بعدما طالب بتسليم ثروات الليبيين إلى تركيا.. مفتي ليبيا المعزول يتّهم المخابرات المغربية بتأجيج الانقسامات الداخلية والتدخل في الشأن الليبي

 بعدما طالب بتسليم ثروات الليبيين إلى تركيا.. مفتي ليبيا المعزول يتّهم المخابرات المغربية بتأجيج الانقسامات الداخلية والتدخل في الشأن الليبي
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأثنين 23 دجنبر 2024 - 16:09

يواصل المفتي الليبي المعزول، الصادق الغرياني، إحداث ضجة في الأوساط الليبية والعربية من خلال تصريحاته وفتاويه التي كثيرًا ما تثير الجدل، وتستدعي ردود فعل متباينة بين الرفض والاستهجان، لعل آخرها خرجته الإعلامية، التي وجه فيها اتهامات مباشرة للمخابرات المغربية، بالعمل على استضافة شخصيات ليبية معارضة لما يعتبره "الشرعية"، بهدف الإعداد لتشكيل حكومة انتقالية جديدة، زاعمًا أنها بهذا تتدخل في الشأن الداخلي الليبي بطرق تساهم في تعميق الانقسامات السياسية.

وانتقد الشيخ الدكتور الصادق الغرياني، مفتي ليبيا المعزول، في حلقة من برنامجه "الإسلام والحياة" بتاريخ 18 دجنبر 2024، ما وصفه بدور المخابرات المغربية في الشأن الليبي، مدّعيا أن هذه التدخلات تهدف إلى تأجيج الانقسامات الداخلية من خلال استضافة شخصيات ليبية معارضة للشرعية بهدف تشكيل حكومة انتقالية جديدة، وذلك في إشارة إلى الاجتماع التشاوري الذي احتضنته مدينة بوزنيقة، بمشاركة متساوية لحوالي 120 مسؤولًا من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، والذي تم تنظيمه لدفع العملية السياسية نحو الوصول إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية، عبر الاتفاق على خارطة طريق موحدة تتضمن تشكيل حكومة موحدة.

ووجّه المفتي الليبي المعزول، الصادق الغرياني، المعروف بمواقفه المثيرة للجدل وفتاواه التي طالما أثارت لغطًا واسعًا داخل ليبيا وخارجها، اتهاماته لما وصفها بـ"مجموعة منشقة من مجلس الدولة الليبي"، متهمًا إياها بالتعاون مع أجهزة استخبارات أجنبية لتحقيق أجندات تتعارض مع المصلحة الوطنية، معتبرا أن تصرفات هذه المجموعة لا تكتفي بإلحاق الضرر بالوطن فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى الإضرار بالدين الإسلامي وقيمه، في صورة أشد خطورة، بحسب قوله، من تلك التي قد تصدر عن التيارات العلمانية.

وفي محاولة لاستثارة العواطف، زعم الغرياني أن هذه المجموعة، رغم انتمائها المعلن للمشروع الإسلامي، ألحقت بالإسلام أذى كبيرًا عبر تصرفاتها، معتبرًا أنها قدمت صورة سيئة عن الإسلام والمسلمين وأساءت إلى القيم التي تزعم الدفاع عنها، مشدّدا على أن أفعال هذه المجموعة أدت إلى خلق انطباع سلبي حول كل ما يرتبط بالإسلام، مما أثار استياء شريحة واسعة من الليبيين الذين يرون في هذه التصرفات تقويضًا للمبادئ التي يفترض أن تكون في صلب المشروع الإسلامي.

وفي ذات السياق، صعّد الغرياني من حدة خطابه، موجهًا انتقادات لاذعة لما أسماه بـ"التدخلات الممنهجة" من المخابرات المغربية في الشأن الليبي، مشيرا إلى أن هذه التدخلات، التي يرى أنها تعود إلى مرحلة اتفاق الصخيرات، تهدف إلى زعزعة استقرار ليبيا عبر تأجيج الانقسامات الداخلية، كما زعم أن المخابرات المغربية تسعى إلى تحقيق أجندات معينة من خلال استضافة شخصيات ليبية معارضة لما يصفه بـ"الشرعية"، بهدف الدفع نحو تشكيل حكومة انتقالية جديدة، مؤكدا أن هذه الممارسات هي محاولة واضحة لتقويض الاستقرار الداخلي في ليبيا، معتبرًا أن هذه السياسات لا تخدم سوى مصالح أطراف خارجية على حساب وحدة الشعب الليبي وتماسكه.

المفتي الليبي المعزول، أكد أيضا رفضه القاطع للمشروع الذي تقوده الأمم المتحدة لحل الأزمة الليبية، متهمًا إياه بالسعي لإبقاء ليبيا وغيرها من الدول في دائرة الصراعات والأزمات تحت وصاية دولية، معتبرا عبر برنامجه الذي يبث على قناة "التناصح"، أن بعثات الأمم المتحدة منذ دخولها إلى ليبيا لم تأتِ بأي نتائج ملموسة سوى تكرار العبارات المألوفة في إحاطاتها لمجلس الأمن حول "التوافق" و"الاستقرار"، دون أن تحقق أي خطوات عملية لتحقيق ذلك.

وأضاف الغرياني أن تصريحات البعثات الأممية حول إقرار الدستور وإجراء الانتخابات مجرد أقوال لا تعكس الواقع، مشيرًا إلى أن أفعالها ومخططاتها على الأرض تعكس رغبة في منع الوصول إلى حلول حقيقية تُخرج البلاد من محنتها، كما اعتبر أن البعثة الدولية تعمل بكل الوسائل لإجهاض أي محاولات لتحقيق هذا الهدف الأساسي، متهمًا إياها بأنها عائق أمام استعادة السيادة الليبية.

وفي سياق متصل، ربط الغرياني انتقاداته للبعثة الأممية بموقفه تجاه دور المغرب في الأزمة الليبية، فبينما اتهم الأمم المتحدة بتقويض الجهود المحلية، وجه سهامه إلى المغرب، مدعيًا أن تدخلاته في الشأن الليبي من خلال استضافة مشاورات سياسية، مثل اجتماع بوزنيقة، تهدف إلى تعزيز الانقسامات بين الأطراف الليبية، معتبرا أن المغرب، الذي لطالما احتضن حوارات ليبية تحت شعار "الحوار الليبي-الليبي"، يعمل بالتوازي مع المجتمع الدولي لإبقاء ليبيا في دائرة الانتقال السياسي دون الوصول إلى حلول جذرية.

ورغم كيل الاتهامات التي وجهها المفتي المعزول، إلا أنه وحسب ما رصدته جريدة "الصحيفة" من تعليقات متعددة حول الخبر الذي تناقلته قلة قليلة من المنابر الإعلامية الليبية المحلية، فإن ردود فعل الليبيين تجاه تصريحات الشيخ الصادق الغرياني اتسمت بالتباين، لكنها حملت في مجملها نبرة انتقادية، فقد رأى العديد من المعلقين أن هذه التصريحات لا تعدو أن تكون محاولة جديدة من الغرياني لاستعادة مكانته السياسية والإعلامية، خاصة بعد سلسلة من المواقف والتصريحات السابقة التي أثارت الجدل، بما في ذلك فتاوى وصفها البعض بغير المفهومة وأخرى اعتُبرت مسيئة لدول بعينها، ما جعلها محل استهزاء وسخرية واسعة.

من جهة أخرى، اعتبر بعض المعلقين أن تصريحات الغرياني تعكس موقفًا عدائيًا وغير مبرر تجاه الأطراف التي تبذل جهودًا حثيثة لتجاوز حالة الانسداد السياسي في ليبيا، بعيدًا عن الحسابات الإيديولوجية والانقسامات الداخلية، كما أشاروا بشكل خاص إلى الدور المغربي، الذي أثبت على مر السنوات التزامه بتوفير بيئة محايدة للمشاورات الليبية، دون التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وشددوا على أن المغرب لطالما أصر على أن يكون الحوار ليبيًا خالصًا في كافة مراحله، مما جعله شريكًا يُشهد له بالنزاهة في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين.

يُعتبر اولموقف الأخير للمفتي الليبي المعزول، الشيخ الصادق الغرياني، من بين سلسلة من التصريحات والفتاوى المثيرة للجدل التي لا تزال تثير الاستغراب والاستهجان داخل الأوساط الليبية، فمنذ سنوات، أطلق العديد من الفتاوى الغريبة التي لاقت ردود فعل شديدة من قبل الليبيين، والعديد منها كان مثارًا للانتقاد بسبب محتواها الذي يتعارض مع القيم الوطنية والدينية المتعارف عليها.

ومن أبرز هذه الفتاوى التي أثارت ضجة كبيرة في البلاد، تلك التي تحرم على الليبيين شراء السلع من بعض الدول العربية، مثل مصر، التي وصفها بأنها "عدوّة" للشعب الليبي، مؤكدا أنه لا يجوز التعامل التجاري مع الدول التي تتعارض مصالحها مع ليبيا، وأن التجارة مع هذه الدول من شأنها تقوية موقفها على حساب مصلحة الشعب الليبي، إذ قال: "لا يجوز شراء سلع من مصر أو غيرها من الدول التي تعادينا، لأن التجارة معهم تقوية لهم"، وهي التصريحات التي لم تلقَ قبولًا من معظم الليبيين، الذين اعتبروا أنها تتجاوز حدود العقلانية وتصب في تعزيز الانقسامات الداخلية.

وفي نفس السياق، أطلق الغرياني فتاوى أخرى غريبة وموضع تساؤل، أبرزها تلك التي دعا فيها إلى تسليم ثروات الليبيين إلى تركيا، عبر منحها أولوية في عمليات التنقيب عن النفط والغاز. وقد أثار هذا التصريح موجة واسعة من الاستنكار، حيث اعتبره العديد من المراقبين تساوقًا مع مصالح دول أجنبية على حساب السيادة الوطنية الليبية، بل إن الغرياني، الذي يقيم في تركيا، قد كشف في أحد البرامج التلفزيونية عن ما وصفه بخطة أنقرة لاستنزاف ثروات ليبيا، متهمًا إياها بالسعي وراء أطماعها في البلاد من خلال دعم حكومة الوفاق بشكل عسكري وسياسي، مما زاد من حالة الاستياء الشعبي.

ومنذ عام 2012، أصبح الشيخ الغرياني أحد أبرز الشخصيات التي تلعب دورًا دينيًا في دعم الجماعات المتطرفة في ليبيا، عبر إصدار فتاوى تتماشى مع أجنداتها ومصالحها، فقد تسببت فتاواه في إشعال العديد من المواجهات والعنف، حيث دعت الجماعات الإرهابية إلى حمل السلاح ومواجهة قوات الجيش الوطني الليبي، وبذلك، أصبح الغرياني أحد أبرز الداعمين لانتشار الفوضى والفتن في ليبيا، مما ساهم بشكل كبير في تعميق الانقسام بين القوى السياسية المختلفة في البلاد.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

 الجزائر.. وأزمة هُوية سَحيقة

انحدر النظام الجزائري إلى حفرة عميقة من التاريخ للبحث عن هوية مفقودة، يبني بها شرعيته كنظام قتل 250 ألف جزائري في العشرية السوداء (2002-1991). وهو ذات النظام الذي يبحث، أيضا، ...

استطلاع رأي

من تُرشح ليكون أفضل لاعب مغاربي لسنة 2024؟

Loading...