من مُقترحٍ في قناة تلفزيونية إلى نفيٍ رسمي إسرائيلي.. ترحيل أهالي غزة إلى المغرب: كرةُ ثلجٍ صنعها التضليل الإعلامي
اضطر مسؤول دبلوماسي إسرائيلي رفيع في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الإقرار بأن معلوماتٍ أدلى بها بخصوص إمكانية نقل الفلسطينيين الذين اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترحيلهم عن قطاع غزة، إلى المغرب، كانت خاطئة، ليؤكد أن هذا المعطى، الذي انطلق كـ"مُقترح" صدر عن محلل سياسي في قناة تلفزيونية، كبر بسرعة مثل كرة الثلج، لدرجة أنه خرج عن السيطرة.
وأصبح إسرائيل بشار، القنصل العام الإسرائيلي في منطقة جنوب غرب المحيط الهادي الأمريكية، أول مسؤول رسمي إسرائيلي، يؤكد أن المعطيات المُنتشرة بخصوص ترحيل الفلسطينيين إلى المغرب "غير صحيحة"، بعدما فضلت المملكة والإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلة، طيلة الأيام الماضية، عدم التفاعل معها على المستوى الرسمي.
القنصل الإسرائيلي يقع في الفخ
عندما استضافت شبكة CBN News الأمريكية إسرائيل بشار، لمناقشة مقترح ترامب لتهجير سكان قطاع غزة، فإنها كانت تتحد إلى مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الإسرائيلية، والذي يمثل الدولة العبرية دبلوماسيا في 5 ولايات وهي كاليفونيا وأريزونا ويوتا ونيفادا وهاواي، لذلك فإن كلامه عن المغرب كان أقرب إلى تصريح رسمي.
Unprecedented
Consular General of Israel
to Pacific southwest - Bachar pic.twitter.com/hLcKoue03b
— Keenadiid (@KarkaarShuayb) February 6, 2025
وأورد بشار "بالنسبة لسكان غزة، أولاً، نحن لا نتحدث تحديدا عن مصر أو الأردن، ومما أسمعه، يدور الحديث حول ثلاث دول مختلفة، وهنا تأتي المعلومة التي قد تكون ذات أهمية إخبارية، إنهم يتحدثون عن المغرب، والصومال، ومنطقة مجاورة للصومال تُسمى بونتلاند، هذه هي الأماكن التي يتم النظر إليها كوجهات محتملة لإعادة توطين سكان غزة".
والملاحظ أن الدبلوماسي الإسرائيلي تفادى استخدام عبارات تُظهر هذا المعطى وكأنه معلومة مؤكدة، مبرزا أن ذلك "ما تناهى إلى مسامعه"، وهو الأمر الذي فرض عليه سريعا، بتاريخ أمس الجمعة 7 فبراير 2025، نشر تغريدة على حسابه الموثق في موقع "إكس" للتواصل الاجتماعي، جاء فيها "ملاحظاتي بخصوص المغرب لم تكن صحيحة".
تحليل لا خبر
الوصول إلى مرحلةٍ يتحدث فيها مسؤول إسرائيلي بتلك المعطيات، ثم يسارع إلى تكذيبها بنفسه، خلفه مسار متسارع من تداول المعطى ذاته على أنه "خبر" مع نسبه إلى الرئيس الأمريكي، على الرغم أن واشنطن لم تطرح مقترح المغرب بأي صيغة رسمية، على عكس ما حصل مع مصر والأردن، البلدان اللذان طرحهما ترمب علنا، كما أن حكومة بنيامين نتنياهو أيضا لم تتحدث عن أي صيغة مماثلة مع الرباط.
My remarks in regard to Morocco were not accurate .
— Israel Bachar (@IsraelBachar_) February 7, 2025
القصة بدأت يوم الأربعاء 5 فبراير 2025، عبر القناة الـ 12 الإسرائيلية، على لسان عميت سيغال، وهو ليس مسؤولا سياسيا أو عسكريا، بل يُقدم نفسه، عبر حسابه في موقع "إكس"، على أنه "كبير المحللين السياسيين" في تلك القناة وفي صحيفة "يديعوت أحرنوت"، وهو أيضا لم يطرح هذه المعلومة كـ"خبر" بل كـ"مقترح يمكن التفاوض عليه".
وجاء في كلام سيغال "سأعطيكم 3 خيارات لتتم حولها المفاوضات بكل جدي، أولا "صوماليلاند"، وهي دولة غير معترف بها تابعة للصومال، والثانية، التي أؤكد لكم أنني لم أخترعها، هي بونتلاند، المتمتعة بنوع من الحكم الذاتي، وهناك أيضا المغرب، وهي دولة معروفة بشكل أكبر".
ومُنطلق سيغال عند طرح هذا الأمر هو أن العامل المشترك بين المناطق الثلاث هو أنها "تحتاج إلى دعم سياسي قوي من الولايات المتحدة الأمريكية"، على اعتبار أنها تعيش على وقع نزاعات ترابية، فكل من "صوماليلاند" و"بونتلاند" تحتاجاج إلى الاعتراف بكونها دولتان، أما المغرب فلديه قضية الصحراء، وفق ما جاء على لسان المتحدث نفسه، وأضاف أن تلك المناطق قد تكون مناسبة "لأن غالبية سكانها مسلمون سنة، وهي مطلة على البحر"، خاتما كلمه بنبرة تشكيك قائلا "هل سيتم هذا الأمر؟ لا نعرف".
انتشار سريع.. ومُضلل
مباشرة بعد ذلك، انتشر هذا المقرح كالنار في الهشيم، مع نسبه إلى إدارة ترامب، فشبكة "الجزيرة" مثلا، عممت منشورا عبر منصاتها للتواصل الاجتماعي جاء فيه "القناة الـ 12 الإسرائيلية: ترامب يخطط لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى المغرب وصوماليلاند وبونتلاند في إفريقيا"، أما قناة "العربية" فعنونت "إعلام إسرائيلي: ترامب يريد نقل سكان غزة إلى المغرب".
هذا المعطى انتشر بشكل أكبر بعد مقال لصحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية الناطقة بالإنجليزية، بعنوان "ترامب يدرس إقامة المغرب وبونتلاند وأرض الصومال كأماكن لتوطين أهالي غزة"، والملاحظ أن ما انتشر بشكل كبير عبر منصات التواصل الاجتماعي هو العنوان والصورة المرافقة له، أما مضمون المقال فكانت انتشاره محدودا.
والحقيقة هي أن مضمون المقال ليس سوى تكرار لما جاء على لسان عميت سيغال، لكن مع نسبه إلى الإدارة الأمريكية بشكل يفتقر للدقة، إذ جاء فيه "أفاد تقرير نشرته القناة الـ12 يوم الأربعاء بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدرس ثلاث مناطق محتملة لاستيعاب اللاجئين من غزة، بعد إعلانه عن خطة أمريكية للسيطرة على القطاع وإعادة توطين سكانه في أماكن أخرى لإعادة إعمار المنطقة، ووفقًا للتقرير، فإن المناطق الثلاث الجاري النظر فيها هي المغرب بونتلاند وصوماليلاند".