جون أفريك: السفير الجديد لواشنطن في الرباط هو مبعوث ترامب إلى المغرب لفتح قنصلية الداخلة وفرض لغة المال والأعمال في الصحراء المغربية
ما تزال شخصية السفير الأمريكي الجديد في المغرب، ريتشارد ديوك بوكان الثالث، تُثير فضول المتابعين وتستحوذ على عناوين أبرز الأخبار الدبلوماسية، فالسفير، الذي وقع اختيار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عليه لقيادة سفارة واشنطن في الرباط، لم يكن تعيينه حدثًا عابرًا، بل حمل في طياته "رسائل سياسية بارزة ودلالات عميقة، وجاء في ظرفية حساسة واستثنائية" وفق تقديرات مجلة "جون أفريك" الفرنسية، التي وصفت هذا التعيين بأنه يأتي تزامنًا مع تنامي الاستثمارات الأمريكية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وفي سياق استراتيجي خاص فرضته اتفاقات أبراهام، التي أعادت رسم خارطة التحالفات الإقليمية وفتحت الباب واسعًا أمام تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة وعدة بلدان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا،
وخصّصت مجلة "جون أفريك"، حيّزًا بارزًا للحديث عن السفير الأمريكي الجديد، ريتشارد ديوك بوكان الثالث، مؤكدة أن اختياره لم يكن اعتباطيًا أو وليد صدفة، فهذا الدبلوماسي المخضرم ليس غريبًا عن المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية، بل يمتلك سجلًا دبلوماسيًا حافلًا وتجربة واسعة، إذ سبق له أن تولّى مهام سفير الولايات المتحدة لدى كل من إسبانيا وأندورا بين عامي 2017 و2021، ما مكّنه من امتلاك معرفة عميقة بالتفاعلات السياسية والاجتماعية في حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا، تُعزّز هذه الخبرة قدرته اللغوية اللافتة، فهو متقن للإسبانية التي اكتسبها خلال دراسته في جامعتي فالنسيا وإشبيلية، ما يسهّل عليه فهم السياقات المغاربية بدقة أكبر، ويجعله قادرًا على التفاعل معها بفعالية وحساسية استثنائية،
واعتبرت المجلة أن السفير الأمريكي الجديد في الرباط، يتمتع بميزات فريدة تعزز مكانته وتأثيره في السياسة الأمريكية، حيث يُعتبر من الشخصيات المقربة جدًا من الرئيس السابق ترامب، وسبق أن نجح بشكل لافت في جمع عشرات الملايين من الدولارات لصالح حملات الجمهوريين، ومنذ عام 2022، أصبح بوكان يشغل منصب رئيس لجنة المالية في الحزب الجمهوري، ما يجعله شخصية ذات نفوذ وتأثير قوي في قلب دوائر السلطة السياسية والاقتصادية في واشنطن،
وتوضح "جون أفريك" أن هذا التعيين يأتي في سياق استراتيجية سبق أن اتبعها ترامب مع سفيره السابق في المغرب ديفيد فيشر، الذي قاد سفارة بلاده في الرباط بين عامي 2020 و2021، وتعتمد هذه الاستراتيجية على تعيين سفراء يتمتعون بخبرات واسعة في عالم الأعمال والاقتصاد، وليس فقط على الخلفيات الدبلوماسية التقليدية، ويعكس هذا النهج رؤية ترامب التي تؤمن بأن النجاح في عالم الأعمال والاستثمارات من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي على النجاح الدبلوماسي، وهو ما عبّر عنه بشعاره الشهير "من ينجح في الأعمال، ينجح في الدبلوماسية".
وفي معرض مقارنتها بين بوكان وسلفه بونيت تالوار، الذي عينه الرئيس الديمقراطي جو بايدن، لفتت المجلة إلى الاختلاف الواضح بين الشخصيتين، ففي الوقت الذي ركز فيه تالوار على الدبلوماسية المؤسسية التقليدية التي تعنى بالاستقرار الإقليمي وقضايا حقوق الإنسان والتعاون الأمني، يمثل بوكان توجهًا مختلفًا تمامًا، فهو ينتهج ما يُعرف بـ"دبلوماسية النتائج"، التي تهدف إلى تحقيق نتائج اقتصادية ملموسة وتوسيع النفوذ الأمريكي استراتيجيًا، وتتمثل أولويات بوكان في تسريع وتيرة الاستثمارات الأمريكية، واستقطاب الشركات الأمريكية الكبرى للمغرب، وتعزيز العلاقات الثنائية عبر المصالح الاقتصادية المشتركة،
وفيما يتعلق بالاستثمارات الأمريكية في المناطق الجنوبية المغربية، خصصت المجلة مساحة واسعة للحديث عن الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للصحراء المغربية، التي باتت تشهد تحولًا تنمويًا كبيرًا بفضل توافد الشركات الأمريكية الكبرى التي تعمل في مجالات حيوية كإنتاج الطاقة المتجددة، ومشاريع البنية التحتية المتطورة، إضافة إلى القطاع السياحي الذي يشهد نموًا متسارعًا، ومن أبرز هذه المشاريع ميناء الداخلة الأطلسي الكبير، الذي يُتوقع أن يتحول إلى منصة استراتيجية تربط القارة الإفريقية بأوروبا وأمريكا، ما يجعله محركًا أساسيًا للنمو الاقتصادي في المنطقة.
وبحسب "جون أفريك"، فإن إدارة ترامب ترى في الصحراء المغربية فرصة لا تقتصر على أهميتها الجيوسياسية فقط، بل تُعد أيضًا منصة نموذجية لتصدير التجربة الأمريكية في مجالات الاقتصاد والطاقة والأمن، ويمثل مشروع إنشاء القنصلية الأمريكية في الداخلة، الذي أعلن عنه ترامب في ولايته الأولى وتوقف لأسباب سياسية، أحد المشاريع الكبرى التي يُنتظر أن يعمل السفير الجديد بوكان على إحيائها وتنفيذها بأسرع وقت ممكن، لِما لها من آثار إيجابية اقتصادية وسياسية واسعة النطاق.
وترى المجلة أن تعيين بوكان يمثل إشارة واضحة من الولايات المتحدة إلى السلطات المغربية، تدعوها من خلالها إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، واعتماد لغة المصالح المشتركة من أجل خلق شراكات مربحة للطرفين، سيما وأن ترامب أكد في إعلانه الرسمي عن تعيين بوكان عبر منصته الاجتماعية "تروث سوشيال" أن الأخير سيكون "شخصية محورية في تعزيز السلام والحرية والازدهار" بين الولايات المتحدة والمغرب.
وريتشارد ديوك بوكان الثالث، الذي وُلد في 3 يوليو 1963، هو رجل أعمال ودبلوماسي أمريكي معروف، حاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية هارفارد عام 1991، متزوج وأب لثلاثة أبناء، ويشغل حاليًا منصب المدير المالي للجنة الوطنية للحزب الجمهوري، ما يجعله شخصية مؤثرة وفاعلة في المشهد السياسي الأمريكي، تعكس عمق حضوره وتأثيره داخل التيار المحافظ بالولايات المتحدة،