المصالحة مع فرنسا والاصطدام بمالي يفتح أمام الجزائر باب "التوتر" مع روسيا في منطقة الساحل
في الوقت الذي قررت فيه الجزائر أن تتجه نحو استعادة تعاونها الأمني والاستراتيجي مع فرنسا، وجدت نفسها أمام معادلة معقدة في منطقة الساحل، تضعها اليوم في موقع "التوتر" مع روسيا، الحليف الجديد والقوي لتحالف دول الساحل الثلاث، وهي مالي والنيجر وبوركينا فاسو، التي دخلت الآن في أزمة سياسية ودبلوماسية مع الجزائر على خلفية إسقاط النظام الجزائري لمسيرة مالية على الحدود.
ووفق العديد من القراءات السياسية لهذه التطورات المتسارعة، فإن تفجر الأزمة بين الجزائر ودول الساحل الثلاث، يأتي بعد أيام قليلة فقط من عقد هذه الدول لاجتماع مهم في العاصمة الروسية موسكو، مع المسؤولين الروس، حيث ناقشوا توسيع الشراكة العسكرية، بما في ذلك تصنيع المعدات الدفاعية داخل دول التحالف، وتطوير القدرات الذاتية بعيدا عن النفوذ الغربي.
هذا التحول نحو روسيا، والتي ينظر إليها تحالف الساحل كبديل استراتيجي عن فرنسا والقوى الغربية، يعقّد وضع الجزائر، التي أعادت تفعيل شراكتها الأمنية والاستخباراتية مؤخرا مع باريس، وإعلانها عن فتح "حوار استراتيجي مع فرنسا حول منطقة الساحل"، وهو الأمر الذي يتناقض جذريا مع توجّه مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
وسبق أن أعلنت دول الساحل الثلاث رفضها القاطع لأي تقارب مع فرنسا، وتُحمّلها مسؤولية فشل مكافحة الإرهاب في الساحل، وقد طردت جميعها القوات الفرنسية وسفراء باريس، كما علّقت التعاون مع منظمات فرنسية، وهو ما يجعل أي تقارب جزائري-فرنسي حول المنطقة، مثيرا للريبة بخصوص دور الجزائر.
وينطبق نفس الأمر على روسيا، التي ترى أن وجودها في منطقة الساحل هو جزء من دعم سيادة الدول ورفض الوصاية الغربية، وتسعى لتثبيت نفوذها العسكري والدبلوماسي عبر تحالفات طويلة الأمد مع حكومات الدول الثلاث، وهي الحكومات التي تعتبرها الجزائر "غير شرعية" و"انقلابية".
واستعملت الجزائر في البيان الذي أصدرته عقب اتهامات "دعم الإرهاب الدولي" التي وجهتها إليها مالي على إثر إسقاطها لطائرة الدرون، (استعملت) مصطلحات تتعارض مع الخطاب السياسي الذي تستعمله روسيا بشأن دول الساحل، حيث وصفت الجزائر النظام المالي بـ"الانقلابي" واتهمته بجلب "المرتزقة" إلى إفريقيا، في إشارة إلى مجموعة "فاغنر" الروسية.
وتفتح هذه اللهجة التي تتضمن اتهامات مبطنة إلى روسيا، الباب أمام "توتر" بين الجزائر وموسكو، بالإضافة إلى زيادة الهوة بين الجزائر ودول الساحل، وهو ما سيدفع روسيا للاستفادة من هذا الشرخ لتقوية قبضتها في المنطقة، عبر الدعم العسكري والتكنولوجي، ما يعني أن الجزائر قد تواجه في المستقبل نفوذا روسياً أكثر رسوخا في جوارها الجنوبي، يُحد من هامش تحركها، سواء في الوساطة أو في الأمن الحدودي.
وفي الوقت الذي تتبنى فيه الجزائر خطابا معاديا للانقلابات ومشككا في شرعية حكومات الساحل، تتبنى موسكو خطابا مضادا يُشرعن هذه الحكومات ويدعمها بالسلاح والتدريب والتقنيات، ما يجعل التوتر بين الجزائر ورسيا غير مباشر الآن، لكنه آخذ في التنامي ضمن صراع النفوذ الدولي على الساحل.