الأطراف الليبية تجتمع ببوزنيقة لإيجاد توافق.. ووزير الخارجية المغربي يدعو لاستلهام روح اتفاق الصخيرات والتحضير لانتخابات ذات مصداقية
دعا وزير الخارجية ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، الأطراف الليبية المشاركة في الاجتماع التشاوري بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، الذي تحتضنه بوزنيقة في الفترة الممتدة ما بين ما بين 18 و19 دجنبر الجاري، إلى استلهام روح الصخيرات في هذه المرحلة الحاسمة التي تتزامن والتحولات الجيوسياسية الاقليمية والدولية، مشدّدا على أن ليبيا بحاجة اليوم إلى حكومة وحدة وطنية تُلبّي تطلعات الليبيين الاقتصادية والاجتماعية، وتُسهم في تحقيق الاستقرار، ومعالجة ازدواجية بعض المؤسسات بشكل يواكب الإرادة الوطنية في القضايا الداخلية والخارجية والتحضير لانتخابات ذات مصداقية.
بوريطة، وفي كلمة ألقاها صبيحة اليوم الأربعاء في افتتاح أشغال الاجتماع التشاوري بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، قال إن اختيار مدينة بوزنيقة لاحتضان هذا اللقاء التشاوري يعكس الثقة الدائمة التي تجمع بين البلدين والشعبين الشقيقين، موردا "من الواضح أن هناك ارتياحًا لعقد اجتماعاتكم في بلدكم الثاني المغرب، وهو ما يتماشى مع المقاربة المغربية إزاء الملف الليبي منذ بدايته، والتي تعتمد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام إرادة الليبيين، ودعم اختيارات المؤسسات الليبية الشرعية للدفع نحو حل الأزمة الليبية."
واستحضر المسؤول الحكومي المغربي اتفاق الصخيرات في معرض كلمته، وهو يقول إنه وقبل تسع سنوات، وتحديدًا يوم 17 دجنبر 2015، تم توقيع اتفاق الصخيرات، الذي شكّل مرجعية أساسية وأعطى الليبيين إطارًا يُعمل به حتى اليوم، وهذا الاتفاق جاء بفضل إرادة الليبيين أولًا وقبل كل شيء، وأتاح لهم آليات اشتغال واضحة وأفقًا اختاروه بأنفسهم لمعالجة مشاكلهم وبناء مؤسساتهم، مشيرا إلى أن اتفاق الصخيرات منح ليبيا مؤسسات مهمة مثل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، الحاضرين اليوم، كما ساهم في تحقيق نوع من الاستقرار وتوفير مخاطبين على المستوى الدولي.
ورغم أهمية هذا الاتفاق، يضيف بوريطة "فإننا ونحن نحتفل بذكراه التاسعة، نؤكد الحاجة إلى استلهام روح الصخيرات في هذه المرحلة الحاسمة، هذه الروح الوطنية التي تجلت آنذاك في تغليب مصلحة الوطن، وإبداء إرادة حقيقية لتجاوز العقبات، والوصول إلى حلول بناء عل تنازلات عدة قدمتها الأطراف الليبية التي قدّمت المصلحة الفضلى لوحدة الوطن".
وشدّد المسؤول الحكومي المغربي، على أن ليبيا والمجتمع الدولي بحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى تلك الروح التي أظهرت قدرة الليبيين على حل مشاكلهم بأنفسهم، متمنيا أن تكون هذه الروح حاضرة بقوة في المراحل المقبلة، خاصة أن هذا الاجتماع يُعقد في سياق عربي وإقليمي معقد، تميز بتحولات كبرى واضطرابات وتدخلات غير عربية في الشؤون العربية، وهو السياق يطرح تساؤلات عميقة حول كيفية الحفاظ على وحدة ليبيا وسلامة أراضيها وسيادة شعبها في هذه الظرفية الدقيقة.
ووفق بوريطة، هناك حاجة ماسة اليوم لتحريك الملف الليبي، خاصة في ظل بعض الأفكار والمقترحات المطروحة على مستوى البعثة الأممية، موردا أنه "ومن هنا تبرز أهمية تفاعل المؤسسات الليبية مع هذه الأفكار، من خلال دعمها أو مناقشتها بوضوح، وهو ما يجعل هذا الاجتماع التشاوري ضرورة لتوحيد الرؤى"
وزاد المتحدث قائلا: "هذه الروح التي كانت قبل 9 سنوات، وجعلت الليبيين يظهرون للعالم أن لديهم القدرة والارادة والرؤية لحل مشاكلهم هي اليوم التي ليبيا والمجتمع الدولي يحتاجها ونتمنى أن تكون حاضرة في المراحل المقبلة انطلاقا من هذا الاجتماع علما أن هذا الاجتماع ينعقد في سياق معقد على مستو العالم العربي، وكنا نقول سابقا أن أجندة مجلس الامن ثلثيها هي قضايا متعلقة بعدم الاستقرار في افريقيا، واليوم نقول بأن 80 في المائة من قضايا العالم العربي موجودة في مجلس الأمن وهذا يدخل في سياق التحولات الكبيرة التي يعرفها عالمنا العربي، والاحداث المتسارعة والتدخلات غير العربية في الشؤون العربية، اضطرابات التي تعرفها المنطقة، وهذا السياق هو الاخر، يسائلنا جميعا والليبيين بالدرجة الأولى كيف يمكنهم الحفاظ على وحدة بلدهم وعلى سلامة أراضيهم، على سيادة الليبيين في هذا الظرف الدقيق الذي تمر منه المنطقة العربية".
وتابع المسؤول المغربي: "اليوم، يبدو واضحًا أن ليبيا بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية تُلبّي تطلعات الليبيين الاقتصادية والاجتماعية، وتُسهم في تحقيق الاستقرار، وتحضير انتخابات ذات مصداقية، فهذه الحكومة يجب أن تُعالج ازدواجية بعض المؤسسات وتواكب الإرادة الوطنية في القضايا الداخلية والخارجية."
ونبّه بوريطة، إلى أن المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، يظل موقفه ثابتًا وغير متأثر بتغير الأحداث أو السياقات، موردا: "نحن نعتبر استقرار ليبيا جزءًا من استقرارنا، ووحدتها امتدادًا لوحدتنا، والحل الدائم لا يمكن أن يكون إلا في يد الليبيين أنفسهم، ولا يمكن فرض أي حل خارجي عليهم، فكما أثبتت التجربة، فإن كثرة المؤتمرات الدولية والإقليمية لن تعوض الحوار الليبي-الليبي، لأن الشرعية تبقى في طرابلس وفي يد الليبيين."
وتابع المتحدث: "المغرب يؤمن بأن الحوارات الليبية يجب أن تُجرى في سياق خالٍ من التدخلات الخارجية، وأن تأتي المبادرات من الليبيين أنفسهم، ودور المغرب يقتصر على توفير مساحة محايدة للحوار، بعيدًا عن الضغوط أو التأثيرات، فالمجلسان، مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، هما أداتان أساسيتان لأي تقدم في مسار الحل الليبي، قد يكون الحل صعبًا بمشاركتهما، لكنه مستحيل في غيابهما."
وختم بوريطة تصريحه، وهو يأمل أن يكون هذا الاجتماع التشاوري خطوة إيجابية نحو تعزيز الحوار الليبي، متمنيا أن يلتحق رئيسا المجلسين، خالد المشري وعقيلة صالح، بهذا الاجتماع، لأن الحل يكمن في أيدي الليبيين وحدهم، والمغرب يظل دائمًا مستعدًا لدعمهم وتشجيعهم، لكن القرارات والنقاشات يجب أن تكون ليبية خالصة.
ويأتي هذا اللقا التشاوري المغلق، الذي تحتضنه بوزنيقة بعد يومين على تقديم الأمم المتحدة، خطة لمساعدة ليبيا في تنظيم انتخابات وتوحيد الحكومتين المتنافستين في البلاد وإصلاح المؤسسات، حسبما ذكرت المبعوثة الأممية إلى ليبيا أمام مجلس الأمن الدولي الإثنين الماضي.
وتكافح ليبيا البالع عدد سكانها 6,8 مليون نسمة، للتعافي من سنوات النزاع الذي أعقب انتفاضة العام 2011 التي جرت بدعم من حلف شمال الأطلسي، وأدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق معمر القذافي، فيما لا تزال ليبيا منقسمة بين حكومة معترف بها دوليا مقر ها في العاصمة طرابلس، وأخرى منافسة في الشرق وتحظى بدعم المشير خليفة حفتر.
وقالت مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا ستيفاني خوري " قدمت إلى الشعب الليبي خطة بعثة الأمم المتحدة من أجل مبادرة سياسية شاملة بين الليبيين"، مؤكدة أن الخطة ستساعد البلاد على "تخطي الجمود السياسي الحالي والمضي قدما نحو إجراء انتخابات وطنية وتجديد شرعية المؤسسات الليبية المنتهية الصلاحية".
ووفق خوري، فإن بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا ستنشئ لجنة استشارية للمساعدة في حل القضايا الانتخابية وتمهيد الطريق لانتخابات عامة، فيما لم يتم تقديم تفاصيل بشأن تاريخ إجراء الانتخابات.
من جهته، قال سفير ليبيا لدى الأمم المتحدة طاهر السني، إن المتحدثين أمام مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في بلاده "يجب أن يعتذروا للشعب الليبي". موضحا أن "القاسم المشترك الوحيد هو الاعتراف بالطريق المسدود والافتقار إلى رؤية واضحة أو إطار زمني، في حين تظل العملية السياسية المقبلة بعيدة المنال".
وفي أعقاب وقف إطلاق النار بين الأطراف الليبية المتحاربة، سعى اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة وتم توقيعه في جنيف، إلى إنشاء مؤسسات انتقالية مع التخطيط لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية على مستوى البلاد في دجنبر 2021، ولكن تم تأجيل هذه الانتخابات جراء خلافات على الإطار القانوني الذي ستجري بموجبه.
وأجريت بعض الانتخابات المحلية والإقليمية منذ ذلك الحين، كما هو الحال في مصراتة ثالث أكبر مدينة في البلاد التي شهدت انتخابات في 16 نونبر 2024، ولكن لم تنظم أي انتخابات ديموقراطية على المستوى الوطني.