مجموعة الأزمات الدولية: إدارة بايدن جنّبت المغرب والجزائر مواجهة عسكرية مباشرة.. وعسكرة الشباب من قِبل البوليساريو تهدد استقرار المنطقة
باتت العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر، محور اهتمام المنظمات الدولية التي تعبر عن قلقها المتزايد من انعكاسات هذا النزاع على استقرار المنطقة في ظل دعم الجزائر المستمر لجبهة البوليساريو الانفصالية، وتصاعد سباق التسلح بين البلدين، فضلًا عن التحولات السياسية المحتملة مع عودة ترامب للسلطة، وهي جميعها عوامل تهدد بتفاقم الوضع، مما قد يؤدي إلى شل عجلة التنمية وإضعاف السلام الإقليمي، ويستلزم بـ "الضرورة" تدخل القوى الغربية لاتخاذ تدابير عاجلة، تشمل حماية المدنيين، تعزيز دور بعثة الأمم المتحدة، الحد من انتشار الأسلحة، دعم محادثات السلام، ومحاربة خطابات الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي.
وجاءت هذه الخلاصة، ضمن التقرير المثير للاهتمام الذي أصدرته مجموعة الأزمات الدولية حول العلاقات بين الجزائر والمغرب، اليوم الجمعة 29 نوفمبر، واطلعت عليه "الصحيفة"، إذ يرسم صورة غير مشجعة للتفاؤل، حيث صرّح رئيس قسم "مشروع شمال إفريقيا"، ريكاردو فابيني، بأن مخاطر الصراع بين البلدين، رغم بقائها محدودة في الوقت الراهن، قد تتصاعد مع انتخاب دونالد ترامب وما قد ينجم عنه من تغييرات في توازنات القوى، سيما وأن هذا النزاع المزمن، الذي يعطل التنمية ويهدد استقرار المنطقة، يبدو مهيئًا لمزيد من التعقيد في ظل التطورات الراهنة.
وأفاد تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية، التي تُعنى بإجراء أبحاث ميدانية حول النزاعات العنيفة وتقديم توصيات لمنع اندلاعها أو الحد من تأثيرها وحلها عبر التعاون مع الحكومات والمنظمات الدولية والإعلام، بأن العلاقات بين الجزائر والمغرب تعيش أزمة دبلوماسية خانقة منذ عام 2021، فيما التطورات في الصحراء المغربية تُهدد بإشعال فتيل الصراع بين البلدين، بينما تُعدّ العلاقات المتنامية بين الرباط وإسرائيل مصدرًا إضافيًا للتوتر والاحتكاك.
وأشار التقرير إلى أن ضبط النفس المتبادل، إلى جانب الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة، لعبا دورًا حاسمًا في احتواء التوترات حتى الآن، غير أن الأوضاع تبقى عرضة للتغيير في ظل تطورات جديدة قد تُهدد الاستقرار القائم، خاصة وأن عوامل الخطر، تتضمن تصاعد سباق التسلح بين البلدين، انتشار التضليل عبر الإنترنت، تزايد النشاط السياسي للشباب داخل جبهة البوليساريو التي تسعى للانفصال، فضلاً عن التغييرات السياسية المرتبطة بتشكيل إدارة أمريكية جديدة.
وأوضحت المجموعة، التي يقع مقرها المركزي في بروكسيل، أنه يتعين على الدول الغربية التدخل لضمان حماية المدنيين في المنطقة، والعمل على تمكين بعثة الأمم المتحدة من أداء مهامها بفعالية، ولتفادي أي تصعيد مستقبلي، دعا التقرير إلى ضرورة استمرار الحوار مع حكومتي الجزائر والمغرب، الحد من مبيعات الأسلحة، وتشجيع العودة إلى طاولة المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة.
وأشار التقرير الصادر اليوم الجمعة، إلى أنه على الرغم من قطع الجزائر لعلاقاتها الدبلوماسية مع المغرب عام 2021، فقد تمكن البلدان من تفادي مواجهة عسكرية مباشرة، رغم وقوع حوادث في الصحراء المغربية كانت قد تُفضي إلى تصعيد، لافتا إلى أن قرار المغرب في عام 2020 تطبيع علاقاته مع إسرائيل وتعزيز التعاون العسكري بينهما أثار استياء الجزائر التي رأت في هذا التحالف تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، ومع ذلك، يظل الخلاف المحوري بين البلدين متمحورًا حول قضية الصحراء المغربية، حيث يُصر المغرب على سيادته الكاملة، في حين تُواصل الجزائر دعمها لجبهة البوليساريو الانفصالية.
وأضاف التقرير أن النزاع في الصحراء لا يزال يُغذيه تصاعد العمليات العسكرية، انتشار الأخبار المضللة عبر الإنترنت، وتنامي سباق التسلح، ومع عودة إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، يُتوقع أن تواجه المنطقة مخاطر إضافية نتيجة لتغير التوازنات السياسية، مشدّدا ا على أهمية اضطلاع الدول الغربية بدور أكبر، من خلال الإصرار على حماية المدنيين، تمكين بعثة الأمم المتحدة من أداء مهامها، تقليص تجارة الأسلحة الموجهة للمنطقة، دعم مفاوضات الأمم المتحدة، والعمل على الحد من خطاب الكراهية والتضليل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تُفاقم من حدة الأزمة في كل من الجزائر والمغرب.
وتناول التقرير بإسهاب الدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة والدول الأوروبية في تطويق الأزمة بين الجزائر والمغرب، ومنع تحولها إلى مواجهة عسكرية مباشرة تهدد الاستقرار الإقليمي وتقوض جهود السلام، لافتا إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن سعت، منذ توليها السلطة، إلى لعب دور الوسيط الفاعل عبر تعزيز مشاركتها مع الأطراف الرئيسية الثلاثة في النزاع: الجزائر، المغرب، وجبهة البوليساريو الانفصالية، وركزت واشنطن على استخدام أدواتها الدبلوماسية للحد من التصعيد، متبعة نهجًا يوازن بين الاستجابة لمطالب الأطراف المختلفة وضمان عدم تحول التوترات إلى نزاع مفتوح.
في المقابل، واجهت الحكومات الأوروبية تحديات دبلوماسية معقدة في مقاربتها لهذه الأزمة، فرغم محاولاتها للحفاظ على علاقات متوازنة مع الجزائر والمغرب، إلا أن التطورات الأخيرة أظهرت ميلًا واضحًا لصالح المغرب، حيث عبرت كل من إسبانيا وفرنسا عن دعمهما الصريح لمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل للنزاع، ومثل هذا الموقف شكل تحوّلًا ملحوظًا في السياسات الأوروبية التقليدية وأثار استياءً كبيرًا لدى الجزائر، التي اعتبرته انحيازًا لطرف على حساب الآخر، مما زاد من تعقيد المشهد الدبلوماسي بين الأطراف.
وأكد التقرير أن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب تمثل خطوة جوهرية لتخفيف التوترات والانتقال نحو علاقة أكثر استقرارًا، ولتحقيق ذلك، ينبغي أن تتجاوز إعادة العلاقات الدبلوماسية حدها الرمزي، لتشمل تعزيز التعاون في مجالات استراتيجية مثل الأمن، تطوير البنية التحتية، والتجارة.
ويرى التقرير أن هذه الشراكة الاقتصادية والأمنية قد تشكل أساسًا لعلاقة أكثر ديمومة وإنتاجية، بما يسهم في دعم السلام والتنمية في منطقة يعصف بها النزاع منذ عقود، مشيرا إلى أن أي تقدم في هذا الملف يستدعي إرادة سياسية مشتركة من الجانبين، مدعومة بضغوط إيجابية من الأطراف الدولية الفاعلة، لتأمين بيئة مواتية تُمكن من إعادة بناء الثقة، وتهيئة الظروف لإنجاح أي مبادرات سياسية مستقبلية تهدف إلى إنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
يذكر أن مجموعة الأزمات الدولية، هي منظمة دولية غير ربحية وغير حكومية تأسست في العام 1995 في بروكسل، وتقوم بأبحاث ميدانية عن الصراعات العنفية وتقدم السياسات لمنع وقوعها أو التخفيف من حدتها أو حلها، وتتعاون مباشرة مع الحكومات والمنظمات متعددة الجوانب والأطراف السياسية الأخرى، إضافة إلى الإعلام، وجميع تقاريرها والتحذيرات بشأن الصراعات ونشرتها الشهرية بعنوان "كرايسس واتش" تُنشر علناً، وقد أتى تأسيس المنظمة كرد على صعوبة المجتمع الدولي في الرد على حرب البوسنة مما دعا إلى حاجة وجود منظمة مستقلة تكون بمثابة أعين العالم وأذانه على الأرض في البلدان التي تشهد صراعات.
وتقدم مجموعة الأزمات الدولية النصح للحكومات والهيئات الرسمية الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي من أجل منع وتسوية الصراعات. وهي تجمع ما بين التحليل المستند على الميدان والوصف السياسي وتقديم الاستشارة، وهي تلعب دوراً أساسياً في أربعة مجالات، هي تقديم الإنذار المبكر في صفحات النت والتواصل الاجتماعي وفي نشرة شهرية "كرايسس واتش" ومن خلال إنذارات عن أزمة معينة على سبيل المثال في اليمن وتايلاند والصومال وفنزويلا، والمساهمة بشكل خفي في تقديم الدعم والاستشارة في مفاوضات السلام على سبيل المثال في كولومبيا وبوروندي وشمالي أوغندا والسودان، فضلا عن إصدار تحليلات مفصلة جداً ونصائح بشأن قضايا سياسية في الصراعات أو أوضاع خلافية محتملة، عبر مساعدة صناع القرار في مجلس الأمن والمنظمات الإقليمية والبلدان الواهبة وآخرين، إضافة إلى القيام بكل ما يلزم لمنع وقوع الصراعات وحلها وإعادة الإعمار بعدها، وتقديم نمط تفكير إستراتيجي وتكتيكي جديد حول الصراعات والأزمات الحادة مثل القضية النووية الإيرانية والصراع العربي الإسرائيلي والصراع الداخلي في ماينمار.
ولدى مجموعة الأزمات الدولية مكاتب وممثلين في 30 موقعاً مع فرق من المحللين المرتبطين بتلك المناطق المعرضة للخطر أو القابلة للتصعيد أو المقبلة على صراعات، وبالاستناد على المعلومات التي تجمعها الفرق، تصدر المنظمة تقارير تحليلية مع توصيات لصالح القادة والمنظمات في العالم، فيما المقر الأساسي للمنظمة في بروكسل مع مكاتب استشارية في العاصمة واشنطن ونيويورك ولندن وموسكو، وتشغل المنظمة حالياً مكاتب ميدانية في أبوجا وبانكوك وبكين وبيروت وبوغوتا وبوجومبورا والقاهرة وداكار ودمشق ودبي وغزة وإسلام آباد وإسطنبول وجوهانزبورغ وكابول ومكسيكو ونيروبي وصنعاء وتبليسي وسيول وتونس.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :