزها البحرين.
وأضاف أن المغرب قد يكون ضمن الدول التي تستهدفها مثل هذه الجهود الرامية إلى توحيد الرؤى وتصفية الأجواء بين طهران وشركائها في العالم العربي والإسلامي، بما يسهم في تعزيز وحدة الصف وإصلاح العلاقات المتوترة بين الجانبين.
وردًا على سؤال "الصحيفة" بشأن احتمال تبني طهران موقفًا داعمًا لمغربية الصحراء، التي باتت تشكل المعيار الأساسي الذي تعتمد عليه الرباط في قياس مصداقية شركائها الدوليين، خصوصًا في ظل الدينامية المتسارعة التي يشهدها هذا الملف، والتخلي عن دعمها السابق للجبهة الانفصالية سواء ماديًا أو لوجستيًا عبر تسليحها، وهو الدعم الذي طالما كان محور اتهامات مغربية صريحة، أكد الدبلوماسي الإيراني أن موقف بلاده من البوليساريو يعود إلى مرحلة بداية الثورة الإسلامية، حين جاء الدعم في سياق زمني مختلف، إلا أن الأمور تغيرت بمرور الزمن، وكذلك المواقف، مشددا على أن إيران لم تعد، ولن تكون، طرفًا في هذه القضية، انسجامًا مع المبادئ التي وضعتها لتطبيع علاقاتها مع المغرب، والقائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مع التأكيد على أهمية استقرار المنطقة باعتباره أساسًا للتعاون المستقبلي.