كارثة "ملعب الموت" بتارودانت.. نتيجة توقعها الجميع إلا السلطات!
لم يكن مجموعة من كبار السن بدوار "تزيرت" بجماعة "إمي نتايرت" التابعة لإقليم تارودانت، يعتقدون أن رغبتهم في الاستمتاع بنهائي بطولة محلية في كرة القدم ستقودهم نحو نعوشهم، بعدما ضربت السلطات المحلية في قريتهم النائية، بالمنطق عرض الحائط، وأصرت على إنشاء ملعب لكرة القدم وسط مجرى مياه السيول.
وتحول يوم الأربعاء 28 غشت 2019، الذي كان من المفترض أن يكون يوما صيفيا حارا بتلك المنطقة السوسية، إلى يوم "أسود" بكل المقاييس، بعدما توفي سبعة أشخاص، من بينهم ستة من كبار السن وشاب في ربيعه التاسع عشر، بالإضافة إلى فقدان ستة آخرين، نتيجة تهاطل أمطار طوفانية كان من المفروض أن تكون سلطات المنطقة قد احتاطت منها، بعدما أصدرت مديرية الأرصاد الجوية نشرة إنذارية بخصوصها قبل ساعات من الفاجعة.
تحذير من الطوفان
أصدرت مديرية الأرصاد الجوية نشرتها الإنذارية التي تحمل رقم 77 / 2019، على الساعة الـ11 و6 دقائق من صباح يوم أمس الأربعاء، والتي نتبأت بهطول أمطار قوية بعدة مناطق من بينها إقليم تارودانت وذلك يوم الأربعاء ما بين الساعة الثانية بعد الزوال والـ11 ليلا، ويوم الخميس ما بين الـ11 صباحا والـ11 ليلا.
لكن الغريب أن هذه النشرة لم تدفع سلطات الإقليم إلى اتخاذ قرار كان يبدو بديهيا، بإلغاء نهائي الدوري المحلي لكرة القدم، الذي كان يجمع بين فريقين من قريتين متنافستين، وهو ما يشكل عادة متنفسا للسكان الذين حجوا إلى الملعب بكثرة، هذا الأخير الذي اتضح أنه موجودة في بؤرة الخطر، ويتعلق الأمر بمجرى طبيعي للماء، يمنع القانون البناء وسطه أو بالقرب منه
ملعب الموت
حتى أكثر المتشائمين من سكان جماعة "إيمي نتايرت"، لم يكن يتوقع أن تتحول احتفالات افتتاح ملعب "تزيرت" الذي دشن يوم 18 غشت الجاري من طرف رئيس الجماعة والمنتخبين وممثلي السلطة المحلية، إلى مأتم أمس الأربعاء.
فالملعب، الذي اعتاد شبان المنطقة على ممارسة كرة القدم على أرضيته منذ الثمانينات، خضع قبل أشهر لعملية تجديد شاملة من طرف المجلس الجماعي بشراكة مع جمعية محلية، وهي العملية التي كلفت 200 ألف درهم، وشملت إعداد الأرضية وتجديد المدرجات وتهيئة غرفة تغيير الملابس، وهذه الأخير هي التي احتمى بها الضحايا قبل أن تجرفها المياه بمن عليها.
لكن مكان الملعب في الأصل كان محط جدل كبير، بل وانتقادات مباشرة من طرف بعض السكان الذين حذروا مع قرب افتتاحه من وقوع الكارثة، كما هو الشأن بالنسبة لشخص يدعى عبد الرحمن أشنيد الذي نشر على "الفيسبوك"، بتاريخ 15 يوليوز 2019، صورة تظهر مكان الملعب الواقع وسط الوادي الذي تمر منه مياه الأمطار.
ووجه هذا المواطن رسالة مباشرة إلى مسؤولي المنطقة قائلا في تدوينته "السؤال للمشرفين على هذا الملعب من بدايته إلى نهايته (...) هل من بنوه وسط الوادي استخدموا عقولهم أم لا، فالملعب بجانب الوادي، والعواصف التي تعرفها المنطقة في موسم الصيف تأتي على الأخضر واليابس (...) وكل بناء بجانب الوادي يتعرض لمشاكل وخيمة مستقبلا".
المسؤوليات والقانون
كالعادة عقب أي فاجعة تحصل بالمغرب، أعلن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، خلال المجلس الحكومي المنعقد اليوم الخميس، عن فتح تحقيق في فاجعة تارودانت لتحديد الأسباب والمسؤوليات، فيما انتقل محمد ساجد، وزير السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، وهو ابن الإقليم، إلى عين المكان لتعزية أقارب الضحايا وحضور جنازاتهم.
غير أن المسؤول هذه المرة قد يكون أكثر وضوحا، كما ألمحت إلى ذلك تدوينة لكاتبة الدولة السابقة المكلفة بالماء، شرفات أفيلال، التي قالت عبر حسابها في الفيسبوك إن الأمر يتعلق بـ"الترامي على الملك العام المائي وعشوائية التعمير"، في إشارة إلى أن إنشاء الملعب وسط مجرى المياه كان في الأساس ممنوعا.
وبالرجوع إلى القانون 36.15 المتعلق بالماء، والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 10 غشت 2016، يتضح أن المادة 117 المتعلقة بالحماية والوقاية من أخطار الفيضانات تنص على أنه "يمنع في الأراضي التي يمكن أن تغمرها المياه إقامة حواجز أو بنايات أو تجهيزات أخرى من شأنها أن تعرقل سيلان مياه الفيضان".
وكان النائب البرلماني عن دائرة تارودانت الشمالية عبد اللطيف وهبي، المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، قد وجه سؤالا كتابيا لعبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، يطلب من خلال الكشف عن "نتائج التحقيق العاجل الذي فتحته مصالح الوزارة لتحديد المسؤوليات، ومتابعة كل من تبت تورطه في هذه الكارثة"، متسائلا عن الإجراءات الآنية التي ستتخذها الوزارة لمعالجة مشكل إيجاد عقار لبناء ملعب آمن بهذه الجماعة، وعن الإجراءات العامة المتخذة "لحل المشاكل التي تعيشها العديد من الجماعات لاسيما القروية والنائية منها، على مستوى العقار المخصص للمشاريع الاجتماعية عموما".
وصفة العامل: الانتظار والصبر
حاولت وزارة الداخلية تهدئة سكان المنطقة بسرعة مباشرة بعد الفاجعة ببعث عامل إقليم تارودانت، الحسين أمزال، إلى عين المكان للاستماع إلى المسؤولين الجماعيين وكذا الناجين وأقارب الضحايا، لكن خرجته التي وثقتها كاميرات هواتف بعض السكان لم تكن في نظر الكثيرين "موفقة".
فالعامل الذي قال إنه قدم بتعليمات من الملك، والذي كان يصر سماع عبارة أن "الملعب لم يسبق أن غمرته المياه"، قال إن عمليات البحث "ستنطلق مع الصباح"، قبل أن يطلب من المنتخبين حث الأسر على "الصبر والتضامن واليقين بالله".
وفي المقابل أكدت شهادات من حضروا الفاجعة، أن السكان بإمكانياتهم البسيطة بادروا إلى إنقاذ الضحايا وانتشال الجثث، فيما أعلنت السلطات المحلية مساء يوم الفاجعة عن العثور على شخص واحد حيا، ويتعلق الأمر برجل مسن تم نقله إلى المستشفى.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :