في عيد استقلال تونس.. الملك محمد السادس لم يهنئ الرئيس قيس سعيّد.. والخلاف "يتعقد أكثر" بسبب ميل الأخير للجزائر

 في عيد استقلال تونس.. الملك محمد السادس لم يهنئ الرئيس قيس سعيّد.. والخلاف "يتعقد أكثر" بسبب ميل الأخير للجزائر
الصحيفة - خولة اجعيفري
السبت 22 مارس 2025 - 21:00

في سابقة غير معهودة منذ استقلال تونس سنة 1956، غابت رسالة التهنئة الملكية المغربية الموجهة إلى الرئيس التونسي بمناسبة عيد الاستقلال، الذي يوافق 20 مارس من كل سنة، وهو "صمت" لا يمكن اعتباره مجرّد سهو بروتوكولي أو دبلوماسي عابر، بل يحمل في طياته مؤشر على مستوى التدهور غير المسبوق في العلاقات بين الرباط وتونس، منذ صعود الرئيس الحالي قيس سعيّد إلى الحكم واتخاذه مواقف اعتبرتها الرباط عدائية.

ومنذ تولي الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية سنة 1999، دأب الديوان الملكي المغربي على توجيه برقيات تهنئة إلى الرؤساء التونسيين، حتى في أوج الفتور الدبلوماسي، لكن ما حدث هذه السنة، في الذكرى 69 لاستقلال تونس، شكّل تحولاً لافتاً، فوفق ما عاينته "الصحيفة" وكالة المغرب العربي للأنباء خلت قصاصاتها من أي إشارة إلى تهنئة تقليدية، كما لم تُسجَّل أي مراسلة رسمية من الديوان الملكي بهذا الشأن.

الرسالة الوحيدة كانت في الصمت نفسه، الذي قرأه كثيرون باعتباره تعبيراً مقصوداً عن استياء الرباط المتراكم من خيارات قيس سعيّد الإقليمية، والتي انزاحت — في نظر المغرب — عن سياسة الحياد الإيجابي والتاريخي التي لطالما طبعت موقف تونس من قضية الصحراء المغربية، وقد أسس لها الرئيس التونسي السابق الراحل بورقيبة والملك الراحل الحسن الثاني.

ويرجع الشرخ الحاد في العلاقات بين البلدين إلى 26 غشت 2022، عندما استقبل الرئيس قيس سعيّد زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، في مطار "تونس قرطاج" باعتباره "رئيس دولة"، وذلك على هامش مؤتمر "تيكاد 8" (منتدى طوكيو للتنمية الإفريقية) الذي انعقد في تونس، ما اعتبره المغرب، بمثابة "طعنة دبلوماسية" وتجاوزاً للخطوط الحمراء، وهو ما جعل الرباط سفير المملكة في تونس حسن طارق للتشاور، في خطوة وُصفت بأنها إعلان شبه رسمي عن أزمة سياسية.

ورغم رد تونس بإجراء مماثل، إلا أن الرباط لم تتراجع عن موقفها، بل كثّفت من انتقاداتها الضمنية للسياسة الخارجية التونسية، معتبرة أن الرئيس سعيّد اختار الاصطفاف إلى جانب الجزائر، الخصم الإقليمي للمغرب، في ما يتعلق بملف الصحراء.

وخيارات الرئيس التونسي في الملف المغاربي لم تكن مجرد مواقف ارتجالية، بل جزء من استراتيجية تهدف إلى إعادة تموقع تونس إقليمياً في ظل وضع داخلي مأزوم، فمنذ قرارات 25 يوليوز 2021، التي أطاحت بالبرلمان وكرّست تركيز السلطات في يد الرئيس، دخلت تونس مرحلة من العزلة السياسية والاقتصادية، ترافقت مع صعوبات تفاوضية مع صندوق النقد الدولي، واحتجاجات داخلية متزايدة.

وفي خضم هذا السياق، شكّلت الجزائر حليفاً استراتيجياً جديداً لنظام قيس سعيّد، من خلال دعم مالي وسياسي، مقابل مواقف داعمة لأطروحة الجزائر في الصحراء، ما اعتُبر في الرباط انقلاب على موقف تونسي تقليدي قائم على الحياد، بل إن استقبال غالي لم يكن معزولاً عن مناخ تقارب أوسع بين النظامين، وقد تُرجم في زيارات رسمية ومواقف علنية داعمة للجزائر في قضايا إقليمية حساسة.

وفي ظل هذا التدهور، لم تُفلح محاولات محدودة في إعادة الدفء إلى العلاقات، ففي غشت 2024، التقى رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش وزير الخارجية التونسي السابق نبيل عمار في فرنسا، على هامش احتفال رسمي، واللقاء اعتُبر آنذاك بادرة حسن نية، لكنه بقي دون أثر سياسي فعلي.

بعدها، في 12 شتنبر 2024، أجرى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مكالمة هاتفية مع نظيره التونسي الجديد محمد علي النفطي، الذي تم تعيينه في إطار تعديل حكومي، ورغم صدور بلاغات رسمية تتحدث عن الرغبة في تعزيز التعاون، لم تسفر هذه المكالمة عن تحريك فعلي للقنوات الدبلوماسية.

الركود تواصل خلال الأشهر التالية، إذ لم تُعقد أي لجان مشتركة، ولم تُسجَّل زيارات وزارية أو فتح لملفات التعاون الاقتصادي أو الثقافي، بل إن صمت الرباط في 20 مارس 2025، تاريخ عيد الاستقلال التونسي، كان تعبيراً مباشراً عن دخول العلاقات مرحلة "اللامبالاة الباردة"، حيث يغيب الاحتكاك العلني، ويُستبدل بسياسة التجاهل المنهجي.

وبذلت "الصحيفة"، محاولات عدة للحصول على موقف رسمي من وزارة الخارجية التونسية بشأن الأزمة الصامتة مع الرباط، فيما ظلّ الباب موصداً في وجه أي تصريح أو توضيح يعكس حقيقة ما يجري خلف الكواليس.

وفي واحدة من تلك المحاولات التي قامت بها "الصحيفة"، تعهّد وزير الخارجية التونسي السابق، نبيل عمار، بمنح الجريدة حواراً خاصاً يُفكك فيه خيوط التحول الذي طرأ على سياسة بلاده الخارجية، ويشرح الخلفيات الدقيقة لانزياح تونس عن موقف الحياد التقليدي إزاء قضية الصحراء، ومسار البرود الذي تسلكه العلاقة مع المغرب، غير أن هذا التعهّد سرعان ما أُلغي من طرفه، قبل ساعات قليلة من الموعد المحدد، دون تقديم مبررات تُذكر، ولم تمضِ سوى أيام معدودات حتى أطاح به قيس سعيّد في تعديل حكومي مفاجئ، ما عزز الشكوك حول وجود توجه رئاسي حاسم لفرض الصمت المؤسسي في هذا الملف، وتجنب أي خروج إعلامي قد يُفسر على أنه نية للانفتاح أو المراجعة.

وهذا التردد، بل والتراجع عن الحوار، لا يمكن قراءته إلا ضمن سياق أوسع يتّسم بانكماش دبلوماسي واضح من الجانب التونسي، وحرص مشدد على تفادي أي مواجهة لفظية أو توضيحية مع المغرب، ما يشي بوجود قرار سياسي أعلى بتجميد التواصل العلني، وانتظار ما قد تسفر عنه موازين الإقليم وتفاعلاته، لا سيما في ظل ما يبدو أنه ارتهان متزايد للمعادلة الجزائرية.

من جانب اخر، فإن هذا التحول الدبلوماسي لا يمكن فصله عن تصور الرباط لوحدة أراضيها كقضية مركزية غير قابلة للمساومة، فبعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، والانفتاح المتسارع في علاقات المغرب مع شركائه الأفارقة والعرب، باتت الرباط تُقيّم علاقاتها الثنائية بناءً على الموقف من وحدتها الترابية، وهو ما أكده المغرب على لسان الملك محمد السادس في خطابه الشهير بمناسبة ثورة الملك والشعب في 2021، عندما أكد "التحالف مع كل من يعترف بوحدتنا الترابية"،  في إشارة كانت تحمل رسالة ضمنية إلى حلفاء محتملين وخصوم مترددين، أما تونس، في هذه المعادلة الجديدة، لم تعد تحظى بوضع "الجار الحيادي"، بل أصبحت في نظر المغرب طرفاً غير موثوق به.

هذا، ويُظهر غياب التهاني الملكية أن المغرب لم يعد يرغب في استمرار العلاقات وفق المنطق السابق القائم على المجاملة الرمزية، بل إن الرباط، باعتمادها الصمت، تبعث برسالة تفيد أن استعادة الثقة تتطلب مراجعة جوهرية في سياسات تونس، وعلى رأسها الابتعاد عن الاصطفاف في المحور الجزائري المعادي لمصالح المغرب، والانخراك فعلياً في سياسات منحازة للطرح الانفصالي، وفقاً لتقدير المسؤولين المغاربة.

وفي المجمل، فإن غياب تهنئة الملك محمد السادس للرئيس التونسي هذه السنة لم يكن مجرد قرار شكلي، بل رسالة سياسية محسوبة بعناية، ذلك أن الدبلوماسية المغربية التي كانت تحتفظ بمستوى معين من التواصل الرمزي، حتى في أحلك الظروف، اختارت هذه المرة الإعراض التام، وهذا الإعراض لا يعني فقط تجميد العلاقات، بل تحوّلاً نحو "اللامبالاة الرسمية"، التي تُعتبر في أدبيات العلاقات الدولية مؤشراً على بلوغ الأزمة مستوى غير قابل للاحتواء في الأمد القصير.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

لماذا يجب أن نعامل الجزائر بالمثل؟

فجأة ودون مقدمات، ودون تفسير، ودون أسباب واضحة، قررت الجزائر، اعتبارَ نائب القنصل العام المغربي في هران "شخصا غير مرغوب فيه"، وإمهاله 48 ساعة لمغادرة البلاد. ولم تكلف الخارجية الجزائرية نفسها عناء تقديم أي ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...