بقدرة إنتاجية تصل إلى 37 مليون متر مكعب سنوياً.. أشغال محطة تحلية مياه البحر بالداخلة تلامس 75 في المائة
تسير أشغال مشروع محطة تحلية مياه البحر، الواقعة شمال مدينة الداخلة بمسافة 140 كيلومترا، وفق وتيرة متسارعة تتناسب والجدول الزمني المسطر لها، وفق المعطيات الرقمية التي تحصّلت عليها "الصحيفة" من المسؤولين القائمين على هذا الورش الملكي الاستراتيجي الأكبر من نوعه بالجهة وواحد من بين أوائل المشاريع في العالم التي تستخدم الطاقة الريحية لإنتاج الطاقة وتشغيل محطة التحلية بهدف ري 5000 هكتار من الأراضي الزراعية.
ويتضمن مشروع محطة تحلية مياه البحر بالداخلة وحدة لتحلية المياه باستخدام تقنية التناضح العكسي، بقدرة إنتاجية تصل إلى 37 مليون متر مكعب سنوياً، منها 7 ملايين متر مكعب مخصصة لتزويد مدينة الداخلة وضواحيها بمياه الشرب. يشمل المشروع أيضاً منشآت بحرية تضم مأخذ مياه البحر، قناة لجلب المياه، قناة لتصريف المياه المركزة، أنبوب لإمداد المياه، حوض لتخزين مياه البحر، محطة ضخ مياه البحر، وحوض تجميع المياه المركزة قبل تصريفها في البحر.
ويتكون المشروع الاستراتيجي، من منشآت للتصفية الأولية، ومنشآت للترشيح والتقنية التناضحية العكسية، بالإضافة إلى وحدة لإعادة التمعدن، كما يشمل أيضاً خزانات للمياه المحلاة بمقدار 2500 متر مكعب لكل منهما، وصهريجين لمياه الري بسعة 87,000 متر مكعب لكل واحد، هذا فضلا عن محطة توزيع كهربائية فرعية لتوفير الطاقة اللازمة لوحدة التحلية، وحقل لإنتاج الطاقة الريحية بطاقة سنوية تصل إلى 60 ميجاوات، إضافة إلى إنشاء مدار سقوي جديد على مساحة 5000 هكتار.
وكشف خالد غزالي، الخبير في مجال المياه والمسؤول عن مشروع محطة تحلية مياه البحر بالداخلة، أن المشروع يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافه المسطرة مسبقاً، مؤكدا أن نسبة التقدم الإجمالي في إنجاز المشروع بلغت حوالي 75 في المائة، مما يعكس التزام القائمين عليه بالجدول الزمني للمحدد المشروع الذي يُعد خطوة استراتيجية لتلبية احتياجات المنطقة من المياه الصالحة للشرب، إلى جانب كونه حلاً مبتكراً للحد من استنزاف الموارد المائية الجوفية بشكل غير مستدام، خصوصاً في القطاع الفلاحي، سيما وأن المحطة ستسهم في تزويد المناطق الزراعية بتقنية ري متطورة تشمل مداراً سقوياً جديداً يمتد على مساحة 5000 هكتار، ما يساهم في تعزيز التنمية الفلاحية بالمنطقة" وفق تعبير المسؤول.
وفيما يتعلق بمراحل إنجاز المكونات الثلاثة الرئيسية للمشروع والتي سبق لـ "الصحيفة" أن زارتها في وقت سابق من شهر غشت، أوضح غزالي في تصريحه لـ"الصحيفة" أن نسبة تقدم أشغال محطة التحلية بلغت 38 في المائة، بينما وصلت نسبة إنجاز مزرعة الرياح، التي تعد مصدراً للطاقة النظيفة لدعم المشروع، إلى 88 في المائة، أما ما يتعلق بمنطقة الري التي تغطي المساحة المقدرة بـ5000 هكتار، فقد سجلت تقدماً عملياً بنسبة 72 في المائة مع نهاية شهر دجنبر الجاري، وهي الأرقام التي تؤكد حسبه سير المشروع نحو تحقيق أهدافه الطموحة في خدمة سكان الداخلة وضواحيها، وإرساء نموذج تنموي مستدام في المنطقة، والانتهاء من أشغاله الصيف المقبل.
وستكون محطة التحلية التي بدأت أشغالها في دجنبر 2022، والمقدرة تكلفتها بحوالي 2.5 مليار درهم، قدرة إنتاج تصل إلى 37 مليون متر مكعب سنويًا، منها 7 ملايين متر مكعب سنويًا مخصصة لمياه الشرب لإقليم الداخلة والمناطق المحيطة بها، أما مزرعة الرياح، فستبلغ طاقتها حوالي 60 ميغاواط سنويًا، وسيكون طول شبكة الري الإجمالية 113 كيلومترًا، بمعدل تدفق في البداية يصل إلى متر مكعب في الثانية.
وبدأت أولى إرهاصات التفكير في مشروع محطة تحلية مياه البحر بمدينة الداخلة عام 2013، بعدما سُجّل ضغط متزايد على المياه والمشاكل المرتبطة بندرتها، حينها، كان قد تم تحديث المخطط الرئيسي لإدارة الموارد المائية (PDAIRE) في حوض الصحراء من قبل وكالة الحوض المائي للساقية الحمراء ووادي الذهب قبل ذلك بسنة (عام 2012)، حيث شرعت الدولة في التفكير، حينها، بضرورة إيجاد حل لهذا المُشكل سيما وأن المياه الجوفية العميقة في مدينة الداخلة هي مياه عميقة، وغير متجددة. وهكذا، أوصت دراسة قامت بها وكالة الحوض المائي، بأن يتوقف القطاع الزراعي عن استغلال المياه الجوفية، نظرًا لأن مخزونها قد يتعرض لاستنزاف سريع مع التطور الزراعي المُكثف.
وتمتلك الداخلة إمكانات كبيرة في مجال الإنتاج الزراعي، خاصة الخضروات ذات القيمة المضافة العالية التي تُخصص للتصدير، بالإضافة إلى كونها قطاعًا واعدًا جدًا للمنطقة، خاصة من حيث خلق فرص العمل. بمعنى آخر، فإن وقف تطوير الزراعة لم يكن هو الحل الأسهل الذي يمكن القبول به، لذا، قررت وزارة الفلاحية، حينها، الاستمرار في تطوير الزراعة في منطقة الداخلة، ولكن مع استخدام مورد مائي بديل وهو تحلية مياه البحر، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء منطقة ري بمساحة 5000 هكتار.
وكان الملك محمد السادس، في خطابه الأخير إلى الأمة بمناسبة تخليد الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، قد استحضر إسهام هذا المشروع الاستراتيجي المرتقب الانتهاء منه الصيف المقبل في النهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة مع توجيه الحكومة لاعتماد المحطة على المؤهلات الكبيرة من الطاقات النظيفة التي تتوفر عليها الأقاليم الجنوبية للمملكة، كما حث الحكومة على ضرورة السهر على تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع الكبرى الخاصة بتحلية مياه البحر في ظل التحديات التي باتت تجابهها المملكة بسبب توالي سنوات الجفاف.
ويراهن المسؤولون على خلق ديناميكية اقتصادية، حيث يرتقب جذب حوالي 2.5 مليار درهم كاستثمارات في المنطقة في القطاع الزراعي من خلال تأمين المياه الخاصة بالسقي إضافة إلى مياه الشرب، من خلال استخدام مصدر دائم وهو مياه البحر الذي يعد موردا لا ينضب مقارنة بالمياه من مصادر تقليدية، وهذا يعني حسب مدير المحطة، أن هذا المشروع سيمنح ضمانًا للمستثمرين الذين سيكونون مطمئنين على ديمومة تزويد مشاريعهم الفلاحية بالمياه المطلوبة للسقي، كما سيسهم في فتح عدة مسارات للتنمية سواء في القطاع السياحي، أو العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى، سيما وأن موقع المحطة يقع على بُعد 130 كيلومترًا من مدينة الداخلة، وبالتالي ستساهم المحطة في دفع التنمية في المنطقة نحو شمالها.